استحقاقات حماس بين انتخاباتها الداخلية ووثيقتها السياسية

24 أكتوبر 2016

حشد احتفال حماس في غزة بذكرى تأسيسها (14/12/2010/فرانس برس)

+ الخط -
تتداول أوساط إعلاميّة بكثافةٍ ملفتةٍ أنباء اقتراب الانتخابات الداخليّة لحركة المقاومة الإسلامية حماس، والتحضير لخلافة رئيس مكتبها السياسيّ، خالد مشعل، حيث بدأت الترجيحات نحو المرشّحين لقيادة الحركة، والعوامل المؤثّرة في ذلك داخليّاً وخارجيّاً. ولعل ما زاد من وتيرة التداول الفلسطينيّ لانتخابات "حماس" الداخليّة، تزامنها مع السفر المفاجئ لنائب رئيس مكتبها السياسيّ، إسماعيل هنيّة، لأداء فريضة الحجّ، للمرّة الأولى منذ عام 2006، حين كان رئيساً للحكومة الفلسطينيّة العاشرة، مما دفع إلى القول إنها زيارة سياسيّة أكثر منها أداء الشعيرة.
تبدي "حماس" تفهّماً للاهتمام المحليّ والإقليميّ والدوليّ بانتخاباتها الداخليّة، ما قد يؤكّد أهميّة مكانتها في القضيّة الفلسطينيّة. وعلى الرغم من أنها تعلن أنها ترفض التدخّل من أيّ جهة للتأثير على مجريات الانتخابات ونتائجها، لأنّها شأنٌ داخليّ، فإنها تعيد مسألة الانتخابات الداخلية إلى ما تعتبرها اللوائح المتّفق عليها داخل الحركة. وتنصّ هذه على اختيار شخص بديل عن مشعل للدورة المقبلة، حيث لديها عدة قيادات يمكن لأي منها تسلّم هذا الموقع، بغض النظر عن مدى علنيّة الأشخاص أو سريّتهم.
وما زالت حركة حماس سرية، ولم تنشر لوائحها الانتخابية، فليس هناك من معلومات دقيقة بشأن كيفية انتخاب قيادتها وزعيمها، مع وجود عرفٍ تتبعه الحركة، يقضي بانتخاب مجلس الشورى العام لها، ولا أحد يعرف عدد أفراده، لكنهم من القيادات التاريخية والسياسية والمناطقية للحركة، في الداخل والخارج، وينتخب هذا المجلس المكتب السياسي، أعلى سلطة تنفيذية في "حماس". وفي مرحلة لاحقة، يتم انتخاب زعيم الحركة من بين أعضاء هذا المكتب الذي لا يعلن عن عدد أفراده أيضاً، لأن أسماء غالبيتهم سرية، باستثناء عدد قليل، أبرزهم خالد مشعل وإسماعيل هنية وموسى أبو مرزوق ومحمود الزهار وعزت الرشق وخليل الحية.
وكانت آخر انتخابات داخلية لحماس قد أجريت في العام 2012، لاختيار قيادتها، حيث تنتهي ولاية مشعل أواخر العام الجاري 2016، ويتوقع أن تجري الانتخابات القادمة أوائل 2017 وفق تصريحات قادة الحركة.

بعد مرور زهاء ثلاثين عاما على تأسيس "حماس"، يمكن القول إن لديها مؤسّسة تنظيميّة راسخة. وبحسب لوائحها الانتخابية الداخلية، تنتهي مدّة رئاسة مشعل المكتب السياسي أواخر العام الجاري 2016، والحركة لا تصعد نائبه مباشرة ليحلّ في مكانه، بل تجري انتخابات شاملة، تتوّج باختيار رئيس الحركة ونوّابه، واختيار من يشغل المناصب الأخرى الرئيسة فيها، مع أنّ المواقيت الزمنيّة لهذه العمليّة لم تعلن بعد، ولم تتّخذ الحركة إجراءاتٍ محدّدة في هذا المجال. وربما يعود سبب تضارب المواعيد المعلنة لانتخابات حماس الداخلية، بين قائل إنها أواخر 2016، وآخر أكد أنها أوائل 2017، بسبب الطبيعة السرية لها، وعدم وجود تاريخ مسبق لدى الحركة، لكن يبدو أن المسألة هي عدم ترشّح مشعل لقيادة حماس، لأنّه قادها بين عامي 1996-2016، ولا يبدو أنه عازم على الترشح لفترة ثالثة.

التمديد لمشعل
في الوقت نفسه، تعتقد آراء وجيهة أنه على الرغم من أن "حماس" مطالبةٌ بالالتزام باللّوائح الداخليّة لانتخاب رئيسٍ جديد لها خلفاً لمشعل، وعلى الرغم من أن الأخير أكد أنه لن يمدد، إلا أنّ الأوضاع الفلسطينيّة، والظروف الإقليميّة لإنهاء الحرب في سورية، ومساعي "حماس" لترميم علاقتها المتوتّرة مع مصر، ربما تستوجب منح الرجل عاماً آخر لزعامة الحركة، لترتيب هذه الملفّات، على اعتبار أن اختيار زعيم جديد لحماس، في هذا التوقيت الحساس، سيتطلّب منه عاماً أو عامين، لترتيب أوضاع التنظيم الداخليّة، على حساب الملفّات الخارجيّة. وهنا، قد تظهر مشروعية التمديد المؤقت لمشعل.
هذا لا يعني عدم وجود قرار لدى الحركة بتحقيق انتقالٍ في قيادتها، بانتخاب هنيّة أو موسى أبو مرزوق أو غيرهما لخلافة مشعل، لكنّ انتخاب قائد جديد ربما يحتاج تأجيلاً عامين آخرين، يبقى مشعل فيهما في فترة انتقاليّة، لصعوبة الواقعين العربيّ والإقليميّ، والأزمة العاصفة التي تمرّ بها المنطقة.
مع العلم أن "حماس" دأبت على الإعلان، بين حين وآخر، أنه لا وجود لمرشّح بعينه يطرح برنامجاً سياسيّاً خاصّاً، لأنّ عمليّة اختيار قائد لا تتم بالترشّح، بل باختيارٍ من مجلس الشورى التابع للحركة، في ظل نفيها تسريباتٍ عن إجراء تعديلاتٍ على طريقة إجراء الانتخابات الداخليّة، وصلاحيّات رئيس المكتب السياسيّ ومجلس الشورى وأعضائهما.
ومع أنّ حماس ما زالت حركة لا تنشر مداولاتها على الملأ، فإنّ انتخاباتها الداخليّة، تحظى باهتمام محليّ وإقليميّ ودوليّ، بسبب انفتاحها المتزايد في علاقاتها الدولية، واللقاءات التي يعقدها مشعل مع المسؤولين الدوليين، خلال إقامته في الدوحة.

الميثاق والوثيقة

بالتزامن مع تحضيرات حركة حماس لانتخاباتها الداخلية، خرجت إلى السطح نقاشاتٌ وتصريحاتٌ عنها بقرب إصدار ما قالت إنّها وثيقة سياسيّة جديدة، من دون تحديد موعد دقيق لذلك. ويخرج هذا الحديث وما يزال ميثاق "حماس" الصادر عام 1988 هو الوثيقة الأساسيّة
التي تعبّر عن المبادئ الفكريّة والوطنيّة للحركة، مع إصدارها، بين حين وآخر، بياناً توضيحيّاً، أو مذكّرة تفسيريّة، ترسلهما إلى الجهّات العربيّة والدوليّة عند كلّ موقف، لكنّ حماس قد تعني، بوثيقتها السياسيّة الجديدة، أنها تقدّم أطروحاتٍ أكثر تحديثاً عمّا ورد في الميثاق.
قد تعرض وثيقة حماس على مكتبها السياسيّ لإقرارها، وساهمت بإعدادها قيادات الحركة، ونخبة من المفكّرين الفلسطينيّين والعرب، حيث تتضمّن مواقفها من مختلف جوانب القضيّة الفلسطينيّة، والصراع مع إسرائيل، والعلاقة مع الفصائل الفلسطينيّة، والمواقف من الدول العربيّة والإسلاميّة والأجنبيّة.
وعلى الرغم من أن أوساطاً في "حماس" اعتبرت ما يشاع حول الوثيقة الجديدة مبالغاً فيه، لأنّ الوثائق السياسيّة لا يُكشف عنها، ويتمّ تداولها فقط داخل أطر الحركة، لكن كاتب السطور تواصل مع أوساط في "حماس"، أكدت له أن الوثيقة الجديدة تعبّر عن نضوج الحركة سياسيّاً وفكريّاً، وهي نتيجة خبرات سنوات طويلة منذ تأسيسها أواخر 1987، غير أن هذا لا يعني أنّ "حماس" غيّرت جلدها، أو قدّمت تنازلاتٍ بمواقفها السياسيّة، لكنّها حصيلة اكتسابها تجارب سياسيّة كثيرة عقب دخولها في مراحل مهمّة، مثل انتفاضة الحجارة في عام 1987، وانتفاضة الأقصى في عام 2000، وانخراطها في الانتخابات التشريعيّة في عام 2006، ومواجهتها الحروب الإسرائيليّة الثلاث على غزّة في أعوام 2008، 2012، و2014.
ولعلّ الفرق بين الوثيقة الجديدة لحركة حماس التي تركز على مبادئ سياسية تفصيلية، وقد تكون دليلاً لها على أرض الواقع في سياستها، وعلاقاتها الداخلية والخارجية، وميثاقها الأساسيّ الذي تناول شعارات أيديولوجية عامة، أنّ "حماس"، بسلوكها الميدانيّ، تجاوزت الميثاق، ولم يعد قيداً على موقفها السياسيّ، ما سيكون أكثر وضوحاً في الوثيقة الجديدة، وهذا قد يعتبر مؤشّر نضج لدى حماس.

البرنامج السياسي
لدى حركة حماس عدة وثائق سياسية محدودة، فقد سبق أن أصدرت ميثاقها الأساسيّ في أغسطس/ آب 1988، واعتبرته ناظماً لأفكارها السياسيّة، وتوجّهاتها الإيديولوجيّة، وقد لا تكون الوثيقة الجديدة بديلاً عنه. وفي عام 2006، أصدرت برنامجها السياسيّ للانتخابات التشريعيّة، قدّمت فيه مواقفها من قضايا التعليم والصحّة ومكافحة الفساد، وهو يعتبر وثيقةً رسمية في الحركة قدّمتها للناخبين الفلسطينيين. وفي 2014، نشر أحد مفكّري "حماس" السياسيّين، يوسف رزقة، ورقة بحثيّة عن الرؤية السياسيّة للحركة، أبدى فيها اهتماماً ملحوظاً بقضايا المواطنة وحقوق الإنسان والمساواة وحريّة التعبير. وعلى الرغم من أن تلك الورقة ليست من وثائق "حماس" الرسمية، إلا أنها تعبر عن نقاشاتها الداخلية.
ويُذكر أن "حماس"، قبل إقرارها الوثيقة المكتوبة الجديدة، كانت قد بدأت بالسير في وثيقة سلوكيّة لها على الأرض منذ عام 2006، مع دخولها العمليّة السياسيّة في الانتخابات التشريعيّة، ما يعني أنها، إن أرادت قيادة الشعب الفلسطيني، عليها تقديم مبادرات سياسيّة على الأرض، وليس إصدار وثيقة فقط قد تحدث صخباً إعلاميّاً أيّاماً وأسابيع.
ربما ينتظر المجتمع الدولي من "حماس" سلوكيّات على الأرض، وليس وثائق نظرية، على أهميّتها، و"حماس" في وضعٍ لا تحسد عليه من الحصار الإسرائيليّ، والضغط العربيّ والدوليّ، وجزء كبير منه، بسبب ميثاقها الذي أضرّها، وبات عبئاً عليها، لتضمّنه مواقف خطيرة، بينها معاداة اليهود لأنّهم يهود، وليس لأنّهم محتلّون لفلسطين.
يتوقّع أن تقدّم "حماس"، في وثيقتها السياسيّة الجديدة، رؤيتها لمستجدّات المنطقة، تتضمّن علاقاتها مع دول الجوار، ومنظّمة التحرير والسلطة الفلسطينيّتين، وشكل النظام السياسيّ الفلسطيني. وقد تسود الوثيقة لغة المرونة، وحديث عن الشراكة السياسيّة مع الفصائل الفلسطينيّة، ولأنّ "حماس" باتت حركةً فاعلةً في المشهدين المحليّ والإقليميّ، قد يفرض عليها ذلك ترجمة هذا الدور السياسيّ إلى رؤيةٍ تتّسم بالواقعيّة السياسيّة.
تتطلب المتغيرات السياسيّة في المنطقة والعالم من "حماس" مواكبتها، للارتقاء بالحركة، وتصويب أدائها على الأرض، والاستحواذ على مواقع متقدّمة في السياسة الفلسطينيّة، والتأثير عليها، ما يجعل إصدار وثيقة سياسيّة لحركة المقاومة الإسلامية ظاهرةً صحيّة، طالما لا تمسّ بثوابتها، كتحرير فلسطين، وعدم الاعتراف بإسرائيل، وعودة اللاجئين.
الحلفاء والخصوم
ولذلك، قد تمثّل الوثيقة السياسيّة الجديدة لحركة حماس استجابةً للتطوّرات السياسيّة، وهي أشبه ببيان شامل، يشرح لجمهور الحركة والعالم سياساتها وأهدافها، فيما كان ميثاق حماس أدبيّات عامّة، صدرت لدى تأسيسها، وأصبح من الوثائق التاريخيّة، وجزءاً من مرحلة سابقة.
قد يكون توقيت الحديث عن صدور وثيقةٍ سياسيّةٍ لحماس غير عفويّ، فالحركة تبدو في حالة إعادة تموضع لعلاقاتها الإقليميّة والدوليّة، وإمساك العصا من المنتصف مع مختلف الدول، فهي تعيش شبه تحالفٍ مع قطر وتركيا، وتحاول ترميم علاقاتها الفاترة مع إيران ومصر، وتحاول
كسر جدار الحصار الدوليّ المفروض عليها منذ فوزها في الانتخابات التشريعيّة في عام 2006، ويتوقّع أن تتضمّن الوثيقة الجديدة ذلك كله بالتفصيل.
وربما تعبر وثيقة "حماس" الجديدة عن رغبتها في التكيّف مع التطوّرات السياسيّة في المنطقة، وتقديم خطاب إسلاميّ غير متشنّج، يحتكر الدين، للابتعاد عن التنظيمات السلفيّة، وتحمل توجّهات تجعلها مقبولةً من المجتمع الدوليّ، عبر تخفيف خطابها المعادي لإسرائيل، حتّى يدرك الأوروبيّون والأميركيّون أنّ هناك جدوى من الحديث مع حماس. وقد تخفّض الوثيقة الجديدة المحتويات الإيديولوجيّة لصالح المفردات السياسيّة، مع وجود خشية أن تكون وثيقة حماس مقدّمة لسيرها على خطى منظّمة التحرير الفلسطينيّة التي هبطت بسقفها السياسيّ، ما يتطلب من "حماس" الحذر من ذلك.
أخيراً، لا يعلم أحد متى ستصدر "حماس" وثيقتها السياسيّة الجديدة، وهل ستبقيها سريّةً أم تعلنها، مع أن الآمال التي تعقدها الحركة على قدرة هذه الوثيقة على إحداث تغيير إيجابيّ في المواقف الإقليميّة والدوليّة منها، وإن كانت مشروعة، لكنّها قد تصطدم بمطالب دوليّة تفوق الوثيقة، كالاعتراف بإسرائيل ونزع سلاح الحركة، وهو ما ترفضه "حماس" جملة وتفصيلاً.
ولا يعرف على وجه الدّقة متى سوف تجري "حماس" انتخاباتها الداخلية، لكن بقاء العملية الانتخابية محصورة في إطارات تنظيميّة ضيّقة قد يعود إلى رغبة قيادة الحركة في عدم إفساح المجال لأيّ تأثيراتٍ خارجيّة، بترجيح كفّة مرشّح على حساب آخر. ولذلك، قد تدفعنا هذه السريّة إلى تلقّي أيّ نبأ يفيد بفوز هنيّة أو أبو مرزوق أو سواهما لخلافة مشعل، وربّما اتفاق الثلاثة على التمديد لمشعل، لاعتباراتٍ تخصّ مصلحة "حماس".

1CF9A682-2FCA-4B8A-A47C-169C2393C291
عدنان أبو عامر

كاتب وباحث فلسطيني، دكتوراة في التاريخ السياسي من جامعة دمشق، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة في غزة، له العديد من المؤلفات والأبحاث والدراسات والمقالات.