اتصالات دبلوماسية لتحضير بنود اجتماع السيسي وأحمد... وتهدئة إعلامية

18 أكتوبر 2019
قللت مصر من أهمية فوز آبي بنوبل (فرانس برس)
+ الخط -

كشفت مصادر دبلوماسية مصرية أن اتصالات بدأت بين وزارة الخارجية المصرية ونظيرتها الإثيوبية للتحضير للقاء الثنائي الذي سيعقده الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، على هامش حضورهما قمة "روسيا - أفريقيا 2019" التي ستُعقد في منتجع سوتشي في 23 و24 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، وذلك لمناقشة مستجدات المفاوضات حول قضية سد النهضة، والتي كانت الحكومة المصرية قد قالت إنها وصلت إلى طريق مسدود.

وأضافت المصادر أن دائرة السيسي أصدرت تعليمات لوزارة الري المختصة بإجراء الاتصالات مع الخرطوم وأديس أبابا في هذه القضية منذ الاتفاق الثلاثي على اقتصار المفاوضات على الجوانب الفنية، بوقف كل الاتصالات في الوقت الحالي، إلى حين الانتهاء من المناقشة على المستوى الرئاسي في قمة سوتشي، التي تتباين تطلعات وتوقّعات المسؤولين في الخارجية والري بشأنها، بين بعض من يتوقعون أن يؤدي فوز آبي أحمد بجائزة نوبل للسلام إلى تبنّيه مواقف أكثر مرونة مع مصر وأن تثمر الاتصالات الأخيرة التي أجراها السيسي مع الولايات المتحدة وإسرائيل ودول عربية أخرى للضغط على إثيوبيا، وبين فريق آخر يتوقع أن ينعكس فوز أحمد سلباً على هذا الملف.

وأوضحت المصادر أن على رأس البنود التي سيناقشها السيسي وأحمد في القمة، والتي سيتم الاتفاق عليها بين وزارتي الخارجية، مدى ضرورة إجراء دراسات علمية جديدة لقياس الآثار الاجتماعية والاقتصادية السلبية التي ستلحق بمصر نتيجة إنشاء السد ثم ملئه وتشغيله خلال 4 سنوات فقط، وهي المدة التي يصر عليها الجانب الإثيوبي، وما إذا كانت المجموعة العلمية المستقلة المكوّنة من 15 عضواً بواقع 5 أعضاء ممثلين لكل دولة من مصر والسودان وإثيوبيا، قابلة للاستمرار في ظل انعدام نتائجها المرجوة وعدم استجابة أديس أبابا لأي أطروحات يتم تقديمها خلال اجتماعاتها ذات الطابع العلمي.

وكانت مصر قد رفضت في آخر جولة مفاوضات في الخرطوم مطلع الشهر الحالي، المقترح الإثيوبي القائم على ملء الخزان بخطة رقمية ثابتة خلال 4 سنوات فقط، أي أقل بـ3 سنوات مما تطالب مصر، ومن دون الأخذ في الاعتبار نهائياً منسوب المياه في بحيرة ناصر، الأمر الذي ترى مصر أنه سيؤدي حتماً إلى جفاف غير مسبوق وشح مائي في نهاية السنة الثالثة من الملء على أكثر التوقعات تفاؤلاً.
ومن البنود التي ستتم مناقشتها أيضاً في السياق نفسه، رغبة مصر في وضع خريطة زمنية واضحة لحسم مشكلة فترة ملء السد، سواء بإتمام الاتفاق بين البلدين بالتوصل إلى حل وسط على ضوء التقارير العلمية وعدم تجاهل إثيوبيا لها إذا تم تقديمها مرة أخرى، أو بالتوافق على دخول عنصر جديد للتوفيق بين البلدين وفقاً للمادة 10 من اتفاق المبادئ الموقع في مارس/ آذار 2010، سواء كان الولايات المتحدة أو البنك الدولي، أو الاتحاد الأفريقي، أو الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي لا يوجد عليه أي توافق حتى الآن بين الدول الثلاث.



كما سيتم النقاش أيضاً حول إمكانية التشارك في اتفاق تبادل كهربي بين البلدين على غرار الاتفاق الذي أبرم بين أديس أبابا والخرطوم، والذي بموجبه ستنشئ حكومة الأخيرة شبكة جديدة لنقل الكهرباء، الأمر الذي يتطلب مبدئياً حصول مصر على معلومات وبيانات واضحة بشأن إنتاج الكهرباء في السنوات الأولى، والقيمة المالية التي يمكن ضخها للتشارك مع الدولتين الأخريين في شبكة التبادل الكهربائي. علماً أن الجانب الإثيوبي في الاجتماع الأخير في الخرطوم ركز على ضرورة البناء على المبدأ السادس من اتفاق 2015 الخاص بأولوية شراء الطاقة المتولدة من السد لمصر والسودان باعتبارها مفتاحاً لتقليص خسائر مصر الاقتصادية من المشروع، لكن لم يتم التوسع في النقاش وقتها لاقتصاره على وزراء الري.

وذكرت المصادر أن وزارتي الخارجية في البلدين اتفقتا على ضرورة السعي المشترك، خلال الأيام السابقة للقمة، لوقف التصعيد الإعلامي من الطرفين في وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي، وصدرت تعليمات من دائرة السيسي المخابراتية إلى الصحف بالتعامل مع قضية سد النهضة بمزيد من "العقلانية والهدوء" وعدم إفراد مساحات للآراء التي تطالب بالتصعيد، وذلك لتصدير صورة عن احترام مصر للمبدأ الثامن من الاتفاق والمتعلق بالضمان الثلاثي المشترك لأمان السد.

وكان السيسي قد أفرد جزءاً من خطابه، يوم الأحد الماضي، خلال حضوره الندوة التثقيفية للقوات المسلحة بمناسبة ذكرى حرب أكتوبر، لقضية سد النهضة، وأعاد إلقاء اللوم على ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 في ما وصلت إليه القضية، قائلاً: "لولا أن مصر كشفت ظهرها وعرّت كتفها (آنذاك) لكنا قادرين على التوصل لاتفاق وشروط واضحة لإنشاء هذا السد تحمي حقوق مصر". وأضاف السيسي أنه غير راضٍ عن "المبالغات" المنتشرة عن الآثار السلبية للسد على مصر، وأن الأمور مع إثيوبيا يجب أن تحل بهدوء وروية، وأنه حرص على تهنئة آبي أحمد لفوزه بالجائزة كـ"رئيس لمصر وللاتحاد الأفريقي"، وأن مصر يجب أن تركز جهودها على إنهاء مشاريع تدوير المياه وتعظيم الاستفادة من المتاح منها، وكذلك التوسع في مشاريع تحلية مياه البحرين الأحمر والمتوسط.

وعلى الرغم من اللهجة الرسمية المعتدلة، فإن دائرة السيسي، ممثلة في المخابرات العامة، أصدرت تعليمات لوسائل الإعلام المحلية الموالية للنظام، وكذلك للجان الإلكترونية التي تدير صفحات ومجموعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتقليل أهمية الفوز التاريخي لآبي أحمد بجائزة نوبل للسلام، والتعتيم على الاحتفاء الدولي به، ومحاولة تصوير الأمر على أن السبب المباشر للفوز هو توطيد أحمد علاقته بإسرائيل وزيارته لحائط المبكى هذا العام. وانتشرت على صفحات تلك اللجان الإلكترونية، وكذلك صفحات مواقع وسائل الإعلام المحلية الموالية للنظام، صورة أحمد وهو يزور حائط المبكى، وكذلك صور لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي تقدّم له بالتهنئة، فضلاً عن إعادة الحديث حول عدم وفائه بتعهده بعدم الإضرار بمصر عبر سد النهضة، ارتباطاً بما حدث في يونيو/ حزيران 2018 عندما طلب السيسي من أحمد، خلال زيارته لمصر، بصيغة أبوية لافتة ومتعالية أن يقسم اليمين خلفه على أن إثيوبيا لن تضر بمصالح مصر المائية، وردد أحمد خلفه القسم باللغة العربية.

المساهمون