يُصرّ حلفاء النظام السوري في لبنان على أن النظام بألف خير. يعتقدون بأن كل المؤشرات الدوليّة تسير في صالح تسوية سياسيّة في سورية، خصوصاً أن أياً من الأطراف غير قادر على تحقيق حسم عسكري. في الوقت عينه، يتحدّث عدد من هؤلاء الحلفاء عن أن النظام لا يبدو قابلاً لأي نقاش سياسي، وأنه غير مستعد لتقديم أي تنازل حقيقي في حال حصول التسوية السياسيّة للأزمة، وكل الظروف الاقليمية والدولية في مصلحته لهذه الناحية. من يستمع لوصف العقل السياسي للنظام السوري الذي يتكرّر على لسان عدد من حلفائه اللبنانيين، يُدرك أن النظام لم يعد قادراً على الحياة إلا في ظروف القتال.
لكن أمراً آخر يتحدث عنه حلفاء النظام: "لم يعد بقاء إيران في المعادلة السورية يرتبط بوجود نظام البعث، أو آل الأسد". لكن هذا لا يعني بطبيعة الحال أن الإيرانيين قرروا التخلي عن الأسد. إلا أنه مؤشّر إلى أن الإيرانيين قرروا عدم ربط "استثمارهم" في سورية بالنظام أو أي من شخصياته التي قد تكون موجودة في ميزان المقايضة عند أي بحث في تسوية سياسيّة جديّة.
بحسب ما ينقل عدد من هؤلاء الحلفاء، فإن الأولوية الإيرانيّة في سورية كانت، ولا تزال، تأمين الخط الممتد من دمشق إلى الساحل السوري، مروراً بالقلمون وحمص. والبعض يقول إن الأهم هو ربط منطقة الهرمل، شرق لبنان، بحمص والقلمون والساحل السوري. وقد استطاع الإيرانيون وحزب الله تحقيق هدفهم هذا، عبر سلسلة من المعارك الشرسة التي خاضها حزب الله في القلمون والزبداني، وأنهى عبرها التواجد المسلّح للمعارضة في هذه المدن المهمة مثل القصير ويبرود وبلدات مثل رنكوس والنبك وغيرها. لكنه لم يستطع بعد حسم معركة الجرد لصالحه، حيث تخوض المعارضة السورية والتنظيمات الإسلامية المتشددة (تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وجبهة النصرة) حرب عصابات ضد نقاطه العسكرية.
لكن الأهم هو عدم السماح للمدنيين بالعودة إلى مدينة القصير وريفها ويبرود وغيرها من المناطق تحت عناوين مختلفة، أبرزها أن هذه المناطق تُعتبر "مناطق عسكرية". حتى إن مؤيدي النظام من سكان هذه المناطق منعوا من ذلك، ولم تنجح الوساطات في إعادتهم إلى أرضهم. وتنقل مصادر لبنانيّة متابعة لملف هذه المناطق معلومات عن أن النظام أبلغ من تبقى من سكان بلدات ريف القصير بضرورة مغادرتها. وبرر مسؤولو الاستخبارات السورية الأمر، بأن هذه الأرض لا تعود لهم، بل إنهم سكنوا فيها، بعدما أتوا للعمل في الأراضي الزراعية التابعة للعائلات الإقطاعية في المنطقة، وأبرزهم آل سويدان، ولاحقاً أسست هذه البلدات، التي كانت مزارع، بعد قانون التأميم.
كما أن هناك إصرارا عسكريا لدى الجيش السوري وداعميه لإنهاء معركة حمص بالكامل، إن عبر القتال أو عبر تسويات تسمح بخروج مقاتلي المعارضة، بحيث يُريد تأمين مدينة حمص وريفها الغربي بالكامل.
أكثر من ذلك، قام النظام السوري بحرق السجل العقاري في حمص في يوليو/تموز 2013، بحسب "اللجنة السورية لحقوق الإنسان". ونقلت حينها اللجنة عن الباحث، سعيد النظلة، الذي شاهد عملية حرق مبنى السجل العقاري في حمص، أن إحراق السجل العقاري لحمص وريفها كاملاً "عمل مقصود ومتعمّد، فالحريق كما رأيناه كان يتم طابقاً بعد طابق، والآن حمص ومناطقها وقراها أصبحت بدون وثائق ملكية". أمر مشابه يحصل منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة السورية، لأغراض تختلط فيها مصالح رأس المال وتغيير التركيبة الديموغرافية والجغرافيا السياسية لعاصمة الأمويين، تحت شعار المراسيم التي صدرت عام 2012 وقضت بإنشاء مناطق جديدة على أنقاض عشوائيات جنوب شرق المزة، وبساتين الرازي، وكفرسوسة ومزة كفرسوسة اللوان، وجزء من بساتين داريا، الدحاديل، نهر عيشة، القدم، والعسالي، بحجة "تنظيمها".
وفيما يؤكّد بعض حلفاء النظام السوري وجود معلومات لديهم تُفيد بأن هناك مخططا لتوطين جزء من سكان بلدتي نبّل والزهراء (في حلب شمال سورية) في منطقة ريف القصير، خصوصاً في حال فشل معركة فتح طريق الإمداد إليهما، يُشير آخرون إلى أنه لم يتم العمل بشكلٍ واضح على هذا الأمر. لكن الجميع يُجمعون على أن إيران باتت تُدير هذا الشريط.
يُضيف هؤلاء الحلفاء اللبنانيون لسورية، أن "الاستثمار" الإيراني تجاوز الجيش السوري أيضاً، من خلال بناء قوة عسكرية سورية غير رسميّة تدين بالولاء الكامل لهم. ويقول أحد السياسيين اللبنانيين ممن يزورون دمشق بشكل دوري إن جزءاً مهماً من التمويل الإيراني الشهري في سورية، والذي يتجاوز 500 مليون دولار أميركي، يذهب إلى هذه المليشيات، بينما ينحصر دعم النظام على البواخر الثلاث المحمّلة بالمازوت والبنزين التي تصل شهرياً إلى ميناء اللاذقية.
يقول العارفون بالدور الإيراني في سورية أن التحوّل الأساسي في هذا الدور حصل بعد تفجير خليّة إدارة الأزمة في دمشق في يوليو/تموز 2012. قبل ذلك التاريخ، رفض السوريون أي دور ميداني للإيرانيين، بحسب أحد المستشارين الذين فرزوا للعمل إلى جانب النظام. ويُضيف الرجل، أنه في تلك المرحلة أصرّ النظام السوري على أن حاجته الأساسيّة هي للسلاح فقط، وهو ما طلبه من الإيرانيين والروس، لكن بعد تفجير خلية إدارة الأزمة، والانهيار المعنوي الكبير في صفوف الضباط السوريين.
بعد هذه الحادثة، توسّع الدور الإيراني، فأرسل عشرات المستشارين العسكريين. ومع الوقت، بات هناك مستشارون سياسيّون وآخرون إعلاميون وآخرون في العلاقات الدبلوماسية. يُصرّ المستشار على أن الأولوية الإيرانيّة كانت في الحفاظ على الدولة السورية، ولذلك تم دعم مؤسساتها، الاقتصادية والعسكرية وغيرها. ويُشير المستشار إلى أن المجموعات العسكرية غير النظامية التي تم تدريبها هدفت إلى دعم الجيش النظامي. دبلوماسياً، لم يعد سراً أن المستشارين الرئيسيين للوفد السوري في مؤتمري جنيف1 وجنيف2، كانوا من الإيرانيين ومن كوادر حزب الله.
يُضيف المستشار أنه في حال كانت هناك مكتسبات لإيران من خارج مؤسسات الدولة السورية، فإن هذا جاء كنتيجة للعمل الإيراني، ولم يكن هو الهدف أو ضمن الأولوية الإيرانيّة. يختصر أحد الساسة اللبنانيين المقربين من حكام دمشق هذا الواقع بأن "التنسيق مع إيران بات ضرورة حتمية لأي سلطة تُريد أن تحكم سورية مستقبلاً، فمن دونها لا يُمكن تأمين استقرار هذا البلد. وبالتالي، فإن خسائر إيران مهما كبرت، لن تُخرجها من الملعب السوري"، بغض النظر عن مصير نظام الأسد.