احتواء مؤقّت للتوتر في بالتيمور الأميركيّة

03 مايو 2015
استمرار المسيرات والتظاهرات في المدينة (الأناضول)
+ الخط -

شكّل الإعلان عن أسماء خمسة رجال وإمرأة من عناصر شرطة بالتيمور الأميركية ألقي القبض عليهم وأحيلوا للمحاكمة بتهمة التسبّب في وفاة الشاب الأميركي الأسود فريدي غراي، مفاجأة للمتظاهرين في المدينة مع اكتشافهم أن ثلاثة فقط من المتهمين الستة هم من ذوي البشرة البيضاء، في حين أن الثلاثة الآخرين من ذوي البشرة السمراء.

ولوحظ أن مدعية مدينة بالتيمور، مارلين موسبي، استبقت خطط المتظاهرين التصعيدية بخطة احتواء ذكية لامتصاص التصعيد قبل حلول عطلة نهاية الأسبوع، بأن دعت إلى مؤتمر صحافي، يوم الجمعة الماضي، أعلنت فيه عن توجيه الاتهام رسمياً لرجال الشرطة الستة.

وبمجرد أن بدأت المدعية العامة تقرأ قائمة الأسماء ولائحة التهم الموجّهة لأصحاب تلك الأسماء، كان الصحافيون والناشطون المهتمون بالقضية قد بدأوا في محاولة العثور على صور للمتهمين بغرض وحيد هو معرفة لون بشرة كل متهم، ومن ثم تحديد نسبة البيض منهم من أجمالي عدد المتهمين.

وكان غضب الأكثرية السوداء في بالتيمور قد اندلع بعد تسريب شريط مصور لشرطيين أبيضين يسحبان غراي قبل وفاته، وساد اعتقاد أن عناصر الشرطة الستة الذين جرى توقيفهم عن العمل بعد اندلاع التظاهرات ينتمون جميعاً إلى الأقلية البيضاء في المدينة.

ولا تتجاوز نسبة ذوي البشرة البيضاء في بالتيمور الـ30 في المائة من إجمالي سكان المدينة، الذين يتجاوز عددهم 600 ألف نسمة، حسب إحصاءات رسمية لعام 2014، في حين يشكّل الأميركيون الأفارقة نسبة 63 في المائة، وتتقاسم العرقيات الأخرى النسبة المتبقية. أما على مستوى ولاية ميرلاند ككل، فإن النسب تأتي عكسية تماماً عند توزيع سكان الولاية البالغ عددهم ستة ملايين نسمة بين الأقليات والأكثرية، إذ لا تتجاوز نسبة الأميركيين الأفارقة منهم 30 في المائة، في حين تزيد نسبة البيض عن 60 في المائة.

لكن المعضلة الحقيقية التي تعاني منها بالتيمور ذات الأكثرية السوداء، أن رجال الشرطة فيها ينتمون في غالبيتهم بنسبة تزيد على الخمسين في المائة إلى أقليات بيضاء، في حين لا يشغل الأميركيون الأفارقة سوى أقل من 48 في المائة.

وربما أن الجذور العرقية المشار إليها تفسّر أسباب الاعتقاد السائد بوجود بُعد سياسي في تقسيم المسؤولية عن مقتل غراي، بالتساوي بين عناصر شرطة بيض وعناصر أخرى تنتمي لعرقية الضحية، بما يخالف حقيقة واضحة في أعين المتظاهرين تؤكدها الصور الملتقطة وهي تسجّل واقعة سحل أو سحب الشاب الضحية بأيدي رجلي شرطة من ذوي البشرة البيضاء.

وعلى الرغم من هذه الحقيقة، فإن لائحة التُهم لم تكتف بمحاولة توزيع العدد بالتساوي بين السود والبيض، فالأغرب من ذلك أن تهمة القتل العمد لم تُوجّه لعنصرَي الشرطة المشار إليهما بل لسائق الشاحنة التي اقتيد إليها الضحية وهو من ذوي البشرة السوداء ولا يربطه مع المتظاهرين أي عداء عرقي.

اقرأ أيضاً: انتفاضة سوداء تقترب من البيت الأبيض والسبب أحداث ميريلاند

ومن المُلاحظ أن السلطات الرسمية قد بدأت ما يعتبره البعض تمهيداً لتبرئة المتهم الرئيسي، عن طريق تسريب معلومات عن معاناته من علل نفسية ودخوله المستشفى للتداوي من تلك العلل. ولكن في حال عدم ثبوت إصابة المتهم بخلل عقلي، فإنه يواجه أحكاماً بالسجن قد تصل بحدها الأقصى إلى 30 عاماً إذا أدين بتهمة القتل العمد، وقد تصدر بحق سائق سيارة الشرطة الضابط الأسود سيزار أر.غودسون.

أما الباقون فلم توجّه إلى أي منهم تهمة القتل العمد، بل وُجّهت تهمة القتل الخطأ لبعضهم، إضافة إلى تهمة سوء السلوك الوظيفي والاحتجاز بلا أسباب قانونية. أما بقية الاتهامات فتراوح عقوباتها بين السجن 3 و10 أعوام. وينطبق ذلك على المتهمين الخمسة، بمن فيهم الاثنان اللذان سحبا القتيل من قدميه على الطريق وتسببا في إصابته بجروح أدت إلى وفاته.

ومن هنا يمكن الاستنتاج أن محاكمة ستة من عناصر شرطة بالتيمور بتهمة التسبب في مقتل شاب أميركي أسود من مواطني المدينة، لم ولن يؤدي إلى استئصال الغضب أو إنهاء التوتر العرقي الكامن منذ عقود، ويتضح ذلك من استمرار المسيرات والتظاهرات حتى الآن، وإن كان قرار المحاكمة قد نجح في التخفيف من حدة التوتر مؤقتاً.

واعتُبر قرار توجيه الاتهامات ومسارعة المدعية العامة إلى إعلانه بعد يوم من تسليم إدارة الشرطة تقريراً داخلياً، مفاجأة لبالتيمور وللبلاد بأسرها. ووصفت هذه الخطوة بأنها إيجابية. وعلى الرغم ممّا شابها من ملاحظات، إلا أنها مثّلت اعترافاً أولياً بمسؤولية الشرطة في بالتيمور عن قتل شاب أو التسبب في وفاته عن طريق الإهمال والتعامل بوحشية معه ورفض تقديم الرعاية الطبية له.

وكان التحقيق في الواقعة عقب اندلاع التظاهرات قد توصّل إلى نتيجة أن الإصابة التي لحقت بالضحية كانت في الرقبة حين كان داخل سيارة الشرطة المسرعة. وقالت المدعية العامة لمدينة بالتيمور، إن غراي الذي توفي في مستشفى بعد أسبوع من اعتقاله يوم 12 أبريل/ نيسان الماضي، كان مكبل اليدين والقدمين عند تعرضه للإصابة.

واعتبرت المدعية العامة أن إصابته داخل سيارة الشرطة إهمال جسيم ومخالفة للتعليمات المتعارف عليها بين عناصر الشرطة والتدريبات التي تلقوها خلال مرحلة إعدادهم للعمل. وقالت، في مؤتمر صحافي يوم الجمعة، إن كبير خبراء الطب الشرعي في مريلاند وجد أن وفاة غراي جريمة قتل متعمدة، مشيرة إلى أن الضباط لم يقدموا لغراي الرعاية الطبية التي طلبها وأن اعتقاله غير قانوني.

من جهتها، عقدت عمدة مدينة بالتيمور، ستيفاني رولينجز بليك، مؤتمراً صحافياً جديداً، أكدت فيه أن عناصر الشرطة الستة أصبحوا رهن الاعتقال، غير أن مصادر أخرى تحدثت عن الإفراج عنهم بكفالة بمجرد أن قاموا بتسليم أنفسهم ولم يتم نقلهم إلى السجن. لكن الإعلان عن الاعتقال وتوجيه التهم قوبل بالهتاف والفرحة الغامرة من جانب سكان بالتيمور، وعلى وجه التحديد في الجزء الغربي منها، حيث جرت معظم أعمال النهب والشغب والاحتجاجات ثم تحوّلت بعد ذلك الإعلان إلى مسيرات سلمية معبّرة عن تحقيق الانتصار. أما وزيرة العدل، لوريتا لينتش، فكانت أول من انبرى لإدانة أحداث العنف في بالتيمور ووصفتها بالأعمال الحمقاء.

اقرأ أيضاً: فريدي غراي: التحديق بعيني ضابط شرطة أدى لوفاته

المساهمون