تتفاقم أزمة إيواء اللاجئين في ألمانيا، في ظل تزايد أعدادهم بشكل كبير، علماً أنّ البلاد تجذب نحو 43 في المائة من إجمالي طلبات اللجوء، التي بلغت 400 ألف طلب خلال النصف الأول من العام الجاري. والتي ازدادت في أعقاب قضية غرق الطفل عيلان عبد الله وآخرين وما اتخذ بعدها من قرارات. أمرٌ يعد حملاً ثقيلاً بالنسبة لألمانيا، خصوصاً أنها مضطرة إلى تأمين مراكز إيواء كافية لهذه الأعداد الكبيرة، وتأمين توزيعهم بشكل متوازن وعادل بين المدن.
الزيادة الكبيرة في أعداد اللاجئين من سورية وأفغانستان والعراق وغيرها من الدول، دفعت ألمانيا إلى الإسراع في إيجاد مراكز إيواء لهم، منها ما هو مؤقت لأولئك الذين ينتظرون نتائج طلباتهم، وأخرى دائمة للذين منحوا حق الإقامة على الأراضي الألمانية. وتقول السلطات إن لديها 45 ألف مكان شاغر في المساكن المؤقتة الخاصة بطلبات اللجوء السياسي، باستثناء المخيمات التي أُقيمت أخيراً، علماً أن عليها تأمين ما لا يقل عن 150 ألف مسكن جديد بشكل سريع.
ورحبت البلديات والمدن الألمانية بكل اقتراح يساعد في حل أزمة إيواء هذه الأعداد الكبيرة من اللاجئين الوافدين إلى البلاد. ولجأت بعض المدن إلى إنشاء مخيمات كحل مؤقت خلال فصل الصيف، على أن تجد بديلاً خلال فصل الشتاء. إلا أن هذا الحل لم يرض كثيرين. ويقول عدد من السياسيين إن اللاجئين بحاجة إلى بيوت تحميهم، والخيم "ليست الحل الأفضل"، ويجب البحث عن بدائل على غرار القاعات الرياضية وغيرها، أو تحويل الثكنات العسكرية السابقة إلى مساكن للإيواء، وتجديد منازل الممرضات غير المستغلة.
أيضاً، سعى مواطنون إلى حل مشكلة إيواء اللاجئين، وعمد البعض إلى إيواء اللاجئين في منازلهم، فيما عمد آخرون إلى المساعدة في إيجاد شقق لهم. ويعد مشروع "مرحباً باللاجئين" مثالاً، إذ يبحث القائمون عليه عن أماكن للاجئين الجدد بعد معرفة أعمارهم ومؤهلاتهم ومدى تمكنهم من اللغة الألمانية. ومع تزايد أزمة السكن هذه، دعا رئيس مجلس المدن، غيرد لاندسبرغ، إلى منح تراخيص بناء إضافية بنسبة تصل إلى 30 في المائة، وطالب نائب رئيس مجلس المدن، أولريش مالي، ببناء 80 ألف وحدة سكنية جديدة في البلاد، لضمان عدم حصول أي مشاكل بين السكان المحليين واللاجئين الباحثين عن مساكن. ويتوقع قبول طلبات 40 في المائة من اللاجئين الوافدين إلى ألمانيا في الوقت الراهن.
وعلى الرغم من الجهود التي تقوم بها الحكومة الألمانية لتأمين حياة آمنة لهؤلاء الهاربين من المآسي في بلادهم، ترى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن وضع المهاجرين في البلاد ليس مرضياً كثيراً. وتلفت إلى أن كل شخص يأتي إلى ألمانيا له الحق في معاملة كريمة وإنسانية. لكنّ مثل هذا الكلام يبقى بعيداً عن الواقع أحياناً.
فما يزيد الأمر تعقيداً هو الهجمات المستمرة على مراكز اللجوء. وهو ما يضع ألمانيا أمام تحدٍ كبير، علماً أن زيادة أعمال العنف ضد اللاجئين، خصوصاً في مدن ألمانيا الشرقية، تجعل من الصعب على الحكومة تحقيق الانسجام بين المجتمع واللاجئين. ووصفت ميركل هذه الأعمال بـ"الشائنة والمثيرة للاشمئزاز". وخلال النصف الأول من العام الجاري، أبلغ عن 202 حالة اعتداء بحق اللاجئين في ألمانيا، ما دفع السلطات إلى اتخاذ تدابير أمنية إضافية بهدف حماية اللاجئين من المتطرفين في مختلف المدن التي شهدت عنفاً، خصوصاً أن النسبة ارتفعت بالمقارنة مع العام الماضي.
إلا أن هذه الاعتداءات لا تعكس موقف غالبية الشعب الألماني، إذ أكدت استطلاعات للرأي أجريت أخيراً أن غالبية الألمان لا يمانعون من تواجد اللاجئين وتأمين مراكز لهم، بالإضافة إلى استقبال المزيد من الراغبين في دخول ألمانيا. أيضاً، هناك إجماع بين السياسيين على أن لهؤلاء اللاجئين الحق في الحياة، على الرغم من رفض المتطرفين لهم، ولجوئهم إلى الأعمال التخريبية من وقت إلى آخر في المراكز والخيم والشقق التي يقيمون فيها.
وبطبيعة الحال، تبقى المخيمات ومراكز اللجوء أفضل للهاربين من المعاناة والحرب في بلادهم، وإن كانت الصحف الألمانية تتساءل عن مدى قدرة ألمانيا على فتح أبوابها واستقبال اللاجئين؟ وإلى متى سيبقى الألمان ينظرون للأمر بشكل إنساني، وخصوصاً مع استمرار توافدهم بشكل كبير؟
اقرأ أيضاً: شجار بين لاجئين سوريين وأفغان داخل نزل ألماني