ابتزاز

05 سبتمبر 2018
+ الخط -
جريمة ابتزاز قذرة تعرّضت لها سيّدة فلسطينية شابّة، كانت نتيجتها أن دفعت حياتها، كنهاية لمسلسل ابتزازٍ بدا في نظرها لا نهاية له، وقد وضعت هي النهاية بيديها تحديداً، حين قرّرت أن ترتكب خطأ حياتها، الانتحار؛ للهروب من المبتزِّين، وانقسم الرأي العام بشأن قضيتها، ما بين مذنبة وضحية.
في نظري، ذهبت السيِّدة الشابَّة نهى عميرة من القدس ضحيةً مرَّتين. الأولى، حين قرّر أحدُهم أن ينتقم منها، من دون جريرةٍ ارتكبتها، سوى أنها شقيقةٌ لآخر حدثت بينهما مشكلة ما. ولأن هذا الشخص يعرف تماماً أن المال لا يوجع العربي مثلما يوجعه عِرضُه وشرفه، فلم يشفَ غليله أن يحصل على مبلغٍ كبير من المال تعويضا، مثلما حكم الوجهاء من العائلتين، لكن نار الحقد والضغينة بداخله ظلَّت متأجِّجة، وقرَّر أن يدنِّس شرف هذا الغريم، وهو يتأكَّد تماماً أن هذه هي الضربة الموجعة. المرَّة الثانية التي ذهبت فيها السيِّدة نهى ضحية، حين بدأ مسلسل الابتزاز، بعد إسقاطها جنسياً، من دون علمها، والحصول على أموالها، حتى اضطرّت إلى السرقة؛ لكي تغلق باب الابتزاز، لكن المبتزَّ ظلَّ يرى ضعفها وخوفها، ولم يشبع، حتى قرّرت أن تضع حدًّا لحياتها، وقتلها خوفُها، وجبنُها، قبل أن تقتل نفسها.
هذه السيدة والتي تزوجت في سنٍّ صغيرة، ليس لها ذنبٌ في المشكلة التي حدثت مع شقيقها، واعتقد الجميع أنها انتهت بالتراضي المادي، ولم يكن في الحسبان أن الشرف سوف يدخل في تسديد الحساب، فكانت النتيجة أن تتهم نهى بأنها تعاني من اضطراباتٍ نفسيةٍ تدفعها إلى الانطواء، نهاراً، والبكاء، ليلاً، ولم تجرؤ على البوح بما حدث معها؛ لأنها واثقةٌ أن المرأة في مجتمعنا متهمةٌ دائماً، ومجرمةٌ وجانيةٌ فيما يخصُّ شرفها.
أكثرُ ما يؤلمني ويثير غضبي، في قضايا الابتزاز التي نسمع عنها، كلَّ يوم، وحيث أقرّت الشرطة الفلسطينية بأنها قد تلقَّت، منذ بداية العام حوالي 1300 شكوى بشأن الجرائم الإلكترونية، و37% منها كانت من فتياتٍ تعرَّضن لابتزاز مالي وجنسي، لكنهن وجدن الجرأة لكي يتقدَّمن بالشكوى، أن الحقيقة التي لا تعرفها كلُّ بنت، أو امرأة تتعرَّض للابتزاز أن المبتزَّ هو أضعف مخلوقٍ في الكون، وأن الذي يهدِّد بالفضيحة هو أكثر كائن على الأرض يخشى من أن يُفْتَضحَ أمرُه؛ لأنه سيكون شريكاً في جريمة الإسقاط، وبعدها متّهماً بالابتزاز، لكن خوف النساء عموماً من الفضيحة، وارتباط الشرف بالجسد في نظر المجتمع، يكون السبب في أن يصبحن صيداً سهلاً لهؤلاء المبتزِّين، والوقوع في براثنهم.
وقد خلَّدت السينما صور الابتزاز والإسقاط، حتى أصبحنا نخاف أن نشرب القهوة في بيوت صاحباتنا، إنْ كنَّا بمفردنا، وفقدنا الثقة بأيِّ زجاجة عطرٍ تطلب منَّا صديقةٌ أن نبدي رأينا فيها، ونُصاب بالجزع ونهرب، وكأن كلَّ شياطين الأرض تطاردنا، حين تُقرب فوهتها من أنوفنا، وذلك بسبب ما أسهبت به السينما والدراما في عرض صور الإسقاط الساذجة والحقيقية، السهلة والمبتكرة، والتي نتيجتها أن تقع المرأة في قبضة المبتز، والذي إن لم يفلح في ابتزازها مادياً يبتزُّها جنسياً، ويحوَّلها من مغتصَبة إلى مومس.
في قضية هذه الأم الشابة الضحية، والتي قرّرت أن تضع حدًّا لحياتها بنفسها، ولم تكن تتخيّل موقف المجتمع، حين يعرف بقصتها، وما نالها من دمارٍ نفسي واجتماعي ومادي؛ بسبب مبتزٍّ حقير، وشقيقته زيَّنت لهما هذه الطريق للانتقام، وفي الحقيقة أنهما قد نسيا الانتقام، واستساغا المكسب المادي الذي جنياه من هذه المرأة البائسة والضعيفة.
كان ممكنا ألا يحدث هذا كلُّه، وألا تموت السيدة نهى بهذه الطريقة البشعة، وأن تظلّ بين ولديها الحبيبين، لو أنها فكّرت بأن تطلب النجدة، ولو أنها فكّرت بأن طرق التلفيق والخدع في التصوير أصبحت مشهورة ومعروفة. وليس بالسهولة يمكن أن يقتنع الناس بما يشاهدونه من فيديوهات مفبركة ومركّبة، فمن رحمة الله بنساء هذه الأرض أنَّ خدع المبتزِّين مكشوفة، وتصديقها لا يكون إلا ممَّن يريدون تصديقها وترويجها.
دلالات
سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.