قد يختلف كثير من التونسيين مع فلسفة ومناهج حزب التحرير وأهدافه التي تدعو إلى إقامة دولة الخلافة، التي لا يخفيها ولا يعمل من أجلها سرياً، وإنما أعلنها وحصل بها على رخصة قانونية. غير أن منع السلطات التونسية هذا الحزب من عقد مؤتمره، أول من أمس السبت، أثار عدداً من الأسئلة التي تشكل اختباراً حقيقياً لمدى احترام دولة القانون، إذ أصدرت الحكومة التونسية قراراً بالمنع منذ أيام، ما دعا الحزب إلى التظلم من الحكومة لدى المحكمة الإدارية، التي قضت ببطلان القرار الحكومي ومنحت الحزب حق عقد مؤتمره، ولكن السلطات أصرت على موقفها متجاوزة قرار المحكمة.
وفيما نجح القضاء أولاً في عدم انتصاره للأقوى، الدولة، ونجح الحزب أيضاً في اختباره، باللجوء إلى القضاء في خصومته مع الحكومة، ودعوة أنصاره إلى الهدوء والانضباط، وإعلان مساندته لرجال الأمن الذين نفذوا قرار المنع، فشلت الحكومة في الاختبار نفسه، وعوض أن تلجأ هي أيضاً إلى القضاء لحل الحزب مرة واحدة وإنهاء وجع الرأس، أصرت على تنفيذ قرارها بنفسها، لتفتح بذلك سجالاً هي في غنى عنه، خصوصاً في هذه الأوقات الصعبة.
ولكن الاختبار لا يشمل الحكومة والحزب وحدهما، وإنما يعني بقية مكوّنات المشهد السياسي، لأن المسألة تتعلق بمدى احترام الممارسة الديمقراطية، والمؤسسات السيادية، وتأسيس قواعد اللعبة السياسية.
على الرغم من أن أغلب الأحزاب لاذت بالصمت والتفرج على المشهد، فقد خرجت بعض الأصوات القليلة المختلفة كلياً مع اختيارات حزب التحرير، لتنبّه إلى خطورة ما حدث، لأنه يتعلق جوهرياً بالدولة الديمقراطية التي تحترم فصل السلطات، وترضخ للقرار القضائي، على الرغم من كل المخاوف، وكل إجراءات الوقاية، وعلى الرغم من أن الدولة قد تكون لها مبرراتها وأسباب الإصرار على قرارها، ولكنها الديمقراطية، وينبغي أن تتأسس بالشكل الصحيح، ولو بالآلام. وفيما استعاد زعيم حزب التحالف الديمقراطي، محمد الحامدي، تلك الجملة الفلسفية البليغة: "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض"، نبّه الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي إلى أنه "عندما يبدأ التلاعب بالمبادئ وبالثوابت ثم بقرارات القضاء، اعلم أن الديمقراطية في خطر".