اختصاصات "عقيمة" في تونس

03 أكتوبر 2016
الاحتجاجات مستمرة والوضع كما هو (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -
ماجد عبد الكريم، أحد خريجي معهد الطفولة في تونس منذ عام 2008. بالرغم من مرور ثماني سنوات على التخرج إلا أنّه ما زال ينتظر فرصته في العمل بحسب اختصاصه. لم يشارك ماجد في أيّ مباريات تعيين أو انتدابات، لأنّها غير متوفرة إلاّ في ما ندر. الاختصاص الذي اختاره لا يمكّنه من إيجاد وظيفة في مؤسسة حكومية، بحسب ما يقول.

شارك مثل الكثيرين من خريجي معاهد الطفولة في العديد من التحركات الاحتجاجية أمام وزارة المرأة والطفولة للمطالبة بتوفير فرص عمل لهم. وكانت الوزارة قد أعلنت العام الماضي عن إقفال باب الانتدابات نظراً لعدم القدرة على استيعاب كل الخريجين، وعدم القدرة على توفير شغل لهم. حتى إن فتح باب الانتدابات فإنّه يتم قبول عدد محدود سنوياً قد لا يتجاوز خمسين مرشحاً. أكدت الوزارة أنّ أفضل حل لبطالة خريجي تلك المعاهد هو فتح رياض أطفال. لكن أغلب الخرجين يرفضون تلك الحلول، نظراً لانتشار الرياض العشوائية التي يتولاها أشخاص لم يتخرجوا من معاهد الطفولة. يُذكر أنّ عدد الخريجين من المربين يصل إلى نحو 225 مربياً عاطلاً من العمل، إلى جانب 1500 حاصلين على شهادة الأستاذية في شؤون الشباب والطفولة، أو على إجازة تطبيقية في تربية الطفولة.

كما يواجه خريجو تلك المعاهد مشاكل إغلاق مراكز دمج عديدة كانت توفر ملجأ لفاقدي السند (لا يملكون أوراق هوية) والمشردين. وهو ما يفقد الخريجين فرص العمل في مؤسسات تابعة للدولة.

يقول ماجد إنّه ندم على الالتحاق بمعهد الطفولة. لم يكن يعلم أنّه اختصاص يواجه مشكلة في توفير العمل، ولم يطلع على مشاكل من سبقوه من الخريجين.

بذلك، بات الاختصاص يشكو كغيره من قلة فرص التوظيف. وأصبح خريجوه يشكلون جزءاً من بطالة عشرات الآلاف، مع العلم أنّ تونس تشهد تخرج 60 ألف طالب سنوياً. يشير رئيس "اتحاد المعطلين عن العمل من أصحاب الشهادات العليا" سالم العياري لـ"العربي الجديد" إلى أنّ العديد من الاختصاصات التي لا تجد وظائف ساهمت بشكل كبير في ارتفاع نسبة البطالة في صفوف خريجي التعليم العالي. يشير إلى أنّ الواقع اليوم يتطلب إصلاح المنظومة التربوية ومطابقة الشهادات لسوق العمل، ووضع استراتيجيات من قبل المشرفين على الشأن التربوي من أجل التوفيق ما بين متطلبات السوق والاختصاصات.

آخر الإحصاءات التي صدرت عن المعهد الوطني للإحصاء عام 2015 بيّنت أنّ عدد العاطلين عن العمل بلغ نحو 620 ألف عاطل عن العمل، من بينهم 242 ألفاً من أصحاب الشهادات الجامعية. وأكدت الإحصاءات أنّ 75 ألف عاطل عن العمل حاصلون على شهادة الإجازة في العلوم الصحية (التطبيقية)، و54 ألفاً من أصحاب الشهادات التقنية، و39 ألفاً يحملون إجازة في العلوم الإنسانية والاقتصادية. هذه المؤشرات تؤكد على مشكلة البطالة لدى حاملي الشهادات الجامعية، خصوصاً في بعض الاختصاصات.

سيف مناعي، خريج كلية الفنون الجميلة عام 2007 لم يحصل على عمل حتى اليوم "لأنّ معظم خريجي الفنون الجميلة لا يعملون سوى مدرّسي رسم في بعض المعاهد. وهو أمر صعب مع عدم انتداب عدد كبير من مدرّسي الفنون سنوياً". يقول إنّ معظم خريجي تلك المعاهد يعملون فناني ديكور إذا توفرت لهم الفرصة في بعض البيوت الكبيرة أو الفنادق. وهي فرص نادرة جداً، ما يدفعهم إلى العمل في مجالات أخرى، خصوصاً أنّ الحصول على قروض صغيرة لفتح ورش رسم أمر صعب للغاية أيضاً، كما يقول.

يضيف أنّ "اختصاص الفنون الجميلة يعدّ من بين الاختصاصات التي لا تتمتع بآفاق عمل كبيرة في تونس. وهو ما يجعل الإبقاء على جامعة واحدة لهذا الاختصاص كافياً. معظم الخريجين عاطلون عن العمل، وبعضهم فتح ورش فنون ورسم بسيطة كي يتمكن من بيع بعض اللوحات".

يذكر أنّ وزارة التعليم العالي قررت إضافة 185 اختصاصاً بين إجازات ومراحل تحضيرية ودراسات طبية وهندسة معمارية ستوفر 735 عرض توظيف أولي (تكوين) موزعة على جميع مؤسسات التعليم العالي للسنة الجامعية 2016-2017 بحسب وزير التعليم العالي شهاب بودن.

كما أضيف العام الماضي في دليل التوجيه الجامعي خمسون اختصاصاً جديداً للتكوين المهني، كي تكون أكثر فاعلية في سوق العمل. مع ذلك، يتساءل العديد من أهل الاختصاص عن جدوى مواصلة دراسة اختصاصات جامعية تخرّجت منها أجيال من العاطلين عن العمل، نظراً إلى آفاق التشغيل المحدودة فيها، وجدوى اختيار الطلاب اختصاصاً دراسياً لا يفتح أمامهم أبواب التوظيف بعد التخرج.

في المقابل، أشارت دراسة للمعهد العربي لرؤساء المؤسسات حول التشغيل إلى وجود 145 ألف وظيفة شاغرة خلال العام الحالي، مقابل 120 ألفاً عام 2012. يؤكد الناطق الرسمي للمعهد فيصل الدربالي أنّ عدد الشواغر سيرتفع إلى 220 ألفاً خلال العامين المقبلين. يدعو إلى إعادة النظر في العلاقة بين سوق العمل والجامعات ومراكز التكوين. يضيف أنّ عدداً من رؤساء المؤسسات عبروا عن غياب اليد العاملة المتخصصة التي يحتاجونها.

المساهمون