إيطاليا في عصر السرعة: مجموعة بمُحرك "ديزل"

11 سبتمبر 2018
إيطاليا خسرت أمام البرتغال بهدف نظيف (Getty)
+ الخط -
لم يتوقع أشد المتشائمين أن يصل المنتخب الإيطالي إلى هذا الهبوط المرعب في المستوى الفني على أرض الملعب، حتى رغم كارثة عدم التأهل إلى مونديال روسيا 2018. الجميع كان يتوقع انتفاضة كروية إيطالية بقيادة الشباب والمدرب روبيرتو مانشيني، لكن الواقع يُشير إلى نفق مظلم بدايته محفوفة بالمخاطر ونهايته مجهولة.

غرينتا جينارو غاتوزو
يقول بيب غوارديولا في أحد أقواله الشهيرة: "عاجلاً أم آجلاً، ستحاول بناء روح قتالية للفريق. هذا أهم شي. بعد ذلك يمكنك صناعة تكتيك، لكن علينا أن نصنع شيئاً مُميزاً في البداية لأنفسنا". غوارديولا ليس من مدرسة "الغرينتا" أو الروح القتالية، لكنه من المدربين الذين يريدون أذهانا صافية تثق بنفسها قبل أن تُنفذ خطة أو تكتيكا في الملعب، فالأهم هو الروح التي تدفع أي لاعب لصناعة المستحيل.

عندما نتحدث عن "غرينتا" جينارو غاتوزو فنحن نتحدث عن مُحارب لا لاعب في الملعب. يصف جينارو غاتوزو جيل اليوم بالقول التالي: "عندما كنت أخسر، كنت أنكسر ويُسيطر علي الإحباط. لاعبو اليوم يخسرون، يأخذون سيلفي وينشرونها على الانترنت، يجعلونني مريضاً". بالطبع غاتوزو لا يتحدث عن كل اللاعبين بل يوجه سهامه نحو الداخل وتحديداً الدوري الإيطالي.

ربما قول غاتوزو ينطبق على لاعبي المنتخب الإيطالي أول جيل "الأزوري" الحالي. وربما أقل ما يمكن قوله إنه ظهر بدون روح وبدون شغف، والمنتخب الذي لطالما كان يعتمد على "الغرينتا" من أجل صناعة الانتصارات، وجد نفسه مُجرداً منها مع بداية عهد مانشيني. ما فعله الإيطاليون أمام البرتغال في الجولة الثانية من بطولة دوري الأمم الأوروبية غريب ومُرعب فليس من عادات "الطليان" اللعب بدون "غرينتا" وربما اليوم هم أحوج لغرينتا شبيهة بتلك التي كان يمتاز بها جينارو غاتوزو.

هجوم 2006
لعل آخر مرة عرفت فيها إيطاليا خط هجوم قويا كانت في مونديال 2006 ويورو 2008. أليساندرو ديل بييرو، لوكا توني، فيليبو إنزاغي وجيلادرينو وخلفهم أسماء مثل توتي، أندريا بيرلو، جينارو غاتوزو والدفاع بأسماء ذهبية غنية عن التعريف والجميع يعرفها جيداً. هجوم 2006 كان يعرف كيف يُسجل الأهداف وكيف ينُهي أنصاف الفرص في أصعب المباريات.

يمكن هنا اقتباس قول شهير للمدرب الذي تُوج مع "الأزوري" بلقب مونديال 2006، مارشيلو ليبي الذي قال: "أفضل اللاعبين لا يصنعون دائماً أفضل فريق. الأمر مثل "موزاييك"، عليك أن تضع كل القطع مع بعضها". يمكن الانتقال من هذا القول والانطلاق في اتجاه واحد لا يعتمد على نوعية اللاعبين أو هوية المدرب بل على التركيبة التي ستعيد إيطاليا إلى المجد من جديد.

ربما المشكلة ليست في مانشيني أو اللاعبين، المشكلة في عملية البناء التي ستتطلب بعض الوقت وتحتاج إلى صبر كبير بغية الوصول إلى نتيجة جيدة. وربما أفضل ما يمكن تطبيقه الآن هو السير وفق قول لبيب غوارديولا الذي يقول فيه: "لا يعجبني عندما يقول اللاعب أنا أحب الحرية، أريد أن ألعب لنفسي. لأنّ على اللاعب أن يفهم أنه جزء من فريق فيه عشرة لاعبين. إذا قرر كل لاعب أن يكون مثل موسيقى جاز، فستحدث الفوضى. لن يكون هناك فريق والمستحيل لن يتحقق".

محرك "ديزل"
الهجوم ثم الهجوم ثم الهجوم، هذا ما افتقرت إليه إيطاليا في أول مباراتين من دوري الأمم الأوروبية أمام بولندا والبرتغال. لا وجود لمهاجم صريح قادر على إنهاء الفرص، ولا وجود لخط وسط يربط بين الخطوط ويصنع الخطورة، عبر تمويل المهاجمين بكرات ذات جودة عالية مثلما كان يفعل أندريا بيرلو.

فريديريكو تشييزا (20 سنة) يحتاج إلى وقت إضافي للدخول في الأجواء ومعرفة كيفية صناعة الخطورة والتحكم بالكرة بشكل أفضل. شيرو إيموبيلي شارك أمام البرتغال ولم يظهر كثيراً رغم أدائه الجيد مع لاتسيو، أما سيموني زازا فهو أشبه بنصف مهاجم لا يمكنه صناعة الفارق. تشييزا لم يجد نفسه بسبب صعود وهبوط المهاجمين ولم يجد المساحات المطلوبة خلف المهاجمين، ولم يجد من يتبادل معه المراكز حتى لصناعة الفارق في الثلث الأخير.



بالنسبة لجورجينيو فهو مكشوف الظهر في الوسط وإيطاليا لم تنجح في افتكاك الكرة كثيراً ليبدأ جورجينيو عمله المُعتاد. بينما براين كريستاني وبونافينتورا يتركان وراءهما الكثير من المساحات في خط الوسط التي يستغلها الخصم بأفضل طريقة ممكنة.

حتى الآن غاب الربط بين الخطوط الثلاثة في إيطاليا، فالهجوم لم يجد كلمة السر بعد وخط الوسط بدون حلول وضائع وغير قادر على بناء هجمة منظمة من الخلف. فأصبحت إيطاليا اليوم منتخبا يعيش في عصر "السرعة" لكنه يسير بمحرك "ديزل" قد يتوقف فجأة عن العمل ويسقط آخر ما تبقى من "الأزوري".
المساهمون