تابع الروس على شاشات القنوات المختلفة، الأجنبية والروسية، ما يجري في مينسك التي اجتمعت فيها رباعية النورماندي لتسوية النزاع في أوكرانيا، كما يتابع طبيب القلب راسم النبض الإلكتروني. فقد مضت ساعات صباح أمس، بين يأس وإنذار، بإعلان فشل المفاوضات، وذرة من التفاؤل، تأتي قوتها من واقع أنّ لا خيار آخر سوى الاتفاق أو اشتعال المنطقة.
ومثل مخطط القلب، راح سعر صرف الدولار يتذبذب، إلى أن خرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مبتسماً ومعلناً التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار، وتوالت بعده الأنباء عن بنود الاتفاقية، ما هو واقعي منها وما يصعب ضمان تطبيقه.
فهل حقاً ابتسم بوتين للنجاح؟
ابتسم الرئيس الروسي للكاميرات، وقال "اتفقنا، من وجهة نظري، على أشياء كثيرة. فأوّلاً، اتفقنا على وقف إطلاق النار، بدءاً من الساعة صفر يوم الخامس عشر من فبراير/شباط الجاري". وأفاد بأنّه تم التوقيع على وثيقتين، وأنّ "رئيسي جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين وقعا الوثيقة المقترحة لتسوية الوضع في دونباس"، وأنّ "اتفاقات مينسك الجديدة تنصّ على تحرير وتبادل الأسرى والموقوفين بصورة غير قانونية وفق مبدأ (الجميع مقابل الجميع) بين الجانبين. وحتى نهاية العام 2015، ينبغي أن يدخل حيّز التطبيق دستور جديد في أوكرانيا ينص على اللامركزية واعتماد تشريع دائم حول الوضع الخاص لمناطق محددة في منطقتي لوغانسك ودونيتسك".
ورأى الرئيس الروسي أنّ الصعوبة الرئيسة تكمن في عدم رغبة كييف بالتواصل مع ممثلي جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، بصورة مباشرة، وكذلك عدم اعترافها بمحاصرة جيش دونباس لقواتها في منطقة ديبالتسيفو. وقد لاحظ بوتين أن هذه المسألة تعقّد إمكانية تطبيق الاتفاقات، لأن "الجنود المحاصرين سيحاولون الخروج من الحصار"، وطبيعي أن ذلك سيتم باستخدام السلاح. غير أنه قال إنه اتفق مع الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو، على أن يكلفا خبراءهما العسكريين بتوصيف الوضع الميداني هناك.
وكانت وسائل الإعلام قد تناقلت واقعة إحكام جيش دونباس حصاره على وحدات من الجيش الأوكراني، وهو ما أكّدته مصادر مختلفة في دونباس، إضافة إلى مصادر أوكرانية غير رسمية. وقد نشر موقع "برافدا.رو" أنباء حول إحكام الحصار على آلاف الجنود الأوكرانيين في منطقة ديبالتسيفو. وقد تم تأكيد أنّ ستة إلى ثمانية آلاف جندي أوكراني تمت محاصرتهم تماماً في الحادي عشر من فبراير/شباط الجاري، وأنّهم يتكبّدون خسائر فادحة. وسيكون عليهم من أجل الخروج من الحصار التحرك نحو 16 كيلومتراً في أرض سهلية مكشوفة تماماً، تقع كلياً تحت مرمى نيران قوات دونباس.
وبالتالي، ثمة خشية من أن يبيّت إصرار كييف على عدم الاعتراف بواقعة الحصار نية إيجاد مبرر لاستئناف العمليات القتالية، أو عدم الالتزام بوقف إطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه، وأكّده الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند. وهكذا، ستكون محاولة فك الحصار بالقوة كافية لتصعيد جديد. وثمة شكوك بأن تقف رغبة أميركية، في تعطيل اتفاق وافقت عليه موسكو، وراء ذلك، على الرغم من أن موسكو وافقت، تحت ضغط واقعها الاقتصادي الذي أثقلته العقوبات الغربية. وهذا الاتفاق أدنى بكثير من طموحات أنصارها، الذين كانوا قد تخلوا عن مطلبهم الأولي بإقامة فيدرالية، وأعلنوا بأنّهم لن يقبلوا بأقل من الاستقلال الكامل عن كييف وتشكيل دولة جديدة تحت مسمى "نوفوروسيا"، بعد النجاح الذي حققوه في الميدان.
وقد بدأت على الأرض فعلاً إجراءات الاندماج بين الجمهوريتين، ومع روسيا، وفي مقدّمتها مسألة بالغة الأهمية هي مناهج التعليم في المدارس، التي تعكس بطبيعة الحال النظرة إلى الجغرافيا والتاريخ وتحديد من هم الأصدقاء والأعداء، وتعمق الانفصال عن كييف. والمسألة الأخرى التي لا ترضي موسكو، ورغم ذلك وافقت عليها، هي عدم حصولها على طريق بري يربطها مع شبه جزيرة القرم التي ضمتها ربيع العام الماضي. وقد كان جيش دونباس على وشك أن يحرز نتائج على الأرض تسمح باتصال الجمهوريتين الانفصاليتين، وبالتالي اتصال الأرض الروسية بأرض شبه جزيرة القرم.
خلاصة اتفاقية مينسك وعثراتها
وقد لخّص بوريس روجين، رئيس تحرير مركز "كاسّاد" لتحليل المعلومات، ورئيس تحرير مشروع "صوت سيفاستوبول" المعلوماتي، على صفحته في "لايف جورنال" (المجلة الحية)، حصيلة مفاوضات مينسك، ومضمون الوثائق التي تم توقيعها، مع النقاط التي تعذر الاتفاق عليها، والتي تشكّل خطراً داهماً يمكن أن ينسف الاتفاقيات نحو عودة دورة العنف.
وفي محصلة ما نُشر، فقد تم الاتفاق على وقف إطلاق النار من الساعة صفر (12 ليلاً) من ليل 14 إلى 15 فبراير/شباط الجاري؛ وأن تسحب كييف أسلحتها الثقيلة عن خط الجبهة الحالي، على أن ينسحب مقاتلو دونباس إلى خط سبتمبر/أيلول للجبهة؛ وتم التأكيد على أن التسوية السياسية ممكنة فقط عبر مفاوضات مباشرة بين كييف وجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك. غير أن رفض الرئيس بوروشينكو التواصل المباشر مع ممثلي دونباس يعيق ذلك. كما تم الاتفاق على ضرورة أن تجري كييف إصلاحات دستورية تأخذ بعين الاعتبار مصالح دونباس.
وبناء عليه، ينبغي على أوكرانيا حتى نهاية العام الجاري اعتماد قانون جديد حول وضع دونباس، وإقرار استقلالية في موضوع اللغة، والعفو عن المشاركين في القتال، وتعاون حدودي مع روسيا. وينبغي، وفقاً للاتفاق، أن يغادر جميع المقاتلين الأجانب والعتاد الحربي الأجنبي الأراضي الأوكرانية، تحت مراقبة منظمة بعثة الأمن والتعاون الأوروبية. كما يجب إتمام عملية تبادل الأسرى قبل التاسع عشر من الشهر الجاري. وقد وقّع ممثلو جمهورية دونيتسك وثيقة التسوية بضمانات روسية وألمانية وفرنسية؛ ووفقاً للرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو، لن يكون هناك أي حكم ذاتي أو فيدرالية.
لكن في ظل رهان الطرفين على فشل اتفاقية مينسك الأخيرة، وأمام وعود أميركية بتسليح كييف ودعمها مالياً ودبلوماسياً، يصعب توقع حلول السلام والبدء بتسوية سياسية نهائية، إلا إذا كانت واشنطن ستأخذ هذه المرة بعين الاعتبار مخاوف حلفائها الأوروبيين، كما تأخذ موسكو مخاطر استمرارها بدعم الانفصاليين.
ومثل مخطط القلب، راح سعر صرف الدولار يتذبذب، إلى أن خرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مبتسماً ومعلناً التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار، وتوالت بعده الأنباء عن بنود الاتفاقية، ما هو واقعي منها وما يصعب ضمان تطبيقه.
فهل حقاً ابتسم بوتين للنجاح؟
ابتسم الرئيس الروسي للكاميرات، وقال "اتفقنا، من وجهة نظري، على أشياء كثيرة. فأوّلاً، اتفقنا على وقف إطلاق النار، بدءاً من الساعة صفر يوم الخامس عشر من فبراير/شباط الجاري". وأفاد بأنّه تم التوقيع على وثيقتين، وأنّ "رئيسي جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين وقعا الوثيقة المقترحة لتسوية الوضع في دونباس"، وأنّ "اتفاقات مينسك الجديدة تنصّ على تحرير وتبادل الأسرى والموقوفين بصورة غير قانونية وفق مبدأ (الجميع مقابل الجميع) بين الجانبين. وحتى نهاية العام 2015، ينبغي أن يدخل حيّز التطبيق دستور جديد في أوكرانيا ينص على اللامركزية واعتماد تشريع دائم حول الوضع الخاص لمناطق محددة في منطقتي لوغانسك ودونيتسك".
ورأى الرئيس الروسي أنّ الصعوبة الرئيسة تكمن في عدم رغبة كييف بالتواصل مع ممثلي جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، بصورة مباشرة، وكذلك عدم اعترافها بمحاصرة جيش دونباس لقواتها في منطقة ديبالتسيفو. وقد لاحظ بوتين أن هذه المسألة تعقّد إمكانية تطبيق الاتفاقات، لأن "الجنود المحاصرين سيحاولون الخروج من الحصار"، وطبيعي أن ذلك سيتم باستخدام السلاح. غير أنه قال إنه اتفق مع الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو، على أن يكلفا خبراءهما العسكريين بتوصيف الوضع الميداني هناك.
وكانت وسائل الإعلام قد تناقلت واقعة إحكام جيش دونباس حصاره على وحدات من الجيش الأوكراني، وهو ما أكّدته مصادر مختلفة في دونباس، إضافة إلى مصادر أوكرانية غير رسمية. وقد نشر موقع "برافدا.رو" أنباء حول إحكام الحصار على آلاف الجنود الأوكرانيين في منطقة ديبالتسيفو. وقد تم تأكيد أنّ ستة إلى ثمانية آلاف جندي أوكراني تمت محاصرتهم تماماً في الحادي عشر من فبراير/شباط الجاري، وأنّهم يتكبّدون خسائر فادحة. وسيكون عليهم من أجل الخروج من الحصار التحرك نحو 16 كيلومتراً في أرض سهلية مكشوفة تماماً، تقع كلياً تحت مرمى نيران قوات دونباس.
وبالتالي، ثمة خشية من أن يبيّت إصرار كييف على عدم الاعتراف بواقعة الحصار نية إيجاد مبرر لاستئناف العمليات القتالية، أو عدم الالتزام بوقف إطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه، وأكّده الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند. وهكذا، ستكون محاولة فك الحصار بالقوة كافية لتصعيد جديد. وثمة شكوك بأن تقف رغبة أميركية، في تعطيل اتفاق وافقت عليه موسكو، وراء ذلك، على الرغم من أن موسكو وافقت، تحت ضغط واقعها الاقتصادي الذي أثقلته العقوبات الغربية. وهذا الاتفاق أدنى بكثير من طموحات أنصارها، الذين كانوا قد تخلوا عن مطلبهم الأولي بإقامة فيدرالية، وأعلنوا بأنّهم لن يقبلوا بأقل من الاستقلال الكامل عن كييف وتشكيل دولة جديدة تحت مسمى "نوفوروسيا"، بعد النجاح الذي حققوه في الميدان.
وقد بدأت على الأرض فعلاً إجراءات الاندماج بين الجمهوريتين، ومع روسيا، وفي مقدّمتها مسألة بالغة الأهمية هي مناهج التعليم في المدارس، التي تعكس بطبيعة الحال النظرة إلى الجغرافيا والتاريخ وتحديد من هم الأصدقاء والأعداء، وتعمق الانفصال عن كييف. والمسألة الأخرى التي لا ترضي موسكو، ورغم ذلك وافقت عليها، هي عدم حصولها على طريق بري يربطها مع شبه جزيرة القرم التي ضمتها ربيع العام الماضي. وقد كان جيش دونباس على وشك أن يحرز نتائج على الأرض تسمح باتصال الجمهوريتين الانفصاليتين، وبالتالي اتصال الأرض الروسية بأرض شبه جزيرة القرم.
خلاصة اتفاقية مينسك وعثراتها
وقد لخّص بوريس روجين، رئيس تحرير مركز "كاسّاد" لتحليل المعلومات، ورئيس تحرير مشروع "صوت سيفاستوبول" المعلوماتي، على صفحته في "لايف جورنال" (المجلة الحية)، حصيلة مفاوضات مينسك، ومضمون الوثائق التي تم توقيعها، مع النقاط التي تعذر الاتفاق عليها، والتي تشكّل خطراً داهماً يمكن أن ينسف الاتفاقيات نحو عودة دورة العنف.
وفي محصلة ما نُشر، فقد تم الاتفاق على وقف إطلاق النار من الساعة صفر (12 ليلاً) من ليل 14 إلى 15 فبراير/شباط الجاري؛ وأن تسحب كييف أسلحتها الثقيلة عن خط الجبهة الحالي، على أن ينسحب مقاتلو دونباس إلى خط سبتمبر/أيلول للجبهة؛ وتم التأكيد على أن التسوية السياسية ممكنة فقط عبر مفاوضات مباشرة بين كييف وجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك. غير أن رفض الرئيس بوروشينكو التواصل المباشر مع ممثلي دونباس يعيق ذلك. كما تم الاتفاق على ضرورة أن تجري كييف إصلاحات دستورية تأخذ بعين الاعتبار مصالح دونباس.
وبناء عليه، ينبغي على أوكرانيا حتى نهاية العام الجاري اعتماد قانون جديد حول وضع دونباس، وإقرار استقلالية في موضوع اللغة، والعفو عن المشاركين في القتال، وتعاون حدودي مع روسيا. وينبغي، وفقاً للاتفاق، أن يغادر جميع المقاتلين الأجانب والعتاد الحربي الأجنبي الأراضي الأوكرانية، تحت مراقبة منظمة بعثة الأمن والتعاون الأوروبية. كما يجب إتمام عملية تبادل الأسرى قبل التاسع عشر من الشهر الجاري. وقد وقّع ممثلو جمهورية دونيتسك وثيقة التسوية بضمانات روسية وألمانية وفرنسية؛ ووفقاً للرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو، لن يكون هناك أي حكم ذاتي أو فيدرالية.
لكن في ظل رهان الطرفين على فشل اتفاقية مينسك الأخيرة، وأمام وعود أميركية بتسليح كييف ودعمها مالياً ودبلوماسياً، يصعب توقع حلول السلام والبدء بتسوية سياسية نهائية، إلا إذا كانت واشنطن ستأخذ هذه المرة بعين الاعتبار مخاوف حلفائها الأوروبيين، كما تأخذ موسكو مخاطر استمرارها بدعم الانفصاليين.