استغلت الإمارات مشاركتها في التحالف العربي الذي تقوده السعودية للحرب في اليمن، للسيطرة على قطاعات الاقتصاد، بالتزامن مع تحقيق نفوذ سياسي واسع في العاصمة المؤقتة عدن (جنوب) وبقية مناطق الحكومة.
وأكدت مصادر حكومية ونقابية لـ"العربي الجديد"، أن "الإمارات تخوض حرباً ضد الحكومة المعترف بها دولياً وتسعى لإفشالها في جانب الخدمات، ما انعكس في تدهورها، لا سيما في قطاعات الكهرباء والمياه والوقود، التي شهدت أزمة خانقة، فضلا عن العمل على تأخير صرف رواتب موظفي الدولية على خلفية منع التحالف وصول شحنات المطبوعات النقدية الجديدة".
وتعد الإمارات ثاني دول التحالف العربي في اليمن، وبعد تحرير مدينة عدن منتصف 2015 من قوات الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، عززت من تواجدها بالمدينة وتدخلت في إدارة أغلب ملفاتها الحيوية.
وكشف مسؤول حكومي رفيع لـ"العربي الجديد"، أن جوهر الأزمة بين الإمارات والحكومة اليمنية يرتبط بمساعي الإماراتيين للسيطرة على أهم القطاعات الاقتصادية، وتتمثل في احتكار توريدات مشتقات النفط والاتصالات النقالة والإنترنت والنقل في عدن وبقية المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.
توريدات النفط
وظهر النفوذ الإماراتي في ملف توريدات النفط عبر الضغوط التي مارستها على محافظ عدن
السابق، عيدروس الزبيدي، فمنذ أول شهر لتولي الزبيدي، الموالي، ضغطت الإمارات لتسليم توريدات المشتقات النفطية لشركة إماراتية حصراً، بدلاً من شركة "عرب غلف" التابعة لرجل الأعمال أحمد العيسي، والذي تتهمه الإمارات بالانتماء لحزب الإصلاح ذي التوجه الإسلامي.
وتتهم الإمارات ومواليها شركة العيسي باحتكار توريدات النفط، وهو ما ينفيه مسؤولو النفط في اليمن، حيث أكد محمد البكري، المدير التنفيذي لشركة مصافي عدن، في تصريحات في 30 يناير/ كانون الثاني الماضي، أن شركة "عرب غلف" لم تحتكر التصدير والتوزيع، وإنما تمتلك القدرة على توفير مواد بكميات كبيرة كما تقبل بالآجل والعملة المحلية في السداد.
وبحسب المصدر الحكومي، فإن الرئيس عبدربه منصور هادي، سعى إلى عدم الصدام مباشرة مع الإماراتيين، حينما أعلنت الحكومة، مطلع يناير 2017، عن السماح للقطاع الخاص باستيراد المشتقات من الخارج بالعملة الصعبة، على أن تقوم شركة مصافي عدن وشركة النفط بشرائها فور وصولها بالعملة المحلية وتوزيعها في السوق المحلية.
وعقب ذلك، أقال هادي الزبيدي من منصبه نهاية إبريل/ نيسان 2017 بعد نحو 16 شهراً من البقاء في المنصب. وقد مرت عدة أشهر دون أن تتقدم شركة واحدة لاستيراد المشتقات، واستمرت شركة "عرب غلف" في استيراد الوقود لمدينة عدن والمحافظات المجاورة، بينما لم تفلح الضغوط على حكومة هادي في التوقيع مع شركة إماراتية على عقد احتكار توريدات النفط، وفق المصدر الحكومي.
وفي منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، أقال هادي مدير شركة النفط الوطنية فرع عدن والموالي للإمارات، عبد السلام حميد، على خلفية تورطه في توقيع عقد مع شركة إماراتية يمنحها احتكار واردات النفط، وهي الاتفاقية التي أعلنت الحكومة عن إلغائها.
وفي هذه الأثناء بدأت الإمارات حرباً ضد حكومة هادي بغية إفشالها، من خلال خلق أزمات، أبرزها أزمة الوقود، وفق مصادر يمنية.
واحتجزت قوات "الحزام الأمني"، وهي مجموعة مسلحة غير نظامية أنشأتها وتمولها الإمارات في عدن، أكثر من ثلاثين شحنة مشتقات نفطية في 24 أغسطس/ آب الماضي، قبل الإفراج عنها بعد يومين بناء على اتصالات حكومية، بينما كانت هذه الشحنات تستهدف التخفيف من الأزمة الخانقة التي تعانيها عدن والمحافظات الأخرى.
وبالتزامن مع شنها حربا شرسة ضد الحكومة في عدن، اتجهت الإمارات إلى محافظة حضرموت (جنوب شرق البلاد)، حيث يوجد محافظ آخر موال هو اللواء أحمد بن بريك.
وأشار بن بريك، في تصريحات سابقة، إلى التقائه في الخامس من إبريل/ نيسان الماضي بوفد من شركة إماراتية ووقع معها عقوداً لتولي مهام واردات مشتقات النفط، ومشروعا آخر لبناء مصفاة نفط.
ودفعت الاتفاقيات الموقعة بشكل منفرد، الرئيس اليمني لإقالة محافظ حضرموت في نهاية يونيو/ حزيران الماضي، تلتها بأيام إقالة مدير فرع شركة النفط بالمحافظة.
الاتصالات والإنترنت
وعارضت الحكومة اليمنية بشدة مشروعاً بمنح شركة إماراتية رخصة لتشغيل الهاتف النقال في
عدن ومناطق الحكومة، بالإضافة إلى منح شركة أخرى حقوق احتكار خدمة الإنترنت، بحسب مسؤول حكومي وآخر نقابي في تصريحات لـ"العربي الجديد".
وأكد مسؤول حكومي أن رفض المشاريع الإماراتية لاحتكار خدمتي الاتصالات النقالة والإنترنت، واحدة من الأسباب التي أثارت غضب الإماراتيين على الحكومة الشرعية في اليمن. وشن ناشطون موالون للإمارات أخيرا، هجوما غير مسبوق على الحكومة اليمنية.
وقال فهمي الباحث، رئيس جمعية الإنترنت اليمنية، لـ"العربي الجديد"، إن مشروع إدخال شركة إنترنت إماراتية كبديل لشركة يمن نت الحكومية، تم تقديمه أكثر من مرة لرئيس الوزراء أحمد بن دغر وفي كل مرة قوبل بالرفض.
السيطرة على النقل
وامتد نفوذ الإماراتيين إلى النقل، بعد أن سيطرت قوات إماراتية على مطارات وموانئ يمنية، حيث أفضت حصيلة عامين من الحرب إلى السيطرة على ثلاثة مطارات دولية مدنية ضمن مناطق الحكومة الشرعية وأربعة موانئ مهمة، منها ميناءان نفطيان.
واستثمرت الإمارات نفوذها عقب تحرير مدينة عدن من الحوثيين، في يوليو/ تموز 2015، في منح عقود تأهيل المنشآت الحكومية اليمنية لشركات إماراتية، ومنها عقد تأهيل مطار عدن وصيانة مدرج المطار، والذي نفذته شركة النابودة للمقاولات، وهي شركة إماراتية تعمل في مجال المقاولات.
كما تحتكر الإمارات رحلات الطيران إلى جزيرة سقطرى اليمنية على المحيط الهندي. وقال سياح أجانب أبحروا إلى الجزيرة بسفن سياحية، إنه تمت إعادتهم من إماراتيين ونصحوهم بالتوجه إلى أبوظبي والحجز عبر شركة رويال جت للطيران الإماراتية، إن أرادوا القدوم إلى الجزيرة. وأعلنت رويال جيت بالفعل، مطلع إبريل/ نيسان الماضي، عن رحلات أسبوعية بين أبوظبي وسقطرى.
كما تسعى الإمارات لإعادة موانئ دبي العالمية لتشغيل ميناء عدن، بعد خمس سنوات على طردها من قبل الحكومة اليمنية التي نتجت عن الثورة الشعبية ضد نظام صالح، حيث تم إلغاء عقد أبرم عام 2008 ومنحت "موانئ دبي" بموجبه حق إدارة ميناء عدن، بما يشمل ميناء "المعلا" ومحطة "كالتكس" للحاويات، لمائة عام قادمة.
وتثير سياسة الإمارات لبسط النفوذ في اليمن ومساعيها للسيطرة على أهم قطاعات الاقتصاد، غضب الشارع اليمني الذي ينظر لتلك السياسة بوصفها احتلالا.
وأكد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في "تقدير موقف" نشره في أغسطس/ آب الماضي، أن "عاصفة الحزم التي أطلقتها السعودية انحرفت عن مسارها"، مشيرا إلى تنامى انطباع لدى قطاعات كبيرة من اليمنيين بأن تحركات الإمارات لا تتوافق مع الهدف الرئيسي للتحالف العربي، وهو إنهاء الانقلاب واستعادة الدولة، بل تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة في السيطرة على المواقع الاستراتيجية والحيوية في اليمن.