في منزله بالقاهرة، رحل أول أمس الأربعاء الفنان التشكيلي المصري إيهاب شاكر (1933-2019) أحد أكثر الرسامين حضوراً في مجال الكاريكاتير والرسوم المصورة والتعبيرية التي ترافق الأعمال الأدبيةومن روادها المؤثرين في مصر.
بدأ شاكر العمل في صحيفة "الجمهورية" عام 1953، قبل أن ينضم إلى مجلة "روز اليوسف" عام 1960. وتبرز في تخطياطته تلك اللمسة الشعبية والروح المرحة والملونة القريبة من طبيعة الإنسان المصري وحياته اليومية.
درس الراحل الفنون الجميلة في جامعة القاهرة وتخرج منها عام 1957، وحين بدأ يشتغل على موضوع تخرجه اختار "السيرك الشعبي القاهري" موضوعاً للرسم، فتتبّعه في الموالد والاحتفالات، وربما تشارك هذا الشغف مع شقيقه الفنان الراحل ناجي شاكر، الذي صمم عرائس أوبريت "الليلة الكبيرة".
ظهر شغف شاكر بالرسم مبكراً، إذ ألحقته عائلته الميسورة بمدرسة "ليوناردو دافنشي" العريقة في القاهرة، وهي مدرسة إيطالية دولية افتتحت عام 1868، وفيها تلقى التعليم الأساسي على يد فنانين إيطاليين عاشوا في القاهرة وامتهنوا تعليم الرسم فيها.
يُعرف شاكر، إن لم يكن بالاسم فبالشخصيات التي ابتكرها، فكل طفل قرأ "سندباد" و"ميكي ماوس" و"سمير" و"ماجد" و"علاء الدين"، وهي مجلات الأطفال العرب الشائعة والرائجة في السبعينيات والثمانينيات، تعرف على شخصياته. وليس من قبيل المبالغة أن نعتبر أن الراحل كان شريكاً في تشكيل مخيلة الأطفال البصرية في تلك المرحلة.
رسم شاكر أيضاً لبعض مجلات الأطفال الفرنسية، ولاحقاً عندما تزوج بكاتبة أدب الطفل سمر شفيق أصبحت رسوماته جزءاً لا يتجزأ من قصصها، كما ألّف أيضاً كتابين موجهين للأطفال وهما "عقلة الأصبع في مملكة النمل" (المعارف 1960)، و"القطة بوسي" (المعارف 1963).
أخرج الفنان عدة أفلام تسجيلية منها: "الزجاجة" و"أغاني الحيوانات" و"واحد، تنين، تلاتة"، وصمم العديد من أغلفة الكتب وملصقات الأفلام، مثل أعمال المخرج داوود عبد السيد، ومن أشهر الإصدارات التي شارك فيها تصميماً ورسماً "حكايات شعبية من مصر"، و"الملك لير"، و"لو كنت ملكاً"، و"حكاية أراجوز".
ولا بد أن مسيرة كهذه كللتها العديد من الجوائز في حقول مختلفة، حازها داخل وخارج مصر، كما جرى تكريمه في معرض فرانكفورت للكتاب، وفي مهرجانات أوروبية مختلفة، وقد ألّف الناقد صلاح بيصار كتاباً عن تجربته الواسعة، صدر العام الماضي ضمن سلسلة "ذاكرة الفنون" التي تصدرها "الهيئة العامة للكتاب" تحت عنوان "الفنان إيهاب شاكر".
في مقدمة الكتاب، يقول بيصار: "تُعد لوحاته مساحة خاصة ومتميزة فى التصوير المصري الحديث والمعاصر. جمع فيها بين الفرجة الشعبية المسكونة بروح الفولكلور؛ عصير حياة الشخصية المصرية وأعمق أعماقها وبين الفانتازيا المتوّجة بعصرية اللمسة من السحر الشرقي ولمسة الحداثة".
سيرة إيهاب شاكر الفنان الشامل، بحسب بيصار، ليست مجرد حديث عن شخصيته الفنية وعالمه الرحب فقط، بل تقودنا إلى الحديث حول الفن الصحافي من الكاريكاتير إلى الرسوم التعبيرية وفن الكتاب وغلاف المجلة وتاريخ هذه الفنون كلها في منطقتنا.