احتفاءً بيوم المرأة العالمي

08 مارس 2020
+ الخط -
"تمهل" 
نينا سيمون، ميسيسيبي غودام
سمع الأميركيون الأفارقة اللازمة المكرّرة والمؤثرة "تمهل!" في أغنية نينا سيمون مرارًا وتكرارًا، وهم يكافحون من أجل الحصول على المساواة في الحقوق، وسمعتها أيضًا كل امرأة عربية لديها ما يكفي من الشجاعة لتحدّي السلطوية الذكورية التي تمنح القوامة للرجل وأدواتها المختلفة.
إنها لازمةٌ مكرّرة، سمعها أولئك الذين يُدَرِّسون أو يَدرسون في برنامج دراسات المرأة في المجتمع والتنمية، المقدّم في جامعة حمد بن خليفة (في الدوحة)، والذي أُطلق في عام 2017. هناك سؤال يطرح نفسه: "لماذا حقوق المرأة بينما يفتقر الرجل العربي إلى حقوقه أيضًا؟" أو "لماذا دراسات المرأة؟" في منطقةٍ تموج بالسلطوية السياسية والفساد والاحتلال والتدخل الأجنبي والسياسات الاستعمارية الجديدة التي لا تزال تضرّ بالمجتمعات، رجالًا ونساءً، على حد سواء؟ أفضل إجابة عن هذا السؤال هو ما هتفت به المرأة في المناطق المحتلة حول العالم، وآخرها المرأة الفلسطينية، حين قالت: "لا يمكنك تحرير الأرض من دون تحرير المرأة".
في أرضٍ مزّقتها هذه الصراعات بالتحديد، وفي عام 2019، تظاهر الفلسطينيون من أجل 
إسراء غريب، البالغة 21 عامًا، والتي فقدت حياتها بسبب جريمة "شرف". وقد أصبح مسمّى "جرائم الشرف" الخبيثة يرمز إلى السلطوية الذكورية لدى كثيرين من العرب والمسلمين. وبالنسبة لأولئك الذين لا يعتقدون بأهمية العالم الخارجي، فإن مجرّد درس سريع في التاريخ الحديث سيبدّد مثل هذه الأفكار، فقد جاء المستعمر إلى هذه المنطقة على خلفية تحمّل الرجل الأبيض عبء هذا "التحرير"، على حد تعبير المؤرخ البارز تشاكرابارتي، حين قال: جاء الرجل الأبيض ليحرّر "المرأة السمراء من الرجل الأسمر".
لا يزال جدول الأعمال هذا يلقي بظلاله على المنظمات غير الحكومية العديدة، والوفود الأجنبية في المنطقة التي تبشّر بمنظومة إصلاحات لصالح المرأة، تشبه في أحيان كثيرة، وبشكل مأساوي، الإصلاحات التي نحتاج لها لتصحيح وضع الخادمات في إمبراطوريات الماضي والحاضر.
لهذا السبب، وحتى في الوقت الذي تثير فيه برامج دراسات المرأة حالةً من القلق والمعارضة من بعض الأوساط في العالم العربي، فإن وجود مثل هذه البرامج يُعد محوريًا في ما يتعلق بوضع جدول أعمال مستقل ومتحرّر من تأثير النفوذ الخارجي. ويأتي برنامج دراسات المرأة في المجتمع والتنمية الذي تقدمه جامعة حمد بن خليفة ضمن مجموعةٍ من هذه البرامج التي تُقدّم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ويجب على كل امرأة ورجل في قطر أن يعتز بهذا النجاح الذي حققه هذا البرنامج، إذا كانت هذه المنطقة ترغب في وضع منظومةٍ مستقلة، تقوم بأكثر من مجرّد التشبّه بالنماذج السياسية الأخرى، بل وتساهم في صياغة الفكر العالمي حول الحداثة السياسية.
وهناك تحديات عديدة تواجه أقسام دراسات المرأة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فمن عام 1996 إلى عام 1999، على سبيل المثال، كان مركز البحوث التجريبية ودراسات المرأة في جامعة صنعاء في اليمن يعمل تحت رعاية الحكومة الهولندية، وله نظير مقابل هو قسم الدراسات النسائية في جامعة تيلبورغ. وقد كشف صعود هذا المشروع التنموي وسقوطه عن "الافتقار إلى المهارات في تصميم المشروع، مع وجود مهام غير واضحة للمشاركين الرئيسيين، والقليل من الاهتمام أُعطي للسياق الذي يُنفذ فيه المشروع" وفقًا للأكاديميين الهولنديين.
وقد ساهم ذلك، إضافة إلى عوامل أخرى، في فشل المشروع وإغلاق القسم. ومع الأخذ في الحسبان هذه التجارب الفاشلة، فإن عميد الكلية وأعضاء هيئة التدريس والخبراء في برنامج جامعة حمد بن خليفة مصمّمون على عدم تكرار أخطاء البرامج السابقة، فمن خلال تقديم منهج دراسي يرتكز إلى المعايير العالمية، مع مراعاته السياق التاريخي والديني 
والحضاري للمنطقة، نأمل أن نوفر أساسًا لا يتنازل عن سرد قصة نضال المرأة ضد نماذج الهيمنة المتعددة. أما السعي نحو تحقيق نموذج نسائي في علم الآثار فيتناسب أكثر مع السياق المحلي، حيث نشجّع طلابنا على البحث عن نماذج العمل النسائية التي تُسهم في الحركة النسائية العالمية من دون استسلام من جانبهن أو اللجوء لمساعدة الغير.
قيل إن أولئك الذين لا يكتبون تاريخهم سوف يكتبه لهم آخرون. وعلى نحو مشابه، فإن الذين سيؤجلون قضايا المرأة فترة، سوف يتبناها آخرون، وفي الحقيقة حدث هذا بالفعل.
لا شك في أن تاريخ المنطقة قد كُتب بالفعل، وتستمر محاولات كتابته من جديد من شخصيات وجهات خارجية، بمن فيهم العنصر النسائي الذي يحدّد، وبشكل كبير، الوضع الحالي للمرأة وجداول الأعمال اللازمة للمستقبل. ولم يقتصر الأمر على مجرد سقوط هذه الرواية من بين أصابع سكان المنطقة الأصليين، بل تحدّد هذه الرواية بشكل متزايد وجهة نظر المرأة والرجل في المنطقة على حد سواء.
لذلك، لا يمكن تأجيل دراسات المرأة إلى يوم آخر. في الواقع، يعتمد جدول أعمال التنمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على دمج هذا التخصص الاجتماعي الثقافي المهم ضمن جهود أوسع لتحرير الواقع الثقافي والسياسي والاقتصادي الحالي وإصلاحه.
ولإعطاء مثال واحد فقط على القيمة المضافة إلى جدول أعمال المرأة، من خلال برنامج أكاديمي، 
مثل هذا الذي تقدمه جامعة حمد بن خليفة، فإنه يجب أن نفكر في ما بدأنا به هذا النقاش، إنها جرائم الشرف. القوانين العديدة التي تنص على ما يطلق عليها "جرائم الشرف"، لا أساس لها في تاريخ المنطقة أو الشريعة الإسلامية. إنها نتاج ثانوي للاجتهادات الفقهية المدونة حديثًا والمفروضة بموجب الحكم الاستعماري، وبالتالي هي متجذّرة مباشرة في القوانين الفرنسية أو البريطانية التي تنظم طريقة التعامل مع "الجرائم العاطفية".
يكمن الخلل الذي ينشأ نتيجة غياب هذا النوع من التعليم في أن الحلول المتجذّرة في الشريعة الإسلامية في أزمان ما قبل الحداثة، والتي من شأنها أن تحظى بثقلٍ كبير، يتجاهلها النشطاء والفاعلون في هذا المجال، لصالح التشريعات التي لا تمتد إلى أبعد من السطح الخارجي لتاريخ منطقتنا وخبرتها. وعندما تكون هذه حقيقة موثقة، هل يمكننا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن ندّعي أننا بحاجة إلى مقولة "تمهل" أكثر من الأميركيين الأفارقة المهمشين؟
86E3A213-0160-4361-B262-DB8547F1F2C0
86E3A213-0160-4361-B262-DB8547F1F2C0
ريم مشعل

أستاذ مشارك في قسم الدراسات الشرق أوسطية في كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة حمد بن خليفة. حائزة على الدكتوراه من جامعة مكغيل، معهد الدراسات الإسلامية في عام 2007. شغلت منصب محاضرة في جامعتي مكغيل وتورنتو.

ريم مشعل