07 نوفمبر 2024
اتفاق فيينا والمرحلة الانتقالية في سورية
بدأت المعطيات الجديدة للمأزق الكامل للنظام، حينما خرجت مدينة إدلب عن سيطرته في أبريل/ نيسان الماضي. وحينها علّق النظام، إن جيشه يفتقد الكادر البشري؛ أي أنه انتهى عملياً. كانت الخطوة التالية، بعد فشل الإيرانيين وحزب الله في استعادة إدلب، طلب التدخل الروسي الواسع، وأعلن الروس أنهم قادمون لإنقاذ النظام. وأعلنوا مدة زمنية لنهاية تدخلهم وبداية المرحلة الانتقالية، وهو ما توضح مع لقاء فيينا، وشهد العالم لقاءات مستمرة بخصوص سورية.
كان تنظيم داعش يراقب نهاية شهر العسل، فهو كان بمعزل عن التصفية، على الرغم من وجود ضربات التحالف الدولي وروسيا والنظام وإيران وحزب الله. للرد على شعوره باقتراب أجله، قام بعمليات انتحارية عدة، هي بمثابة تهديد للدول التي ستنهي وجوده، وهناك تهديد للدول المتدخلة في سورية. داعش ليس صنيعة استخبارات فقط، كما يتكرّر في الإعلام، بل هو كذلك تنظيم جهادي ويمتلك رؤية خاصة به. هو يعلم أن أي اتفاق سياسي سيكون على جثته بالضرورة، خصوصاً إن تمّت مراعاة مصالح كل الدول الإقليمية والعالمية.
كُتِب الكثير عن تفجير الطائرة الروسية في سيناء، وأنها ستدفع الروس نحو العملية السياسية والتوقف عن المماطلة ودعم النظام وتجاهل بيان جنيف. وجاءت تفجيرات باريس، لتدفع النقاش الدولي لينتقل إلى إنهاء اللعب الدولي في سورية؛ فسورية أصبحت قضية إقليمية ودولية، وصار في وسع التنظيمات الجهادية الضرب في الخارج، وليس من مصلحة حقيقية باستمرار الحرب.
وكان موضوع الموقف من النظام السوري موضوع جدل مستمر بين روسيا وأميركا وفرنسا والدولة الإقليمية، لكنّ النظام ضعيف والجهادية تتعاظم والروس فهموا أن كل دول العالم لن تسلّم لها بقيادة سورية منفردة، وصواريخ التاو فعلت فعلها، ويمكن تمرير صواريخ مضادة للطيران، وحينها ستكون الخسارات أكبر بما لا يقاس.
عقدت روسيا اتفاقيات اقتصادية وعسكرية مع دول الخليج، وأعطتها الأخيرة الحق بالتمتع بالهيمنة على سورية في مقابل إنهاء دور إيران فيها، ودعم الحرب ضد الحوثيين في اليمن. وتشكل هذه العناصر بالنسبة للروس أرضية حقيقية للدخول بالعملية السياسية. يمكن أن يضاف أن تفجيرات باريس همّشت مسألة تغيير النظام أولاً لصالح محاربة الإرهاب. لا يلغي هذا التهميش أن تغيير النظام جزئياً ضرورة للبدء بالعملية الانتقالية، وبما يراعي بقاء الدولة السورية ومصالح المعارضة والدول المتدخلة بالشأن السوري.
الآن تُدرس قوائم المعارضة التي تكتبها كل دولة على انفراد، وهناك تكليف للأردن برفع أسماء المنظمات الإرهابية إلى مجلس الأمن الدولي، والتي ستستثنى من المرحلة الانتقالية. لا شك أن لكل دولة قوائمها، ولا سيما أميركا وروسيا والسعودية وتركيا وإيران، لكن وصول المشاورات نحو هذه القضايا الحساسة يعني أن لقاء فيينا يضع حجر الأساس لبداية الحل السياسي، وأن الوضع السوري لم يعد من الممكن بقاؤه مفتوحاً، وأصبح يهدد مصالح إقليمية ودولية كثيرة.
ستؤدي قوائم المجموعات المسماة "إرهابية" إلى انقسامات في هذه المجموعات؛ فحالما يبدأ إيقاف إطلاق النار، ستتركز النيران على المجموعات غير المشمولة بالاتفاقية، وبالتالي، تشكل هذه القضية حساسية كبيرة لكل الفصائل العسكرية على الأرض. باستثناء داعش، والذي هو خارج الاتفاق، فإن النصرة وأحرار الشام وجيش الإسلام جميعها تحتوي كتائب قد ترفض الاتفاق، وقد توضع حركة النصرة نفسها مع داعش كأهداف إرهابية للطيران الدولي. تعدّ هذه القضية، وقضية امتلاك أكثر من 200 ألف سوري للسلاح، ووجود جهاديين غير سوريين، من أخطر القضايا التي ستواجه المرحلة الانتقالية. ويفترض كلامنا هذا توافقاً إقليمياً ودولياً جاداً، في ما يخص المرحلة الانتقالية والتغيير في سورية.
المشكلة بالنسبة للشعب السوري أن أهداف ثورته ليست موضوعة على طاولة البحث أبداً. فللنظام ممثلوه، وللمعارضة التي شوهت الثورة ممثلوها، وسيكون للجماعات الإسلامية ممثلوها. الشعب الذي دمرت بيوته وقتل منه قرابة مليون إنسان ليس ممثلاً. وهنا نقول إنه لا شعب الثورة ممثلٌ ولا شعب النظام ممثل كذلك! ولكن، وعلى الرغم من هذه القضية الإشكالية، فإن أي إيقاف للحرب، وبدء تشكيل جيش لكل سورية ومرحلة انتقالية وضمانات دولية ستساعد على بداية العودة إلى أهداف الثورة، وعودة الشعب إلى مدنه وبلداته وحياته، وبالتالي، هناك سلبيات كبيرة، ولكن هناك إيجابيات كذلك.
أَخذَ موضوع المماطلة واللعب السوري بخصوص سورية زمناً طويلاً، وأصبحت كل الدول تعلم بدقة متناهية التعارضات والتوافقات، وأصبحت الجهادية المُرسلة إلى سورية خطراً على الجميع. لقاء فيينا بداية جديدة، وسيكون فيه بالضرورة بداية تهميش رجال النظام الأساسيين، وكذلك رجال المعارضة، وفيه مرحلة اصطفاء لكل من سيوافق على وضع سورية تحت الوصاية الدولية.
ليس سهلاً على شعبٍ قام بثورةٍ أن تكون نتيجة أحلامه وصاية دولية! ولكن ما صنعته سياسات التدخل والنظام وأخطاء المعارضة السورية أوصل سورية إلى: حرب مفتوحة وجهادية متعاظمة أو وصاية دولية. هذا ما تقوله موازين القوى حالياً.
هناك مسارٌ آخر، يمكن للسياسيين من خارج المعارضة أن يتحرّكوا فيه، وهو مسارٌ وطني ديمقراطي. وهذا متعلق بقوى وطنية ديمقراطية، هي مهمشة في طبخات جنيف وفيينا. وفي مقدور هؤلاء، صياغة رؤية سياسية وبرامج لسورية، وفقاً لأهداف الثورة الشعبية. ويتطلب هذا المسار إحداث قطيعة كاملة مع سياسات المعارضة، وإيجاد حركة وطنية رافضة للدخول في العملية الانتقالية الحالية، ولكن من دون معاداتها، ولا سيما إن أوقفت الحرب، وشكلت حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة، وشكلت جيشاً جديداً، وبالتالي، يمكن دعم الاحتمالات الإيجابية وإطلاق حركة مبنية على أسس الثورة وأهدافها.
هذا ممكن إن توفرت الإرادة الوطنية، كما حال الإرادة الدولية المتوفرة حالياً، وربما لأول مرة، والساعية إلى حلٍّ ينقذ النظام، وينهي أهداف الثورة، ويوقف الجهادية التي أصبحت تهدد الدول المحيطة بسورية والعالم.
كان تنظيم داعش يراقب نهاية شهر العسل، فهو كان بمعزل عن التصفية، على الرغم من وجود ضربات التحالف الدولي وروسيا والنظام وإيران وحزب الله. للرد على شعوره باقتراب أجله، قام بعمليات انتحارية عدة، هي بمثابة تهديد للدول التي ستنهي وجوده، وهناك تهديد للدول المتدخلة في سورية. داعش ليس صنيعة استخبارات فقط، كما يتكرّر في الإعلام، بل هو كذلك تنظيم جهادي ويمتلك رؤية خاصة به. هو يعلم أن أي اتفاق سياسي سيكون على جثته بالضرورة، خصوصاً إن تمّت مراعاة مصالح كل الدول الإقليمية والعالمية.
كُتِب الكثير عن تفجير الطائرة الروسية في سيناء، وأنها ستدفع الروس نحو العملية السياسية والتوقف عن المماطلة ودعم النظام وتجاهل بيان جنيف. وجاءت تفجيرات باريس، لتدفع النقاش الدولي لينتقل إلى إنهاء اللعب الدولي في سورية؛ فسورية أصبحت قضية إقليمية ودولية، وصار في وسع التنظيمات الجهادية الضرب في الخارج، وليس من مصلحة حقيقية باستمرار الحرب.
وكان موضوع الموقف من النظام السوري موضوع جدل مستمر بين روسيا وأميركا وفرنسا والدولة الإقليمية، لكنّ النظام ضعيف والجهادية تتعاظم والروس فهموا أن كل دول العالم لن تسلّم لها بقيادة سورية منفردة، وصواريخ التاو فعلت فعلها، ويمكن تمرير صواريخ مضادة للطيران، وحينها ستكون الخسارات أكبر بما لا يقاس.
عقدت روسيا اتفاقيات اقتصادية وعسكرية مع دول الخليج، وأعطتها الأخيرة الحق بالتمتع بالهيمنة على سورية في مقابل إنهاء دور إيران فيها، ودعم الحرب ضد الحوثيين في اليمن. وتشكل هذه العناصر بالنسبة للروس أرضية حقيقية للدخول بالعملية السياسية. يمكن أن يضاف أن تفجيرات باريس همّشت مسألة تغيير النظام أولاً لصالح محاربة الإرهاب. لا يلغي هذا التهميش أن تغيير النظام جزئياً ضرورة للبدء بالعملية الانتقالية، وبما يراعي بقاء الدولة السورية ومصالح المعارضة والدول المتدخلة بالشأن السوري.
الآن تُدرس قوائم المعارضة التي تكتبها كل دولة على انفراد، وهناك تكليف للأردن برفع أسماء المنظمات الإرهابية إلى مجلس الأمن الدولي، والتي ستستثنى من المرحلة الانتقالية. لا شك أن لكل دولة قوائمها، ولا سيما أميركا وروسيا والسعودية وتركيا وإيران، لكن وصول المشاورات نحو هذه القضايا الحساسة يعني أن لقاء فيينا يضع حجر الأساس لبداية الحل السياسي، وأن الوضع السوري لم يعد من الممكن بقاؤه مفتوحاً، وأصبح يهدد مصالح إقليمية ودولية كثيرة.
ستؤدي قوائم المجموعات المسماة "إرهابية" إلى انقسامات في هذه المجموعات؛ فحالما يبدأ إيقاف إطلاق النار، ستتركز النيران على المجموعات غير المشمولة بالاتفاقية، وبالتالي، تشكل هذه القضية حساسية كبيرة لكل الفصائل العسكرية على الأرض. باستثناء داعش، والذي هو خارج الاتفاق، فإن النصرة وأحرار الشام وجيش الإسلام جميعها تحتوي كتائب قد ترفض الاتفاق، وقد توضع حركة النصرة نفسها مع داعش كأهداف إرهابية للطيران الدولي. تعدّ هذه القضية، وقضية امتلاك أكثر من 200 ألف سوري للسلاح، ووجود جهاديين غير سوريين، من أخطر القضايا التي ستواجه المرحلة الانتقالية. ويفترض كلامنا هذا توافقاً إقليمياً ودولياً جاداً، في ما يخص المرحلة الانتقالية والتغيير في سورية.
المشكلة بالنسبة للشعب السوري أن أهداف ثورته ليست موضوعة على طاولة البحث أبداً. فللنظام ممثلوه، وللمعارضة التي شوهت الثورة ممثلوها، وسيكون للجماعات الإسلامية ممثلوها. الشعب الذي دمرت بيوته وقتل منه قرابة مليون إنسان ليس ممثلاً. وهنا نقول إنه لا شعب الثورة ممثلٌ ولا شعب النظام ممثل كذلك! ولكن، وعلى الرغم من هذه القضية الإشكالية، فإن أي إيقاف للحرب، وبدء تشكيل جيش لكل سورية ومرحلة انتقالية وضمانات دولية ستساعد على بداية العودة إلى أهداف الثورة، وعودة الشعب إلى مدنه وبلداته وحياته، وبالتالي، هناك سلبيات كبيرة، ولكن هناك إيجابيات كذلك.
أَخذَ موضوع المماطلة واللعب السوري بخصوص سورية زمناً طويلاً، وأصبحت كل الدول تعلم بدقة متناهية التعارضات والتوافقات، وأصبحت الجهادية المُرسلة إلى سورية خطراً على الجميع. لقاء فيينا بداية جديدة، وسيكون فيه بالضرورة بداية تهميش رجال النظام الأساسيين، وكذلك رجال المعارضة، وفيه مرحلة اصطفاء لكل من سيوافق على وضع سورية تحت الوصاية الدولية.
ليس سهلاً على شعبٍ قام بثورةٍ أن تكون نتيجة أحلامه وصاية دولية! ولكن ما صنعته سياسات التدخل والنظام وأخطاء المعارضة السورية أوصل سورية إلى: حرب مفتوحة وجهادية متعاظمة أو وصاية دولية. هذا ما تقوله موازين القوى حالياً.
هناك مسارٌ آخر، يمكن للسياسيين من خارج المعارضة أن يتحرّكوا فيه، وهو مسارٌ وطني ديمقراطي. وهذا متعلق بقوى وطنية ديمقراطية، هي مهمشة في طبخات جنيف وفيينا. وفي مقدور هؤلاء، صياغة رؤية سياسية وبرامج لسورية، وفقاً لأهداف الثورة الشعبية. ويتطلب هذا المسار إحداث قطيعة كاملة مع سياسات المعارضة، وإيجاد حركة وطنية رافضة للدخول في العملية الانتقالية الحالية، ولكن من دون معاداتها، ولا سيما إن أوقفت الحرب، وشكلت حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة، وشكلت جيشاً جديداً، وبالتالي، يمكن دعم الاحتمالات الإيجابية وإطلاق حركة مبنية على أسس الثورة وأهدافها.
هذا ممكن إن توفرت الإرادة الوطنية، كما حال الإرادة الدولية المتوفرة حالياً، وربما لأول مرة، والساعية إلى حلٍّ ينقذ النظام، وينهي أهداف الثورة، ويوقف الجهادية التي أصبحت تهدد الدول المحيطة بسورية والعالم.