احتفالات ذكرى نقل السفارة الأميركية للقدس تستفز الفلسطينيين ودعوات إلى المواجهة

15 مايو 2019
غضب شعبي فلسطيني(Getty)
+ الخط -
بينما كان علما الولايات المتحدة ودولة الاحتلال الإسرائيلي يضيئان ويغطيان مساحة واسعة من سور البلدة القديمة من القدس المحتلة، احتفالاً بمرور عام على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب القدس عاصمة إسرائيل، كان الجانب الآخر من السور يغلي غضباً واستنكاراً لهذه الاحتفالات رافعاً العلم الفلسطيني وسط دعوات للمواجهة.

وعبّرت فعاليات مقدسية من شخصيات سياسية ودينية عن غضبها لما وصفته بـ"الاستفزاز الأميركي" بتنظيم هذا الاحتفال الذي حضره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والسفير الأميركي ديفيد فريدمان، مشددة على أنه يثير مشاعر غضب مئات الملايين من أبناء الشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية، داعية إلى مواجهته.

الاحتفال بذكرى نقل السفارة الأميركية إلى القدس وما صدر من تصريحات عن فريدمان، الذي قال إن "بلاده أهدت إلى إسرائيل معبداً جديداً"، قوبل بغضب فلسطيني، إذ أكّد القيادي في حركة "فتح" حاتم عبد القادر، لـ"العربي الجديد": "مرة أخرى تظهر الولايات المتحدة عبر سفيرها فريدمان وجهها البشع وعداءها التاريخي لحقوق الشعب الفلسطيني من خلال هذا الانحياز السافر لدولة الاحتلال وترسيخ إجراءات الاحتلال الباطلة في القدس وسائر الأراضي العربية المحتلة".

وشدد عبد القادر على أن هذا الموقف يدعونا كفلسطينيين إلى مراجعة نهائية لعلاقاتنا مع الولايات المتحدة وعلى جميع الأصعدة، مع تأكيدنا أن القدس ستبقى عربية إسلامية، وأن بقاء الاحتلال فيها لن يدوم، وأن من يقرر مصيرها هو أهلها وليس ترامب أو نتنياهو مهما فرضوا على الأرض من وقائع.

من جهته، أكّد رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس الشيخ عكرمة صبري، أن القدس عربية وإسلامية وارتباطها بكل ما فيها بعقيدة الأمتين العربية والإسلامية.

وقال في حديثه لـ"العربي الجديد": "ما جرى من احتفال استفزازي مثير لكل مشاعر الغضب والاستياء. وما صدر من تصريحات عن السفير الأميركي المتصهين لن يغير من حقائق التاريخ. والمطلوب من قادة وشعوب الأمتين العربية والإسلامية تحمل مسؤولياتهم حيال القدس التي تتعرض لأبشع عدوان في تاريخها".

وكانت طقوس إضاءة العلمين الأميركي والإسرائيلي على سور القدس القديمة، أمس الثلاثاء، أثارت سخط المقدسيين عموماً، خاصة أنها تزامنت مع ذكرى النكبة الـ71.

وقال ناشط في الحراك الشبابي المقدسي لـ"العربي الجديد": "الرد على ما حصل من استفزاز أمس يكون بمشاركتنا الواسعة في فعاليات إحياء النكبة اليوم وخلال الأيام المقبلة. ونحن لن نسلم لا بقرار ترامب ولا ببقاء الاحتلال في أراضينا".

إجراءات صارمة

الاستفزاز الإسرائيلي لم يقف عن حد الاحتفال بل عمدت سلطات الاحتلال إلى فرض إجراءات صارمة في محيط البلدة القديمة من القدس تخللها الاعتداء على شبان وملاحقتهم بعد الانتهاء من صلاة التراويح في منطقة باب العامود، وكذلك التعدي على المعتكفين بإخراجهم بالقوة من داخل المسجد الأقصى، في محاولة للتصدي لأي فعاليات فلسطينية غاضبة.

ويقر النشطاء بنجاح هذه الإجراءات في إضعاف ردة الفعل الفلسطينية الغاضبة، وقال الناشط المقدسي فادي المطور، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الأوامر الصادرة عن قوات الاحتلال كانت بقمع أي تجمع وبقوة مفرطة، "وهذا ما لمسناه أثناء قمع الوقفات المقدسية والترهيب والتخويف واعتقال النشطاء والتهديد بإبعادهم عن مدينة القدس وغياب الزخم الجماهيري، مما أضعف وقلل من نشاط القائمين على الحراك".

من جهته، شدد المحلل السياسي والإعلامي راسم عبيدات من القدس، على ضرورة صياغة رؤيا واستراتيجية شاملة لمواجهة لقرارا ترامب والتصدي لها، معتبراً أن "ما جرى ردة فعل وضجة إعلامية، انتهت بمجرد الاعتصام أمام السفارة الأميركية المنقولة للقدس في مايو/أيار من العام الماضي".

ونوه عبيدات إلى ضرورة وجود إستراتيجية تمتلكها القوى الوطنية كحاضنة ومحرك ومبادر لمثل هذه الأنشطة والفعاليات، التي يجب أن تسمر وتتواصل بأشكال وأنشطة وفعاليات مختلفة.

وقال: "لكن أعتقد أن القوى السياسية تعاني من حالة عجز، وغياب قيادة قادرة على أخذ زمام المبادرة لوضع برنامج مستمر ومتواصل لمجابهة نقل السفارة والاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، وهو ما جعل تلك القوى تتصرف على قاعدة وذلك أضعف الإيمان، بالمشاركة في أنشطة وفعالية مشتركة مع لجنة المتابعة العليا في الداخل الفلسطيني 1948 بالاعتصام أمام السفارة الأميركية في القدس، ومن بعد ذلك انتهى دورها وكأنها تقول (اعملنا اللي علينا)".

من جهة ثانية، لفت عبيدات إلى أن القوى الوطنية والحراكات الشعبية في القدس، لا تتحمل المسؤولية وحدها، في غياب الرؤى والبرامج والاستراتيجيات لمجابهة المخططات الأميركية بشأن القدس، بل فقدان الجماهير المقدسية الثقة بالسلطة الفلسطينية والقوى والأحزاب الفلسطينية.

ويعلل عبيدات عدم استمرار هذه الاحتجاجات بالعامل الذاتي، "فالحالة الوطنية ليست ناهضة، وبالتالي القوى والمكونات الفلسطينية الموجودة في القدس مترهلة، في وقت يمارس الاحتلال أشرس أنواع القمع والتنكيل بحق القوى والفصائل الفلسطينية في المدينة المقدسة".

وعن ردة الفعل العربية، يرى عبيدات أن جزءا من النظام الرسمي العربي مشارك في المخطط والمشروع الأميركي المسمى بصفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية، وجعل القدس عاصمة لكل يهود العالم، "ولذلك النظام العربي غير معني بتصعيد الوضع في القدس، وسعى لضخ المال في جوانب إغاثية وتمويل ميزانية السلطة وبالذات المال السعودي، لكي تمارس السلطة دورها على أنصارها في المدينة، بعدم تصعيد الوضع، وبذل جهد جدي وحقيقي في مواجهة المشروع الأميركي".

أما الخبير في الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية، إسماعيل المسلماني فقال: إن "تراجع القوى أو تعدد المرجعيات يساهم في عدم وجود رؤية منظمة، سببها الموقف السلبي للسلطة، بالرغم من أنها ترفض كل القرارات التي صدرت عن ترامب مما يثير تساؤل: هل فعلا السلطة ترفض ذلك؟".

وتعقيباً على ضعف الحراكات في القدس، عزا المسلماني ذلك إلى فرض سلطات الاحتلال الحصول على ترخيص لأية فعالية أو نشاط، فضغوط الاحتلال اليومية كبيرة جدا وتؤثر سلبا على أي حراك.

واعتبر المسلماني استخدام القيادة الفلسطينية الهبة الشعبية للضغط على الإدارة الأميركية للعودة إلى النقطة التي سبقت إعلان ترامب بأنه "أمر خطير جدا، من خلال استغلال الهبة الشعبية لتحسين الموقع التفاوضي للسلطة مع الاستمرار في قواعد لعبة التنسيق الأمني المقدس ومفاوضات لجلب حقوق".

مشدداً على أنه لا حل لهذه القضية إلا بإعلان السلطة وقف العملية السلمية والتنسيق الأمني، والعودة إلى قوة الشارع بدل القراءة الضعيفة للتوازنات الإقليمية، والعودة إلى مفهوم أن القضية الفلسطينية ليست قضية دبلوماسية بل قضية نضال، "لذا لا يعول على استمرار الاحتجاج في موضوع القدس دون إرادة سياسية منظمة وداعمة في ظل القمع الإسرائيلي".

المساهمون