اختتمت، مساء اليوم السبت، أعمال الندوة التي نظّمها "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في تونس، بعد تخصيص جلستين تضمّنتا 8 مداخلات من الجزائر والمغرب ومصر وتونس واليمن، حول دور الطبقة الوسطى في الانتقال الديمقراطي، وانتهت بكلمة لرئيس فرع "المركز العربي للأبحاث" في تونس، الدكتور مهدي مبروك.
وقال مبروك، إنّه تم في جلسة الختام، استحضار بعض تجارب الانتقال الديمقراطي في البلدان العربية، وتم الوقوف على جملة من النتائج؛ أهمها أنّ الطبقة الوسطى وراء الانتقال الديمقراطي في العديد من البلدان العربية، ولولاها لما تشكّلت الثورات العربية، بقطع النظر عن مآلات الفشل والنجاح لتلك الثورات.
وبيّن في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ الطبقة الوسطى لا تستطيع بمفردها أن تؤمّن نجاح الانتقال الديمقراطي؛ لأن عديد العوامل تتدخل وتتداخل، ومنها المجتمع المدني وموقف النخب ودور المؤسسة العسكرية في تأمين الانتقال الديمقراطي، معتبرًا أنه رغم أهمية دور الطبقة الوسطى في الانتقال الديمقراطي؛ فإنها تظل ذات ثقافة أميل إلى المحافظة على الواقع، ولا تريد المغامرة؛ مثل النموذج المغربي مثلًا.
واعتبر أن التجربة التونسية بيّنت أن الطبقة الوسطى كانت أكثر جرأة؛ لأنها تضررت من الأنظمة الفاسدة ومن الصراع الطبقي، وكانت أكثر ميولاً إلى التجديد والتغيير، لافتاً إلى أن تجارب البلدان العربية، كشفت أن الطبقة الوسطى لم تكن دائمًا صافية؛ بل هناك عدة عوامل مؤثرة، كالقبلية في اليمن، والعوامل الثقافية في الجزائر، وتأثير التيارات الثقافية في المغرب وتونس، مشيرًا إلى أن الطبقة الوسطى ليست مغلقة؛ بل تتأثر بمعطيات سياسية ونقابية، وهي منفتحة على عدة مؤثّرات أخرى.
وعلى هامش الندوة، التقى "العربي الجديد" الأستاذة والباحثة الجامعية بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس، هاجر عرايسية، التي قدمت دراسة ميدانية حول السلوك الانتخابي للطبقة الوسطى، أعدتها في 21 ديسمبر/كانون الأول 2014، وركزت على حي شعبي في تونس يضم شريحة واسعة من الطبقة الوسطى، وهو حي الخضراء وسط العاصمة التونسية، وخلصت الباحثة من خلالها إلى أنّ العلاقات الشخصية والمحيط يؤثران على توجهات الناخب.
وأكدت عرايسية أنّ ما لفت انتباهها خلال الانتخابات التشريعية والرئاسية في تونس في العام 2014، تأثير المحيط والعلاقات الشخصية في نوايا التصويت واختيار المترشح. واعتبرت أنّ "الطبقة الوسطى تهتم بالشأن السياسي، في حين أن الطبقات الفقيرة تركز على القوت والمعيشة؛ فحتى عند اغتيال شخصية سياسية كالرمز اليساري شكري بلعيد؛ لم تكن الطبقة الدنيا مهتمة"، مشيرة إلى أن الطبقة العليا لها اهتمامات ومشاغل أخرى بعيدًا عن الأحزاب والسياسة.
وأضافت عرايسية أن الدراسة الميدانية التي أنجزتها، أظهرت أن أغلب الإناث صوتن لصالح الرئيس التونسي الحالي، الباجي قائد السبسي، وتعود الأسباب إلى التجربة السياسية التي يمتلكها السبسي و"الكاريزما"، وقدرته على المحافظة على صورة تونس، بحسب الفئات المستجوبة، وذلك إلى جانب البرنامج السياسي، والذي تعتبره هذه الفئة "أكثر وضوحًا". أما الذكور، فقد صوّتوا أكثر للمنصف المرزوقي، باعتباره مناضلًا سياسيًّا ومعارضًا في عهد الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي، ولدفاعه عن قضايا حقوق الإنسان.
وأشارت الباحثة إلى أنّ الطبقة الوسطى تعتبر لدى السياسيين "الطبقة المدللة"، والتي يبقى لها دومًا وزنها، وبإمكانها تغيير الموازين إمّا لفائدة هذا المرشح أو ذاك، معتبرة أنّ الطبقة الوسطى في عهد بن علي لم تكن فاعلة سياسيًّا، على اعتبار أن الخيارات كانت تفرض عليها، ولكن مع الثورة وبروز الديمقراطية؛ أصبح للطبقة الوسطى رأي وقدرة على تقرير المصير.
وحول مدى مشاركة الطبقات الوسطى في الانتخابات المحلية التي تعتزم تونس إجراءها في نهاية العام 2017، قالت عرايسية إنها تتوقع مشاركة واسعة من هذه الفئة؛ لأنها بدأت تكتسب التقاليد، وأصبحت لها تجربة في الانتخابات بعد خوض الانتخابات التشريعية والرئاسية سابقًا، وبالتالي فإن هذه الطبقة أصبحت أكثر وعيًا وممارسة لدورها.
بدوره، قال رئيس قسم علم الاجتماع بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس، عبد اللطيف الهرماسي، لـ"العربي الجديد"، إنّ الأحداث والتطورات المجتمعية دحضت التصورات الماركسية التي أشارت إلى أن الطبقة الوسطى ستضمحل، معتبرًا أن مختلف التجارب بينت مزيدًا من توسع هذه الطبقة، والتي أصبح لها قدرة على التجدد ما جعل الرهان السياسي ينصب عليها.
وأوضح أن هناك صعوبات في فرز وفهم سلوكات الطبقة الوسطى، ما يتطلب مزيدًا من التفكير في معايير تحديدها، والتي تأخذ بعين الاعتبار تعقيدات الواقع، مشيرًا إلى أنّه أنجز بحثًا حول الانتخابات التشريعية والرئاسية السابقة، وقد صدر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، وتمحور حول اتجاهات التصويت في تونس.
وبيّن أن البحث ركز على مدى حظوظ المخيال والرمز في الانتخابات التشريعية والرئاسية، حيث كانت هناك خطابات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار بنيت على رمزية الثورة التي استخدمتها عديد الأحزاب؛ منها "النهضة" و"الجبهة الشعبية"، وتحولت الثورة من رمز إلى أداة توظيف انتخابي.