"مراجيح العيد يا لالا .. ولبست جديد يا لالا .. فستاني مزركش يا لالا".. مقاطع من أغنية تراثية لا تزال شيماء برغال (35 عاماً) تحفظها منذ كانت صغيرة، تعبيرا عن حجم السعادة التي كانت تشعر بها وأقرانها ابتهاجا بالعيد، والتي لا تتلمّسها بين جيل الأطفال حالياً.
برغال، التي أصبحت أماً لثلاثة من الأطفال، أكبرهم يبلغ من العمر 10 سنوات، تعبر عن استغرابها كيف أنها وأقرانها كانوا يشعرون بمتعة العيد وفرحته بشكل لا يوصف، رغم بساطة العيش والظروف الاجتماعية التي كانت تحيط بهم، فيما لا يشعر أطفال اليوم بهذا الأمر".
تتحدث برغال لـ "العربي الجديد"، راسمة ذكريات الطفولة كأنها تعيشها اليوم فتقول: "أول ما كان يهمنا أن يكون لنا ملابس جديدة، ليس بالضرورة شكلها ولا لونها، لم نكن نختارها بأنفسنا، لكنها جميلة نرتديها في العيد ونخرج للعب مع باقي أطفال الحي".
تضيف، وهي تقارن الماضي بالحاضر: "أطفالنا اليوم نوفر لهم كل شيء، ملابس جديدة يختارونها بأنفسهم، ربما أكثر من موديل، وألعاب مشكّلة، ومصاريف يشترون بها ما يشتهون، ثم تشعر أن ابتسامتهم آنية، سرعان ما تخبو إذا ما نظروا إلى طفل آخر يحمل لعبة تختلف عن لعبتهم".
حالة من الحيرة تسيطر على برغال، التي تخاف أن تكون قد قصرت في حق أطفالها، رغم ما توفره لهم مما يطلبون، لكن في المقابل تسأل لماذا كنا نرضى بأي شيء نحصل عليه، واليوم لا يرضون عن كل شيء موفر لهم؟
الحياة المادية
تساؤل برغال، حملناه إلى الأخصائية التربوية، حكمت بسيسو، التي لم تفاجأ من ذلك، على اعتبار أن "طبيعة الحياة وتفاصيلها تحولت اليوم إلى المادية".
وتوضح بسيسو، في حديثها لـ "العربي الجديد"، ذلك بالقول: "النظرة المادية سيطرت على طبيعة الحياة اليوم، فالميزان المادي بات هو المعيار عند الأهل للتعامل مع أطفالهم، وهو ما حوّل ثقافة الأطفال من حالة الرضى الذاتي إلى حالة المقارنة المادية".
وتضيف بسيسو "في المقابل، الأهل، لأنهم يعيشون على مقياس الحياة المادية، باتوا لا يعلمون ما الذي يجلب السعادة أكثر لأبنائهم، وبالتالي هم يحاولون توفير كل شيء للطفل بالعيد من ملابس وألعاب وخروج للملاهي والمتنزهات، لأنهم يحاولون إرضاء الضمير التربوي المكلفين به".
هذا دفعنا إلى سؤال بسيسو، هل يمنح هذا المعيار الابتسامة الحقيقة لأطفالنا؟ وهو ما اعتبرته أمرا غير واقعي، لأن هناك حالة من "العجر في الإرضاء التربوي عند أطفالنا"، وهذا ناتج عن حالة البعد والانشغال اليومي للأهل عن أطفالهم، وهو ما يجعلهم يشعرون بعدم الرضى عن الضمير التربوي.
اقــرأ أيضاً
البعد عن التراث
التطور الصناعي والرقمي جعل أطفالنا يعيشون "حالة من العزلة النفسية"، هذا ما لخصته آيات سوالمة، أخصائية الإرشاد النفسي والتربوي، في عدم وصول الأطفال إلى السعادة التامة في العيد.
وتعيد سوالمة، في حديثها لـ "العربي الجديد"، هذا الأمر إلى عاملين؛ أولهما حالة التسارع التقني الحديث، وهو ما يوفر للأطفال حالة من الانبهار، ما يمرون بحالة عدم إشباع نفسي بما يتاح بين أيديهم من ألعاب حديثه.
وتوضح سوالمة أن التطور الرقمي والصناعي في مجال ترفيه الأطفال أخذ حيزاً كبيراً، وهو ما خلق نوعا من الفجوة في المجتمعات العربية بشكل خاص لعدم تطابق الواقع الذي يعيشونه مع التطور المتسارع تقنيا، وهذا انعكس على مفهومهم للاندماج، وبالتالي إمكانية الاستمتاع بشكل سليم مع هذه الألعاب".
أما العامل الثاني، وفقاً للأخصائية سوالمة، فهو يتمثل في الفجوة التراثية، وهذا ما أوجد الفرق ما بين شعور الأطفال سابقا بحالة انبساط تام لمجرد المشاركة بألعاب بسيطة، فيما لا يصل هذا الإحساس لدى الأطفال في الجيل الحالي.
وتشير سوالمة إلى أن ثقافتنا وثقت هذا الأمر من خلال الأغاني والأهازيج التي ترافق الألعاب التي كان يمارسها الأطفال سابقا، وهو ما يحدث حالة من التكامل ما بين ممارسة اللعبة والجو النفسي الذي يعيشه.
اقــرأ أيضاً
خطوات عملية
الأخصائية التربوية، حكمت بسيسو، قدمت حلولا يمكن من خلالها إعادة ثقافة الانبساط لأطفالنا في العيد، من خلال خطوات عدة يتوجب على الأهل التنبه لها.
ومن هذه الخطوات، بحسب بسيسو؛ توعية الأطفال بمفهوم التربية الاقتصادية، حيث يتعرف الطفل إلى الواقع الاقتصادي لعائلته، وبالتالي يمكنه من التعرف على منظومة الالتزامات الاقتصادية التي تمر بها الأسرة، وهذا بحد ذاته يجعله يعيش حالة من القناعة الذاتية لما يتوفر له من ألعاب.
وتشير بسيسو إلى أن الطفل عندما يفرق ما بين الكماليات والأساسيات، يصبح لديه القدرة على التكيف النفسي في الاختيار حسب الموازنة، وهذه أولى خطوات القناعة عند الأطفال التي يمكن أن تلبي أولى مراحل السعادة والرضى.
الخطوة الأخرى، وفقا لما تراه بسيسو، فتتمثل في إشراك الأطفال في المبادرات الخيرية، كأن يشارك الأبناء في توزيع الهدايا والجوائز على الأطفال الأيتام والفقراء، وهو ما يكسر حاجز الأنانية عند الطفل.
وترى بسيسو أن الفارق ما بين ألعاب الحاضر والماضي في المناسبات خاصة الأعياد، هو الجو التفاعلي والشعور المتبادل ما بين الأطفال، ففي الماضي كان هناك ميل دوما للألعاب الجماعية وتقاسمها، أما اليوم فهناك حالة من العزلة التي يعيشها أطفالنا نتيجة استخدام التقنيات الحديثة.
العيد وغربة الوطن
في المقابل، تطرح بسيسو وصفات للعائلات العربية التي تعيش مغتربة داخل مجتمعات أخرى لا تتوافق وعادتها الاجتماعية، حيث تشير إلى أن الأساس الذي يجب أن تنطلق منه العائلة في هذا الأمر، هو "الاعتزاز بالهوية" للطفل.
وتقول بسيسو "هناك عائلات عربية تعيش في مجتمعات غربية، ما يفقد العيد معانيه عند الأطفال، وهو ما يخلق حالة شعور روتيني قد لا يميزه أطفالنا عن غيرهم، لكن هذا يتطلب مزيدا من الوعي والثقافة لدى العائلة".
وعن وسائل اجتياز هذه الحالة، توضح بسيسو عدداً من الفعاليات التي قد تلجأ إليها العائلة، والتي تتمثل في دعوة أصدقاء أطفالنا في أيام العيد، وعمل حفلة بسيطة تعبيرا عن الفرحة بهذا اليوم، أو جعل الطفل يرتدي ملابسه الجديدة ويخرج للحي أو الشارع ويوضح للناس لماذا هو يرتدي هذه الملابس في هذا اليوم.
أضف لذلك، كما تشير بسيسو، أن الأهل يمكن أن يعدوا بعض الهدايا أو بطاقات المعايدة التي يقوم أطفالهم بتوزيعها على الجيران في الحي أو المدرسة، وتعريفهم أن ذلك هو ابتهاج بالعيد.
اقــرأ أيضاً
تتحدث برغال لـ "العربي الجديد"، راسمة ذكريات الطفولة كأنها تعيشها اليوم فتقول: "أول ما كان يهمنا أن يكون لنا ملابس جديدة، ليس بالضرورة شكلها ولا لونها، لم نكن نختارها بأنفسنا، لكنها جميلة نرتديها في العيد ونخرج للعب مع باقي أطفال الحي".
تضيف، وهي تقارن الماضي بالحاضر: "أطفالنا اليوم نوفر لهم كل شيء، ملابس جديدة يختارونها بأنفسهم، ربما أكثر من موديل، وألعاب مشكّلة، ومصاريف يشترون بها ما يشتهون، ثم تشعر أن ابتسامتهم آنية، سرعان ما تخبو إذا ما نظروا إلى طفل آخر يحمل لعبة تختلف عن لعبتهم".
حالة من الحيرة تسيطر على برغال، التي تخاف أن تكون قد قصرت في حق أطفالها، رغم ما توفره لهم مما يطلبون، لكن في المقابل تسأل لماذا كنا نرضى بأي شيء نحصل عليه، واليوم لا يرضون عن كل شيء موفر لهم؟
الحياة المادية
تساؤل برغال، حملناه إلى الأخصائية التربوية، حكمت بسيسو، التي لم تفاجأ من ذلك، على اعتبار أن "طبيعة الحياة وتفاصيلها تحولت اليوم إلى المادية".
وتوضح بسيسو، في حديثها لـ "العربي الجديد"، ذلك بالقول: "النظرة المادية سيطرت على طبيعة الحياة اليوم، فالميزان المادي بات هو المعيار عند الأهل للتعامل مع أطفالهم، وهو ما حوّل ثقافة الأطفال من حالة الرضى الذاتي إلى حالة المقارنة المادية".
وتضيف بسيسو "في المقابل، الأهل، لأنهم يعيشون على مقياس الحياة المادية، باتوا لا يعلمون ما الذي يجلب السعادة أكثر لأبنائهم، وبالتالي هم يحاولون توفير كل شيء للطفل بالعيد من ملابس وألعاب وخروج للملاهي والمتنزهات، لأنهم يحاولون إرضاء الضمير التربوي المكلفين به".
هذا دفعنا إلى سؤال بسيسو، هل يمنح هذا المعيار الابتسامة الحقيقة لأطفالنا؟ وهو ما اعتبرته أمرا غير واقعي، لأن هناك حالة من "العجر في الإرضاء التربوي عند أطفالنا"، وهذا ناتج عن حالة البعد والانشغال اليومي للأهل عن أطفالهم، وهو ما يجعلهم يشعرون بعدم الرضى عن الضمير التربوي.
البعد عن التراث
التطور الصناعي والرقمي جعل أطفالنا يعيشون "حالة من العزلة النفسية"، هذا ما لخصته آيات سوالمة، أخصائية الإرشاد النفسي والتربوي، في عدم وصول الأطفال إلى السعادة التامة في العيد.
وتعيد سوالمة، في حديثها لـ "العربي الجديد"، هذا الأمر إلى عاملين؛ أولهما حالة التسارع التقني الحديث، وهو ما يوفر للأطفال حالة من الانبهار، ما يمرون بحالة عدم إشباع نفسي بما يتاح بين أيديهم من ألعاب حديثه.
وتوضح سوالمة أن التطور الرقمي والصناعي في مجال ترفيه الأطفال أخذ حيزاً كبيراً، وهو ما خلق نوعا من الفجوة في المجتمعات العربية بشكل خاص لعدم تطابق الواقع الذي يعيشونه مع التطور المتسارع تقنيا، وهذا انعكس على مفهومهم للاندماج، وبالتالي إمكانية الاستمتاع بشكل سليم مع هذه الألعاب".
أما العامل الثاني، وفقاً للأخصائية سوالمة، فهو يتمثل في الفجوة التراثية، وهذا ما أوجد الفرق ما بين شعور الأطفال سابقا بحالة انبساط تام لمجرد المشاركة بألعاب بسيطة، فيما لا يصل هذا الإحساس لدى الأطفال في الجيل الحالي.
وتشير سوالمة إلى أن ثقافتنا وثقت هذا الأمر من خلال الأغاني والأهازيج التي ترافق الألعاب التي كان يمارسها الأطفال سابقا، وهو ما يحدث حالة من التكامل ما بين ممارسة اللعبة والجو النفسي الذي يعيشه.
خطوات عملية
الأخصائية التربوية، حكمت بسيسو، قدمت حلولا يمكن من خلالها إعادة ثقافة الانبساط لأطفالنا في العيد، من خلال خطوات عدة يتوجب على الأهل التنبه لها.
ومن هذه الخطوات، بحسب بسيسو؛ توعية الأطفال بمفهوم التربية الاقتصادية، حيث يتعرف الطفل إلى الواقع الاقتصادي لعائلته، وبالتالي يمكنه من التعرف على منظومة الالتزامات الاقتصادية التي تمر بها الأسرة، وهذا بحد ذاته يجعله يعيش حالة من القناعة الذاتية لما يتوفر له من ألعاب.
وتشير بسيسو إلى أن الطفل عندما يفرق ما بين الكماليات والأساسيات، يصبح لديه القدرة على التكيف النفسي في الاختيار حسب الموازنة، وهذه أولى خطوات القناعة عند الأطفال التي يمكن أن تلبي أولى مراحل السعادة والرضى.
الخطوة الأخرى، وفقا لما تراه بسيسو، فتتمثل في إشراك الأطفال في المبادرات الخيرية، كأن يشارك الأبناء في توزيع الهدايا والجوائز على الأطفال الأيتام والفقراء، وهو ما يكسر حاجز الأنانية عند الطفل.
وترى بسيسو أن الفارق ما بين ألعاب الحاضر والماضي في المناسبات خاصة الأعياد، هو الجو التفاعلي والشعور المتبادل ما بين الأطفال، ففي الماضي كان هناك ميل دوما للألعاب الجماعية وتقاسمها، أما اليوم فهناك حالة من العزلة التي يعيشها أطفالنا نتيجة استخدام التقنيات الحديثة.
العيد وغربة الوطن
في المقابل، تطرح بسيسو وصفات للعائلات العربية التي تعيش مغتربة داخل مجتمعات أخرى لا تتوافق وعادتها الاجتماعية، حيث تشير إلى أن الأساس الذي يجب أن تنطلق منه العائلة في هذا الأمر، هو "الاعتزاز بالهوية" للطفل.
وتقول بسيسو "هناك عائلات عربية تعيش في مجتمعات غربية، ما يفقد العيد معانيه عند الأطفال، وهو ما يخلق حالة شعور روتيني قد لا يميزه أطفالنا عن غيرهم، لكن هذا يتطلب مزيدا من الوعي والثقافة لدى العائلة".
وعن وسائل اجتياز هذه الحالة، توضح بسيسو عدداً من الفعاليات التي قد تلجأ إليها العائلة، والتي تتمثل في دعوة أصدقاء أطفالنا في أيام العيد، وعمل حفلة بسيطة تعبيرا عن الفرحة بهذا اليوم، أو جعل الطفل يرتدي ملابسه الجديدة ويخرج للحي أو الشارع ويوضح للناس لماذا هو يرتدي هذه الملابس في هذا اليوم.
أضف لذلك، كما تشير بسيسو، أن الأهل يمكن أن يعدوا بعض الهدايا أو بطاقات المعايدة التي يقوم أطفالهم بتوزيعها على الجيران في الحي أو المدرسة، وتعريفهم أن ذلك هو ابتهاج بالعيد.