اجتماع نتنياهو وترامب.. المقدّمات وموضوعات البحث و"الاستيطان أولاً"
أثار فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأميركية البهجة لدى الحكومة الإسرائيلية، وعند قطاعات واسعة في المجتمع الإسرائيلي، ولا سيما في أوساط اليمين واليمين المتطرّف. واعتبرت حكومة بنيامين نتنياهو فوز ترامب فاتحة مرحلةٍ جديدةٍ في العلاقات مع الإدارة الأميركية بعد سنواتٍ من التوتر في العلاقات مع إدارة باراك أوباما، وأنه يمنح إسرائيل فرصةً تاريخيةً للقيام بحملة استيطانية في جميع أنحاء الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلة.
وبعد فوز ترامب، أجرت حكومة نتنياهو سلسلةً من الاتصالات معه، ومع مساعديه، وتعزّزت هذه الاتصالات بين الطرفين، عشية تولي ترامب مقاليد الحكم رسميًا وبعده. وهدف نتنياهو من هذه الاتصالات إلى التعرّف إلى توجهات ترامب ومواقفه، بعد تشكيل إدارته الجديدة إزاء جملة من القضايا، في مقدمتها الاستيطان اليهودي في المناطق الفلسطينية المحتلة، فالتجارب الماضية أثبتت أنّ ثمة فروقًا بين ما يصرّح به المرشحون لرئاسة أميركا في أثناء الحملة الانتخابية وموقفهم وتوجهاتهم بعد توليهم مقاليد الحكم. وفي هذا السياق، أرسل نتنياهو سرًا رئيس جهاز المخابرات الخارجية (الموساد) يوسي كوهين، والقائم بأعمال مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، يعقوب نيجل، إلى الولايات المتحدة مرتين، للاجتماع مع مستشاري الرئيس ترامب، بغية التعرّف إلى المواقف وتبادل المعلومات وتنسيق المواقف بين الجانبين. وقد جرت الزيارة الأولى في بداية ديسمبر/ كانون الأول 2016، أما الزيارة الثانية فكانت في الثامن عشر من يناير/ كانون الثاني 2017، أي قبل يومين من تنصيب ترامب رئيسًا. وقد اجتمعا بمستشار الأمن القومي الجنرال السابق مايكل فلين ومسؤولين آخرين. وفي السادس والعشرين من يناير/ كانون الثاني أيضًا زار إسرائيل رودي جولياني رئيس بلدية نيويورك السابق، المقرّب من الرئيس ترامب، واجتمع بنتنياهو، ونقل له رسالةً من ترامب، لم يكشف النقاب عنها، ويُعتقد أنها تطرقت إلى قرارات إسرائيل بشأن الاستيطان، تمهيدًا للقاء نتنياهو بترامب.
استقبال ترامب بالاستيطان
يبدو أنّ سلسلة الاتصالات والمشاورات التي أجرتها حكومة نتنياهو مع مستشاري ترامب
وإدارته الجديدة التي تجاذبتها اتجاهات متناقضة بشأن الموقف من الاستيطان والقضية الفلسطينية، أوجدت انطباعًا لدى نتنياهو بأنّ قيام إسرائيل بحملة استيطانية مكثفة في هذه الفترة لن تقود إلى رد فعل سلبي أو حاد من إدارة ترامب، ولا سيما في ضوء دعم تصريحات ترامب الاستيطان في حملته الانتخابية. ويبدو أن نتنياهو أراد أن يستغل الأيام الأولى من رئاسة ترامب، لتعزيز الاستيطان ووضع الإدارة الجديدة أمام الأمر الواقع، قبل أن تبلور سياساتها النهائية بشأن الاستيطان.
وبعد تولي ترامب مقاليد الحكم بيومين، أعلن نتنياهو، في اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي السياسي - الأمني (الكابينيت)، أنه قرّر إزالة جميع القيود السياسية المفروضة على بناء الوحدات السكنية في القدس الشرقية المحتلة، وأكد، في الوقت نفسه، أن جميع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية. وفي اليوم نفسه، أقرّت بلدية الاحتلال في القدس الغربية بناء 556 وحدة استيطانية في القدس الشرقية المحتلة. وكانت بلدية الاحتلال قد أقرّت بناء 450 وحدة استيطانية سكنية في القدس الشرقية المحتلة، فور الإعلان عن فوز ترامب في انتخابات الرئاسة.
وفي الرابع والعشرين من يناير/ كانون الثاني الماضي، أعلن نتنياهو ووزير الأمن أفيغدور ليبرمان أنهما أقرّا بناء 2500 وحدة سكنية في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة. وفي الحادي والثلاثين من الشهر نفسه، أعلن ليبرمان أنه أقر بناء 3000 وحدة سكنية جديدة في مستوطنات الضفة الفلسطينية المحتلة. وفي السابع من فبراير/ شباط الجاري، أقر الكنيست قانونًا خطيرًا للغاية، يستبيح الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويمكّن سلطات الاحتلال الإسرائيلية من نهب الأراضي الفلسطينية الخاصة والعامة في الضفة الغربية المحتلة ومصادرتها ومنحها للمستوطنين الكولونياليين اليهود. ويمنح، في الوقت نفسه، صفة قانونية للبؤر الاستيطانية اليهودية التي أقامها المستوطنون اليهود عنوةً على الأراضي الفلسطينية الخاصة في العقود الماضية.
ردات فعل إدارة ترامب
خلافًا لمواقف الإدارات الأميركية السابقة في العقود الخمسة الماضية، وخلافًا لموقف مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي أجمع على إدانة قرارات إسرائيل الاستيطانية، لم تدن إدارة ترامب هذه القرارات، وكذلك لم تدن قانون نهب الأراضي الفلسطينية الذي سنّه البرلمان (الكنيست)، بيد أنها أصدرت بيانًا أوضحت فيه أنها لا ترى أن المستوطنات القائمة تشكل عقبة أمام تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، ولكن توسيع المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة قد يشوّش على عملية السلام بينهما. وأوضح البيان أن إدارة ترامب الجديدة لم تبلور بعد سياستها الرسمية تجاه الاستيطان، لكنه أفاد بأن رغبة الولايات المتحدة في تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين ما زالت قائمة، من دون تغيير منذ نحو خمسين عامًا، وأن بناء مستوطنات جديدة أو توسيع المستوطنات القائمة خارج حدودها الحالية قد لا يفيد تحقيق هذا الهدف؛ وهو موقف مخففٌ للغاية، من حيث الانتقال من اعتبار الاستيطان غير قانوني وغير شرعي، إلى اعتباره عقبة أمام السلام، ثم إلى اعتباره "غير مفيد" في تحقيق السلام.
وفي مقابلته في العاشر من فبراير/ شباط الجاري مع صحيفة يسرائيل هيوم، المؤيدة لنتنياهو والتي يصدرها الملياردير اليهودي الصهيوني المتطرّف شلدون أديلسون، قال ترامب "الاستيطان لا يساعد عملية السلام، فالأرض التي بقيت محدودة، وكلما تأخذ أرضًا للمستوطنات تبقى أقل. فالمستوطنات ليست شيئًا إيجابيًا في ما يخص التوصل إلى السلام، وأنا لا أعتقد أن بناء المستوطنات يساعد في تحقيق السلام". وأكّد ترامب، في هذه المقابلة، أنه يسعى إلى التوصل إلى صفقةٍ مرضية بين إسرائيل والفلسطينيين. وأضاف "يعمل معي أشخاص عديدون أذكياء يعرفون إسرائيل والفلسطينيين، ويقولون إنه ليس بالإمكان تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. أما أنا فأعتقد إنه بالإمكان التوصل إلى سلام بينهما، وينبغي فعل ذلك".
وفي ما يتعلق بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، قال ترامب، بعد طرح السؤال عليه ثلاث مرات، وبعد حديثه عن ضرورة تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، قبل أن يجيب على هذا السؤال، إنه يدرس الموضوع وهذا ليس قرارًا سهلًا، ولم يشأ أحد أن يتخذ هذا القرار، و"أنا أفكر بهذا الأمر بشكل جدي للغاية، وسنرى ماذا سيحدث".
مشاورات نتنياهو قبل الاجتماع
عقد نتنياهو، في الأسبوع الأخير، عدة اجتماعات، تمهيدًا للقائه بالرئيس ترامب، شارك فيها
قادة الأجهزة الأمنية، وفي مقدمتهم رؤساء جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان) والموساد وقسم الأبحاث في جهاز الاستخبارات العسكرية ولجنة الطاقة النووية الإسرائيلية وهيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي وكبار المسؤولين في مجلس الأمن القومي وفي وزارة الخارجية وسفير إسرائيل في واشنطن. وجرى بحث جملة من موضوعات، ستطرح في لقاء نتنياهو مع ترامب، وشملت العلاقات الخاصة بين إسرائيل والولايات المتحدة وكيفية تعزيزها، والقضية الفلسطينية، ولا سيما الاستيطان الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية المحتلة، والملف النووي الإيراني ودور إيران في المنطقة، والوضع في سورية والعلاقات الإسرائيلية والأميركية مع الدول العربية. ويوضِح حضور رئيس لجنة الطاقة النووية الإسرائيلية هذه الاجتماعات بأن موضوع الملف النووي الإسرائيلي والموقف الأميركي منه قد نوقش فيها.
وفي الثاني عشر من فبراير/ شباط الجاري، عقد نتنياهو اجتماعًا للكابينيت السياسي – الأمني، خُصص لبحث اجتماعه مع ترامب، واستمر أكثر من أربع ساعات. وساد اتفاق في الاجتماع على معظم القضايا التي جرى طرحها، باستثناء القضية الفلسطينية التي استحوذت على وقت كبير فيه؛ فقد طلب نفتالي بنيت وأييلت شاكيد من حزب البيت اليهودي أن يعرض نتنياهو على ترامب موقفًا واضحًا، يعارض "حل الدولتين"، ويرفض إقامة دولة فلسطينية في المناطق الفلسطينية المحتلة، وأن يشير إلى أن إسرائيل ستستمر في الاستيطان في مختلف أنحاء الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلة، وأن يطلب من ترامب أن لا تضع إدارته قيودًا على استمرار الاستيطان اليهودي في المناطق الفلسطينية المحتلة. وقد تحدّث وزراء من "ليكود" في الاجتماع، وتبنوا مواقف مشابهة لموقفهما. وفي ضوء ذلك، كشف نتنياهو النقاب في هذا الاجتماع عن مضمون محادثته الهاتفية التي أجراها مع ترامب، بعد يومين من توليه الرئاسة. وأخبرهم نتنياهو بأن ترامب كان معنيًا في معرفة موقف نتنياهو من العملية السلمية، وسأله إن كان يريد السير في العملية السلمية مع الفلسطينيين، وكيف سيكون ذلك؟ فأجابه نتنياهو بأنه يؤيد حل الدولتين، ويؤيد التوصل إلى حل دائم مع الفلسطينيين، وأنه حمّل القيادة الفلسطينية مسؤولية فشل المفاوضات، لرفضها الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، ورفضها تقديم التنازلات. وقال نتنياهو إن ترامب أجابه بأن "الفلسطينيين يريدون التوصل إلى سلام دائم وأنهم سيقدمون تنازلات"، وأن ترامب يؤمن بإمكانية التوصل إلى صفقةٍ بين إسرائيل والفلسطينيين، وأنه يتعين الأخذ في الحسبان "طابع شخصية ترامب"، وينبغي أن "نكون حذرين، وألا نفعل أمورًا تقود إلى المواجهة، وكسر ما لا يمكن إصلاحه معه". وأضاف نتنياهو بأنه سيؤكد لترامب التزامه بحل الدولتين، وأنه سيحمل الفلسطينيين مسؤولية عدم التوصل إلى حل.
خاتمة
يسعى نتنياهو في اجتماعه الأول مع الرئيس الأميركي ترامب إلى بناء علاقات ثقة شخصية،
وإلى التوصل إلى فرضيات عمل مشتركة بينهما، بشأن مصالح إسرائيل الإستراتيجية والتفاهم على الخطوط الحمراء. ويسعى نتنياهو للتوصل إلى تفاهماتٍ بشأن القضايا الأكثر حيوية لإسرائيل، والتي تشمل العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة، بما في ذلك الموقف الأميركي من السلاح النووي الإسرائيلي، والقضية الفلسطينية والملف النووي الإيراني والنفوذ الإيراني في المنطقة، ولا سيما في سورية، و"الإرهاب"، والوضع في سورية، والسعي إلى تطبيع علاقات إسرائيل مع الدول العربية، قبل إيجاد حل للقضية الفلسطينية. وفي ما يخص العلاقات بين الدولتين، يسعى نتنياهو إلى تجديد التزام الإدارة الأميركية الجديدة في الحفاظ على تفوق إسرائيل النوعي في الأسلحة التقليدية المتطورة على جميع الدول العربية وإيران. وكذلك تجديد التفاهم السري بين إسرائيل والولايات المتحدة بشأن حيازة إسرائيل السلاح النووي.
وفي ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، على الرغم من أن نتنياهو عمل ويعمل كل ما في وسعه لمنع قيام دولة فلسطينية، ومع أن مشروعه الأساسي في ما يخص هذه القضية هو توسيع الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلة وتعزيزه، فإنه سيطرح، في هذا الاجتماع، أنه يؤيد "حل الدولتين" مناورة، مع أنه يعلم أن أميركا لا تضغط لتطبيق حل ما، بل "ترضى بأي اتفاق يتوصل إليه الطرفان"، كما ورد مرات في عبارات ترامب الضبابية. وفي الوقت نفسه، سيحاول التوصل إلى تفاهماتٍ تستند إلى منح الإدارة الأميركية شرعية للاستيطان القائم في المناطق الفلسطينية المحتلة في 1967، لا سيما في ما يطلق عليه "الكتل الاستيطانية"، والسماح لإسرائيل باستمرار الاستيطان في هذه "الكتل". وسيحاول نتنياهو استصدار موقف من إدارة ترامب، يتبنى تصريح الرئيس الأميركي، جورج بوش الابن، بأن أي حل بين إسرائيل والفلسطينيين ينبغي أن يأخذ في الحسبان الواقع الديموغرافي القائم في الكتل الاستيطانية في المناطق الفلسطينية المحتلة. إلى جانب ذلك، يسعى نتنياهو إلى أن يحظى بتسامح إدارة الرئيس ترامب إزاء زيادة الاستيطان اليهودي في البؤر والمستوطنات اليهودية القائمة خارج الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة، بالاتفاق المسبق معها، بذريعة الزيادة الطبيعية للسكان. وسيعمل نتنياهو كذلك على الحصول على التزام بعدم ممارسة أي ضغط على إسرائيل في مختلف ملفات القضية الفلسطينية، وصد أي ضغط دولي عليها، بما في ذلك استعمال حق النقض في مجلس الأمن ضد أي قرارٍ يدينها. أما في ما يخص مسألة نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، فإن نتنياهو سوف يساوم في هذه المسألة مقابل تساهل إدارة ترامب مع الاستيطان.