في سياق مسلسل نقص الأدوية الحيوية المستمرّ في مصر والذي يعرّض حياة المحتاجين إلى تلك الأدوية للخطر، اختفت من صيدليات البلاد أخيراً حقن "آر إتش" (غلوبولين مناعي) اللازمة لتفادي احتمالات الإجهاض، الأمر الذي تسبّب في إثارة القلق بين النساء الحوامل والعائلات. وراح آلاف المصريين يبحثون عنها من دون جدوى، في حين أفاد أطباء بأنّها متوفّرة بكميات محدودة لا تكفي النساء اللواتي هنّ في حاجة إليها. يُذكر أنّ الحقنة الواحدة تُباع عادة في الصيدليات لقاء 720 جنيهاً مصرياً (نحو 45 دولاراً أميركياً)، فيما يتراوح ثمنها في السوق السوداء ما بين 2000 و2500 جنيه (نحو 125 - 155 دولاراً)، في ظلّ غياب دور رقابة وزارة الصحة والأجهزة المعنية الأخرى.
وعدم حصول نساء حوامل على حقن "آر إتش" التي من شأنها القضاء على أجسام مضادة تتكوّن لدى بعض الحوامل، يؤدّي في حالات كثيرة إلى ولادات مبكرة، قبل الأوان، بالتالي يضطر الأهل إلى إيداع أطفالهم المبتسرين في حاضنات خاصة لقاء آلاف الجنيهات، وذلك في ظلّ نقص كبير في حاضنات المستشفيات الحكومية. بالتالي، تحوّلت حاضنات المستشفيات والعيادات الخاصة إلى وسيلة لاستنزاف الأسر، فيما أنّ نجاة هؤلاء الأطفال الخدّج غير مضمونة. يُذكر أنّ تكلفة الليلة الواحدة تتراوح ما بين 300 و500 جنيه (نحو 20 - 30 دولاراً) في بعض المستشفيات لتصل في أخرى كبرى إلى 1200 جنيه (نحو 75 دولاراً). أمّا في المستشفيات الحكومية فتكلفة الليلة الواحدة مائة جنيه (نحو ستّة دولارات).
والنقص في تلك الحقن التي تُعَدّ ضرورية لعدد كبير من الحوامل قد يؤدّي إلى وفاة النساء أو الجنين نتيجة الإجهاض، بالإضافة إلى تعرّض النساء الحوامل إلى التهابات خطيرة وعمليات نزف. وفي بعض الأحيان، على خلفية اختفاء تلك الحقن، يلجأ أطباء متخصصون في أمراض النساء والتوليد إلى عمليات ربط عنق الرحم في أثناء الحمل، لمساعدة المرأة حتى لا تجهض أو تضطر إلى الوضع مبكراً.
يقول مسؤول في وزارة الصحة والسكان في مصر، فضّل عدم الكشف عن هويته لـ"العربي الجديد"، إنّ "اختفاء حقن آر إتش التي زادت حدّتها في مصر في خلال السنوات الأخيرة، يُعَدّ جريمة تتحمّلها الحكومة وكذلك النظام ككل"، لافتاً إلى أنّها "تتوفّر في أوقات متباعدة بأعداد وكميات محدودة. لكنّ الأمر بلغ ذروته في بداية العام الجاري". بالنسبة إليه، فإنّ "الأمر متعمّد على خلفية السعي إلى تحديد النسل". يضيف المسؤول نفسه أنّ "ثمّة حالة من الارتباك تسود المستشفيات الحكومية والخاصة والمراكز الطبية والصيدليات، بسبب القوائم الطويلة والطوابير، نظراً إلى كثرة المصريين الذين يبحثون عن أدوية ناقصة". ويكمل أنّ "نقص حبوب منع الحمل بمعظم أنواعها ما زال يمثّل أزمة لربّات البيوت، خصوصاً في القرى والأرياف المصرية، وهو ما يدفع كثيرات إلى الإجهاض الطوعي على الرغم من المخاطر الصحية المترتبّة عنه".
من جهته، يقول الأستاذ المحاضر في أمراض النساء والتوليد والعقم الدكتور عصام توفيق، لـ"العربي الجديد"، إنّ "اختفاء تلك الحقن كارثة بالنسبة إلى النساء الحوامل اللواتي تستوجب حالاتهنّ الحصول عليها، إذ إنّ الجنين سوف يموت لا محالة في بطن أمّه إذا لم تحصل عليها ثمّ تجهضه". ويشير إلى أنّ "أسعارها ارتفعت نحو 400 في المائة"، مؤكداً أنّ "توفّرها في السوق السوداء دون سواها يعني أنّ ثمّة حيتانا تتحكّم في سوق الدواء". يضيف أنّ "حقن آر إتش التي تنتشر في السوق السوداء هي مجهولة المصدر، وقد تسبّب هي في وفاة الحوامل أو الأجنّة بدلاً من إنقاذهم". ويتابع توفيق أنّ "حقن آر إتش تُعَدّ من الأدوية الحيوية والمهمة جداً لعدد من الأمهات الحوامل، وهي كانت متوفرة في الماضي في الصيدليات العامة بسعر يتراوح ما بين 300 و400 جنيه (نحو 20 - 25 دولاراً)"، مشدداً على أنّ "توفير هذه الحقن هو مسؤولية الدولة في المقام الأول، علماً أنّ مصر تحتاج إلى ما لا يقلّ عن 200 ألف - 300 ألف حقنة سنوياً. بالتالي، لا بدّ من بيعها في المنشآت التابعة لوزارة الصحة، فالقضية هنا بمثابة قضية حياة أو موت للأم والجنين. كذلك فإنّ عدم توفّرها يحكم على نساء كثيرات بعدم الإنجاب من جديد".