الانقسام الأيديولوجي حول قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حظر السفر من ست دول ذات أغلبية مسلمة، دَخَلَ إلى كل المؤسسات الأميركية، خلال الأشهر الخمسة الأخيرة، ليبلغ ذروته الشهر الماضي، بين البيت الأبيض والنظام القضائي. وبقيت بالتالي المحكمة الدستورية العليا حصن التحكيم الأخير، لمحاولة إيجاد توازن في معركة لا تزال مفتوحة على كل الاحتمالات.
القرار التنفيذي المعدّل، الذي أصدره ترامب في مارس/آذار الماضي، تم تجميد مفاعيله بأوامر قضائية فيدرالية. وكان يقضي بحظر شامل للسفر على مدى 90 يوماً، يشمل مواطنين مسلمين من إيران وليبيا والصومال والسودان وسورية واليمن، تمهيداً لإجراء مراجعة شاملة لسياسات الهجرة. محاولات وزارة العدل إحياء هذا القرار التنفيذي فشلت، بعدما ردت محاكم الاستئناف في فيرجينيا طلبها الشهر الماضي، وبالتالي لجأت إدارة ترامب إلى المحكمة الدستورية العليا التي قبلت النظر في هذه القضية.
أبعد من لغة هذا القرار ومضمونه، كان لافتاً الرأي الذي أعطاه القاضي كلارنس توماس (عيّنه جورج بوش الأب في المحكمة العليا عام 1991) ونال تأييد زميليه، صامويل اليتو (عيّنه جورج بوش الابن عام 2006)، ونيل غورسك (عيّنه ترامب أخيراً). ويقول توماس إنه كان يفضّل إعادة تنفيذ قرار الحظر بأكمله، لأن صون الإدارة للأمن القومي أكثر أهمية من المصاعب التي قد يسببها قرار الحظر المؤقت. كما حذّر توماس من أن التسوية التي خرجت بها المحكمة العليا ستكون "عبئاً" على السلطة التنفيذية التي سيكون عليها أن تقرر ما إذا كان لدى رعايا الدول المعنية علاقة كافية مع كيان أو شخص ما في الولايات المتحدة، مما يفتح باب الدعاوى القضائية على إدارة ترامب حتى موعد قرار المحكمة النهائي في الخريف المقبل. ومنْ يرى أن الحكومة الأميركية لم تنصفه قد يرفع دعوى أمام المحاكم المحلية التي سبق لها أن رفضت بالكامل قرار حظر ترامب، وبالتالي تعود القضية إلى المربع الأول.
يبدو من هذا الرأي الذي حرص توماس على نشره أن هناك تحالفا ثلاثيا محافظا يتشكّل في المحكمة الدستورية العليا، لا سيما مع غورسك الذي يبدو من قراراته في الأسابيع الأولى لانضمامه أنه سيكون قوة محافظة في المحكمة، كما وعد ترامب عند تعيينه. وبوجه التحالف المحافظ، التزم القضاة الستة الآخرون في المحكمة، الصمت، ما يعني اختلافا في الرأي أو ربما رغبة البعض في انتظار جلسة الخريف لتحديد الموقف النهائي لمحكمة تحاول الوصول إلى إجماع، لكن في النهاية تصوّت بالأكثرية. الأصوات الليبرالية الأربعة في المحكمة ستكون على الأرجح ضد قرار الحظر، أي روث غينسبرغ (عيّنها الرئيس الأسبق بيل كلينتون عام 1993)، وستيفن براير (عيّنه كلينتون عام 1994) وسونيا سوتومايور (عيّنها الرئيس السابق باراك أوباما عام 2009) وإيلينا كايغن (عيّنها أوباما عام 2010). ويبقى القاضي المستقل، أنطوني كينيدي (عيّنه الرئيس الراحل دونالد ريغان عام 1988) والمعروف عنه أنه الصوت المتأرجح في المحكمة. كما هناك رئيس المحكمة، جون روبرتس (عيّنه بوش الابن عام 2005) وهو ذات نظرة قضائية محافظة، لكن بحكم منصبه يحاول إبعاد الانقسامات عن المحكمة، كما أن قراراته قد لا تتوافق بالضرورة مع إدارة ترامب. وبالتالي التركيز في جلسة الخريف المقبل سيكون على الأسئلة التي سيطرحها كل من روبرتس وكينيدي على طرفي النزاع لمعرفة ما هي المواقف التي ينطلقون منها لبناء قراراتهم القضائية.
كمية الدعاوى القضائية التي تصل إلى المحكمة الدستورية العليا لا تعكس فقط مدى الانقسامات العميقة في المجتمع الأميركي، بل الدور المتنامي لهذه المحكمة التي سبق لها أن حسمت الانتخابات الرئاسية عام 2000. وأمامها، في الخريف المقبل، لائحة طويلة تشمل قضايا فصل الدين عن الدولة وحقوق حمل السلاح. لكن تحدي حظر السفر سيكون الاختبار الأبرز لمحكمة حافظت تاريخياً على تماسكها، وعلى عاتقها تقع الكلمة النهائية في تفسير الدستور الأميركي.