قبل أيام على الانتخابات الأوروبية... إيمانويل ماكرون ومارين لوبان يخطفان الحملة الانتخابية
وهنا يُطرَح سؤال كيف خطف هذان الحزبان الرئيسيان، هذه الانتخابات؟ على الرغم من أن حزب "الجمهوريين" اليميني المعارض يعتبر، من حيث نوابه المائة في مجلس النواب وأغلبيته المريحة في مجلس الشيوخ، المعارِض الأكبر لحكومة إيمانويل ماكرون، وأيضا على الرغم من أن حركة "فرنسا غير الخاضعة"، أبلت بلاء حسنا في معارضة الحكومة، سواء في الشارع أو داخل قبّة البرلمان.
يحتفظ حزب "الجبهة الوطنية"، الذي أصبح، الآن، "التجمع الوطني"، منذ فترة طويلة، بقاعدة انتخابية وفية، تقترب من 25 في المائة من الناخبين الفرنسيين. وعلى الرغم من بعض الصراعات التي تخترق هذا التنظيم، إلا أن الحزب ينجح في امتصاصها وتقليل الخسارات إلى أبعد مدى، وهو ما فعله بعد انشقاق القيادي فلوريان فيليبي، وتأسيسه حزب "الوطنيين"، كما فعل، قبل عشرين سنة، حين انسحب قيادي آخر برونو ميغري.
ولا تُخفي مارين لوبان، التي هُزمت في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية سنة 2017، رغبتها في الانتقام من الرئيس ماكرون. كما أنها تريد استعادة الانتصار الكبير الذي حققته في الانتخابات الأوروبية السابقة، حين حصدت 24 نائبا برلمانيا، فكانت أكبر حزب فرنسي في ستراسبورغ.
ومن أسباب انغراس "التجمع الوطني" في فرنسا، مواصلته استخدام نفس البرامج الانتخابية التي لا تتغير ولا تصدأ، والتي تتبناها قاعدة كبيرة من ناخبي هذا الحزب اليميني. وعلى رأسها ما تقول إنها مواجهة "أسلمة فرنسا وأوروبا" ومواجهة "طوفان المهاجرين"، وقد بدت هذه الشعارات قوية في لقاء ميلانو، بإيطاليا، يوم السبت الماضي، بين مختلف تيارات اليمين المتطرف الأوروبي، والمشكك في الاتحاد الأوروبي، تحت رعاية سالفيني.
وتثير هجمات مارين لوبان على الاتحاد الأوروبي، الذي تُحمّله كل مشاكل فرنسا وأزماتها (سواء تشجيع الهجرة أو معاناة الفلاحين الفرنسيين أو عدم قدرة الصناعة الفرنسية على المنافسة)، صدى كبيرا لدى طبقات شعبية فرنسية، لم تر ظروفها تتحسن، منذ عقود، ومنذ توحيد العملة الأوروبية. كما أن تشجيع الحزب اليميني المتطرف ما هو محلي (معتبرة إياه في صميم التحول الإيكولوجي، لأن المُنتَج الفرنسي نظيفٌ ويراعي شروطا كثيرة لا تراعيها بضائع الصين أو أميركا الجنوبية)، يغري كُثرا من أصحاب المقاولات الصغرى والمتوسطة، على اعتباره الرد الأنجع على اكتساح العولمة.
ولا تستطيع أحزاب أخرى مجاراة "التجمع الوطني" في هذا النوع من الشعارات. فعلى الرغم من أن حزب "الجمهوريين"، اليميني، يتقاسم بعض المواقف من "أسلمة فرنسا"، ومن "مخاطر الهجرة"، أو على الأقل تتقاسمها بعض قياداته المتشددة، كإيريك سيوتي ورئيس الحزب لوران فوكييز، إلا أن مواقفه وتصويته داخل البرلمان الأوروبي، في انسجام مع حزب الأغلبية، "الشعبي الأوروبي"، على قرارات تختلف مع شعاراته المعلنة في فرنسا، تكشف بعض تذبذب وتردد، وهو ما تستغله مارين لوبان لمطالبة الناخبين بالتصويت على الأصل وليس على النسخة.
وإضافة إلى الأصوات التي تقضمها مارين لوبان من غريمها "الجمهوريين"، استطاعت، أيضا، أن تخترق حركة "فرنسا غير الخاضعة". وما دعوة العضو السابق فيها، أندريا كوتاراك، بالتصويت لصالح حزب "التجمع الوطني"، إلا مثال عن موقف كثير من ناخبي "فرنسا غير الخاضعة"، الذين يرون كثيرا من مواقف حركتهم تسير في نفس اتجاه حزب مارين لوبان، وخاصة، ما يتعلق بالهجوم على الاتحاد الأوروبي وعلى ألمانيا وأيضا المطالبة بالتفاوض من جديد على المعاهدات، إضافة إلى تشجيع الإنتاج المحلي، ثم جعل التصويت "استفتاء ضد سياسات الرئيس ماكرون". والكثيرون منهم سقطوا، بحسب استطلاع حديث للرأي، في إغواء "التصويت المفيد"، والانقياد "للحسّ السليم"، وهو شعار مارين لوبان، من أجل وضع يدها على ناخبين جدد.
وأخيرا، إذا كانت أحزاب كثيرة ، يمينا ويسارا، ترفض سياسات الرئيس ماكرون، فإن مارين لوبان، تبدو الأكثر وضوحا في هذا العداء، وبدرجة كبيرة من العنف.
فهي لا تتردد في اتهام خصمها اللدود بأنه يخدم أجندات الاتحاد الأوروبي وبيروقراطيته، وأنه لا يُعير اهتماما بقضايا الفرنسيين، وتُشهر في وجهه أكثر من ستة أشهر من حراك "السترات الصفراء". وهي على عكس أحزاب رئيسية كبرى، عدا "فرنسا غير الخاضعة"، لا تريد من المتظاهرين العودة إلى بيوتهم، وهو ما سيمنحها خزّانا من الأصوات الغاضبة، التي رفعت شعار استقالة الرئيس.
"الجمهورية إلى الأمام" نحو مواصلة سياسة آتت أُكلها
يواصل الرئيس إيمانويل ماكرون عمله من أجل فرض سياسته، وتحقيق برامجه، بصفة ماكيافيلية، بتمزيق ما تبقى من الأحزاب السياسية الرئيسية، فهو لا يزال يغرف من اليسار واليمين، والأسماء التي انضمت إليه أو قررت دعمه، تتكدس بشكل كبير، وكان آخرها، رئيس الحكومة الأسبق اليميني، جان بيير رافاران، والاشتراكية غيغو، واستعداد سيغولين روايال، للانضمام. ولعل المثال الأخير يكشف جاذبية ماكرون أو انتهازية السياسيين الفرنسيين، فإلى وقت قريب كانت روايال مرشحة لترؤّس لائحة الاشتراكيين، خلف الإيكولوجي، يانيك جادو، لكن الأخير رفض.
كما استطاع ماكرون استمالة شخصيات إيكولوجية مرموقة، وهو ما سيضعف، بالتأكيد، حظوظ الإيكولوجيين الذين ينافسون ميلانشون الرتبة الرابعة.
يعرف الرئيس ماكرون الذي خرج من أزمة غير مسبوقة لحراك "السترات الصفراء"، أن الانتخابات لن تكون سهلة، كما كانت الانتخابات التشريعية السابقة، كما يعرف أن هواه الأوروبي لا يكفي لحصد مقاعد في ستراسبورغ، فرسالته إلى الأوروبيين لم تؤت نتائجها كما كان يتوقع، بل أثارت امتعاض مسؤولين في أوروبا الشرقية، وامتعاض القيادة الألمانية.
ولهذا ركّز الرئيس ووزراؤه وأعضاء في الحزب الرئاسي على اتهام مارين لوبان بالتحالف مع أحزاب شوفينية وعنصرية، تُشتمّ منها روائح كريهة، كما هو الحال مع الحزب اليميني المتطرف في النمسا، الذي تسببت علاقاته المشبوهة مع مسؤولين روس في سقوط الائتلاف الحكومي في النمسا.
كما اتُّهِم حزب مارين لوبان بخدمة أجندات أجنبية، وعلى الخصوص الروسية، فالقيادة الروسية لا تخفي أملها في تحقيق اليمين المتطرف الفرنسي لانتصار انتخابي، والأميركية، عبر لقاءات جمعت قياديين في حزب لوبان مع المستشار السابق للرئيس دونالد ترامب، ستيف بانون، الذي يحاول التدخل في الحملة الانتخابية، والذي صدرت منه تصريحات تعبر عن رغبته الواضحة في تدمير الاتحاد الأوروبي.
ولأن المعركة لن تكون سهلة بين الحزبين المتصدرين، اضطر الرئيس ماكرون للمشاركة المباشرة، في الحملة الانتخابية، وتقديم الدعم للائحة، لم تُحدث اختراقاً يُذكر، منذ أن عُرفت رئيستها، ناتالي لوازو.
وركز الرئيس ماكرون على حصيلة مارين لوبان، باعتبارها، الحزب الرئيسي في البرلمان الأوروبي المنتهية صلاحيته، واعتبرها سلبية، إلا "إذا تحدثنا عن قضايا المساعدين البرلمانيين للحزب"، وهي بين أيدي القضاء.
ويريد الرئيس عبر فضح حصيلة نواب مارين لوبان في ستراسبورغ، تأكيد الرغبة في استعادة "صوت فرنسا"، في انسجام مع مواقف الرئيس الأوروبية، وهو ما تعتبره رئيسة اللائحة: "حظّا لفرنسا وللفرنسيين".
وحتى لا يترك ماكرون كثيرا من الأصوات القلقة من المستقبل تفلت منه، يؤكد مساعدوه أن فرنسا لا يمكنها أن تستقبل مهاجرين كثيرين، وأنها تميز بين طالبي اللجوء وبين المهاجرين الاقتصاديين، وأن عمليات ترحيل من لا حق لهم في الإقامة في فرنسا، على قدم وساق.
النتيجة هي أن الناخب الفرنسي، قبل أسبوع من الاستحقاق الانتخابي، لا يرى، في وسائل الإعلام إلا لائحتين متباريتين تقريبا، وهو ما تؤكده مختلف استطلاعات الرأي. كما أن عزوف ما يقرب من 60 في المائة من الفرنسيين عن التصويت، يُكرّس، دونما شك، فوز الحزبين المتصدرين.