هذه الشكوك عززتها الكثير من التساؤلات، التي بدأت تتسلل إلى السوق النفطية، من خلال إعلان روسيا (خارج أوبك) تمسكها بحصتها السوقية وتمسك العراق بمستويات إنتاجه، وكذا عدم إعلان أوبك عن الإجراءات العملية التي ستؤدي إلى تثبيت الإنتاج، وأهمها آلية توزيع حصص الدول الأعضاء في المنظمة من السوق العالمية.
محللون يدعون للحذر
فقد شكل توصل الدول المصدرة للنفط في الجزائر إلى "اتفاق تاريخي"، مفاجأة أدت إلى ارتفاع الأسعار، لكن محللين دعوا رغم ذلك إلى ضرورة توخي الحذر نظراً لبعض الغموض السائد، وفق ما نقلت وكالة "فرانس برس".
واتفقت أوبك، الأربعاء، على خفض إنتاجها إلى ما بين 32.5 مليونا و33 مليون برميل يومياً لتعزيز أسعار الخام المتدنية التي أضرت بالاقتصادات المعتمدة على السلع الأولية في أنحاء العالم.
ويرى المحللون أن انخفاض عائدات النفط هو الذي حفز المنظمة على اتخاذ هذا القرار، وإن كان بعض المشاركين في الاجتماع أشاروا لوكالة "فرانس برس"، إلى أن أوبك لم تحترم الحصص المحددة للإنتاج في الماضي.
وستحدد القرارات التطبيقية أهداف الإنتاج لكل من الدول الأعضاء خلال القمة نصف السنوية لأوبك في فيينا. ورغم ذلك، لا تزال هناك العديد من النقاط الغامضة بالنسبة للمحللين، وخصوصا حول آليات التطبيق.
وقال محللون لدى ميرابو سيكيوريتيز، صباح الخميس: "من الصعب حقاً ادعاء النصر بعد قرار (يعتبره البعض تاريخياً) أوبك الليلة الماضية".
والنقاط الغامضة الأخرى، هو ما ستفعله روسيا، المصدر العالمي الرئيسي للنفط الخام، فهي
ليست ضمن أوبك، لكنها تؤيد تجميد الإنتاج الذي بلغه الخام في أيلول/سبتمبر، مشيرة إلى أن سعر برميل "عادل" يجب أن يكون بين 50 و60 دولاراً.
وقال المحلل في مجموعة "اكسيتريدر" في سنغافورة، غريغ ماكينا، لـ"فرانس برس": "يعاني عدد كبير من الدول الأعضاء في أوبك من انخفاض الأسعار، وتشهد اقتصاداتها انكماشاً أو ركوداً وتواجه مشاكل ميزانية". ويفضل بعض المحللين التزام الحذر بانتظار قمة فيينا. كما سيتابع المستثمرون الدول المنتجة غير الأعضاء في أوبك، مثل روسيا والولايات المتحدة وكندا.
إذ إن روسيا عززت، اليوم، هذه المخاوف، بعدما قال وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك إن بلاده تهدف إلى إبقاء إنتاجها النفطي عند مستويات شبه قياسية رغم قرار منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) خفض الإنتاج.وذكر نوفاك أن روسيا مستعدة لدراسة مقترحات من أوبك بخصوص اتخاذ إجراء مشترك في سوق النفط وإنها ستجري مشاورات مع المنظمة في أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني.
وقال نوفاك في بيان أرسلته وزارته عبر البريد الإلكتروني: "ما زالت هناك مجموعة من التفاصيل التي يجب على دول أوبك بلورتها".
وأضاف: "ستدرس روسيا بعناية تلك المقترحات التي سيتم إعدادها في نهاية المطاف... لكن موقفنا هو الحفاظ على حجم الإنتاج عند المستوى الذي وصل إليه. هذه هي المبادئ الأساسية التي أخذت في الاعتبار من قبل".
وقال نوفاك إنه ليس مستعدا لتحديد المستوى الذي قد تثبت عنده روسيا إنتاجها النفطي إذا وافقت على القيام بتحرك مشترك مع أوبك، لكنه أضاف أنه قد تجري دراسة فرض سقف على إنتاج النفط لنحو نصف سنة.
العراق... احتمالات رفض التوافق
من جهة أخرى، تجاوز العراق إيران ليصبح ثاني أكبر منتج للخام في أوبك منذ أعوام عديدة إلا أنه ظل بعيدا عن الأضواء داخل المنظمة. وأخيرا جعلت بغداد الجميع يشعرون بحضورها، أمس الأربعاء. إلا أن ما فعله العراق لم يسعد لا السعودية ولا إيران.
فقد أبلغ وزير النفط العراقي الجديد جبار علي اللعيبي نظيريه السعودي خالد الفالح والإيراني بيجن زنغنه، في لقاء مغلق في الجزائر، بأنه لا يحبذ فكرة وضع سقف للإنتاج مجدداً عند 32.5 مليون برميل يومياً، بحسب مصادر لوكالة "رويترز" في المنظمة.
وينظر بعض أعضاء أوبك إلى إعادة العمل بسقف للإنتاج جرى التخلي عنه قبل عام بسبب الخلافات السعودية - الإيرانية باعتباره عاملاً حاسماً لمساعدة المنظمة على إدارة سوق متخمة
بالمعروض ودعم الأسعار التي هبطت إلى أقل بكثير من احتياجات الميزانية لغالبية المنتجين.
لكن اللعيبي أبلغ الاجتماع بأن سقف الإنتاج الجديد ليس مناسباً لبغداد نظراً لأن أوبك لم تقدر إنتاج العراق حق قدره بعد أن قفز في السنوات الأخيرة.
وقالت مصادر إن ذلك أعقبته حالة من الارتباك واختارت أوبك بعد مناقشات فرض سقف للإنتاج في نطاق 32.5-33 مليون برميل يومياً وهو قرار انتقده كثير من المحللين باعتباره ضعيفاً وغير ملزم. ويبلغ إنتاج أوبك حاليا 33.24 مليون برميل يومياً.
وخرج الوزراء، ومن بينهم الفالح وزنغنه، من الاجتماع تعلو وجوههم البسمة مشيدين بأول اتفاق لأوبك لخفض الإنتاج منذ 2008، إلا أن اللعيبي دعا لعقد للقاء صحافي منفصل ليشكو فيه من تقديرات أوبك لإنتاج العراق.
وقال للصحافيين إن تلك الأرقام لا تعبّر عن الإنتاج الفعلي لبلاده وإذا لم تتغيّر بحلول نوفمبر/ تشرين الثاني فلن يقبل العراق بذلك وسيطالب بحلول بديلة.
ويظهر تمرد اللعيبي، وفق "رويترز"، هشاشة اتفاق أوبك. فمن الآن وحتى نوفمبر/ تشرين الثاني عندما تعقد أوبك اجتماعها الرسمي يتعيّن على المنظمة أن تتغلب على عقبات كبيرة للتوافق على قرار ملزم.
ومن بين ذلك تحديد بعض الملامح على الأقل لحصة كل دولة للتأكد من قيام الأعضاء بالحد من فائض المعروض العالمي والذي دفع الأسعار للهبوط بأكثر من النصف منذ 2014 إلى أقل من 50 دولاراً للبرميل.
وتصر إيران على زيادة إنتاجها إلى نحو أربعة ملايين برميل يومياً مع خروجها من تحت طائلة العقوبات الأوروبية بينما تقترح السعودية تثبيت الإنتاج الإيراني عند 3.7 ملايين برميل يومياً.
وتعرض الرياض خفض إنتاجها إلى 10.2 ملايين برميل يومياً من 10.7 ملايين برميل يوميا، لكن معظم المحللين يرون أنها ستصل إلى هذا المستوى بأي حال مع انحسار حرارة فصل الصيف وانخفاض الحاجة إلى أجهزة تبريد الهواء. وقال مصدر لـ"رويترز" في أوبك: "الاتفاق يكاد يكون مهزلة".