كشفت مصادر قضائية مصرية مطلعة على ملف التحقيقات في قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، في العاصمة القاهرة مطلع عام 2016 أن السفارة الإيطالية بالقاهرة قدّمت منذ أيام طلبا للنيابة العامة للاطلاع على مستجدات التحقيق في القضية، وما تم فيها خلال الأشهر الثمانية الماضية، التي سيطر عليها جمود في التعاون الثنائي القضائي بين البلدين في هذه القضية، نتيجة عدم سماح السلطات المصرية باستجواب أي من الضباط المشتبه فيهم في إيطاليا، وامتناعها عن تقديم أي إفادات عما إذا كانت قد أجرت بعض التحقيقات معهم من عدمه. وتأتي هذه الخطوة بعد أسابيع من إعلان رئيس الوزراء الإيطالي جيوسيبي كونتي في اجتماع السفراء الدوري في روما، أنه لن يكف عن مطالبة مصر بتوضيح الحقيقة بالطرق السياسية.
وأضافت المصادر، في أحاديث خاصة لـ"العربي الجديد"، أن الطلب الإيطالي لم يذكر أياً من الطلبات السابق تقديمها بشأن استجواب الضباط أو الحصول على تسجيلات مصورة أو مسموعة جديدة بخصوص التحريات التي أجريت حول ريجيني قبل أيام من وفاته، ولكنها اقتصرت فقط على استيضاح التطورات إن وجدت، بما يرجح أن الغرض الرئيسي من الطلب هو سياسي بحت.
وشددت المصادر على أن هذا الجمود "كان ضرورياً لمنع اتخاذ خطوات خطيرة يصعب تلافيها لاحقاً، بعدما أبلغ مدعي عام روما النائب العام المصري بأن قائمة المشتبه بهم لا تقتصر على الضباط الذين يُعتقد أنهم مسؤولون بشكل مباشر عن الحادث، والتي أعلنتها روما رسميا، بل إن القائمة ستتسع لتشمل نحو 8 أسماء أخرى، ربما يكون منهم وزير الداخلية السابق اللواء مجدي عبد الغفار، الذي أشرف، وفقاً للتحريات الإيطالية، على إنتاج قصة عصابة السرقة للتغطية على جريمة ضباط جهاز الأمن الوطني، أو أي جهة أخرى، المتورطين الحقيقيين في قتل ريجيني".
وذكرت المصادر نفسها أن النيابة العامة المصرية مشغولة حالياً بغلق معظم الملفات الإدارية والقانونية المفتوحة منذ سنوات عدة لإنهائها قبل انتهاء ولاية النائب العام الحالي نبيل صادق، في سبتمبر/ أيلول المقبل، وهو المرشح بقوة لتولي منصب وزير العدل لنجاحه في العبور من أزمات عديدة، تعتبر أزمة ريجيني أبرزها، ولا سيما أنه لم يقدم على اتخاذ أي خطوة تعرض المسؤولين الأمنيين والمخابراتيين المصريين للخطر، واستطاع حتى الآن التعتيم على ما حدث واستهلاك الوقت من دون طائل.
وأوضحت المصادر أن صادق يريد تسليم النيابة للنائب العام الجديد، غير المعروفة هويته حتى الآن، وهي خالية من الملفات الإشكالية المزمنة المتعلقة بخلافات مع جهات قضائية أخرى أو تثير شبهات قانونية لدى التصرف فيها، عدا ملف ريجيني الذي يكتسب طابعاً دبلوماسياً في المقام الأول. ولا يملك الادعاء الإيطالي، وفقاً للقانون الدولي والاتفاقيات المشتركة، توجيه اتهام من جانب واحد لأي مسؤول مصري.
ووفقاً لأحدث المعلومات التي حصل عليها الادعاء العام بروما في مايو/ أيار الماضي من ضابط أفريقي تحدث أمامه بالصدفة ضابط مصري شارك في عملية القبض على ريجيني وقتله، فإن ريجيني لفظ أنفاسه الأخيرة داخل السيارة التي ألقت جثته، وأغلب الظن أنه لم يمت في مكان وتم نقله بالسيارة، بل تمّ تعذيبه واستجوابه وقتله داخل السيارة التي ألقت جثته، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة عن سيناريو الأيام السابقة لواقعة القتل، وطبيعة المعلومات التي حصل عليها الضباط من ريجيني أو سألوه عنها، وما إذا كانوا ينوون تركه، وما إذا كانت آثار التعذيب التي بقيت في جسده وليدة لحظة القتل أم أنه عانى آلام التعذيب لأيام عدة قبلها.
وكانت النيابة العامة المصرية قد أعلنت في ديسمبر الماضي، أنها رفضت طلباً مقدماً من نيابة روما بإدراج بعض رجال الشرطة على قائمة ما يسمى في قانون الإجراءات الجنائية الإيطالي (سجل المشتبه فيهم)، وذلك لما أبداه الجانب الإيطالي من شكوك بشأن سابقة قيامهم بجمع معلومات عن ريجيني قبل مقتله، وأنها تستعرض تساؤلات تتعلق بدخول الطالب الإيطالي إلى مصر بموجب تأشيرة دخول سياحية من دون التأشيرة اللازمة لقيامه بإجراء أبحاث خاصة برسالة الدكتوراه على النقابات العمالية المصرية المستقلة، لتؤكد بذلك ما نشرته "العربي الجديد" عن اتجاه النيابة المصرية إلى تجاهل قصة عصابة السرقة التي اتهمت سابقاً بقتل ريجيني. وحتى أن قصة تتبع خطوات ريجيني في الساعات السابقة على اختفائه، والتركيز على ما إذا كانت الدراسات التي أجراها أدت به للتعامل مع "أجهزة أمنية أو استخباراتية أجنبية أو منظمات مجتمع مدني ممولة من الخارج لممارسة أنشطة خارجة عن القانون المصري"، وهو المسار الذي اعتبره الجانب الإيطالي عودة إلى المربع الأول، ومحاولة جديدة للتضليل.