وتصطدم تكتيكات سالفيني، لدفع شريكه في الحكم، زعيم حركة "خمس نجوم"، ونائب رئيس الوزراء لويجي دي مايو، نحو إنهاء ثنائية الحكم، بواقع إيطالي مختلف عما أمله سالفيني على مدى أكثر من 10 أيام مضت، منذ اندلاع الأزمة، في الثامن من الشهر الحالي، بين القطبين في إيطاليا.
سالفيني، الذي أنزل مؤخراً بعض الأطفال من على متن سفينة إنقاذ مهاجرين إسبانية، استغلّ العطلة الصيفية لكسب إعجاب مزيد من الناخبين الذين لم يصوتوا له، إذا ظهر الرجل، أمس الإثنين، في صقلية؛ الجزيرة التي لم تتردد بمعارضة سياساته المتشددة برفض استقبال المهاجرين، ملتقطاً صور "سيلفي" مع ناخبين، وملقياً خطباً حماسية على شواطئ توسكانا شبه عار مبتسماً، وسط ما يحققه من تقدم في استطلاعات الرأي.
ويلعب الرجل بذكاء على دغدغة مشاعر جمهور إيطالي يعاني في الجزيرة الفقيرة ما تعانيه أقاليم جنوب إيطاليا، بتقديم نفسه قائداً وطنياً، مستنداً على أنّه لن يسمح أن تكون إيطاليا "معسكر أوروبا للجوء".
وأضاف "سأدافع عن هذه الأرض (إيطاليا) بأظافري وأسناني، سأدافع عن حدودنا وأمننا بمخالبي وأسناني"، وهو خطاب يطرب مزاج تيار قومي متعصّب يزداد هذه الأيام بشكل كبير عما كان عليه الأمر في التسعينيات وبداية الألفية حين كانت "رابطة الشمال"، حزب سالفيني، منعزلة في الشمال، وتنظر بدونية إلى الجنوب الإيطالي.
ولم يعد شريكه في الحكم، حركة "خمس نجوم"، يتحمل استمرار "غياب مصداقية" سالفيني، بحسب ما ذهب مؤسس الحركة الشعبوية الاحتجاجية بيبي غريللو، بعيد اجتماع قيادة الحركة، الأحد، في روما.
الامتعاض من سياسات سالفيني لم يعد محصوراً بطبقة سياسية ترى أنّه "يقوم بسد كل الطرقات"، وفقاً للويجي دي مايو، فإنّ جوهر الخلاف بين الطرفين لم يعد خافياً في إيطاليا، فحركة "خمس نجوم"، ورغم أنّها شعبوية الطابع، لم يعد يروق لمؤسسها وساستها هذا التطرف القومي الذي يقوده سالفيني.
وتسعى "خمس نجوم" للتركيز أكثر فأكثر على قضايا بيئية وتطبيق ما تسميه "الديمقراطية المباشرة" أكثر من النخبوية التي سادت إيطاليا خلال العقود الماضية، وهي أصلاً حركة انطلقت للاحتجاج على الواقع السياسي الإيطالي.
وخلال فترة اضطرار الطرفين للتحالف بعيد انتخابات، مارس/آذار العام الماضي، بدأت المياه الباردة تتسرب إلى علاقتهما.
وتفقد علاقة دي مايو وسالفيني الكثير من تقاربها، بعد معارضة حركة "خمس نجوم" لمشروع سكة حديدية يربط بين تورينو الإيطالية وليون الفرنسية، بمبالغ طائلة مضاعفة عن السعر الأساسي.
وأدخلت الحركة عامل "الحفاظ على البيئة" وصرف الأموال "لحل مشاكل اجتماعية"، كلواء لمعارضة حماسة سالفيني في البرلمان.
ووجد سالفيني في فوز حزبه "ليغا"، في انتخابات البرلمان الأوروبي، في مايو/أيار الماضي، وتقدّمه على شريكه في الحكم، فرصة لتعزيز موقعه كأكبر الأحزاب الإيطالية المتطرفة.
ويُعتبر ما يطرحه سالفيني في إجازته، مزيداً من تصويب سهام النقد نحو الاتحاد الأوروبي، بلغة تستغل مشاعر الأزمة المالية والاقتصادية عند الناس العاديين، عبر ربطها بأزمة اللاجئين والعلاقة مع الأوروبيين.
ففي صقلية، قال أمس الإثنين: "لدينا المال، لكننا نخضع فقط للقواعد الأوروبية التي تحول دون استخدامها، فإذا أردنا أن ننجز ميزانيتنا التي يفترض أن تتقيد بقوانين الاتحاد الأوروبي، وتحترم متطلباته بالنسبة لديوننا وغيرها من القضايا، فلن نتمكن حينها من إنجاز أي شيء لأي شخص إيطالي، ولهذا السبب علينا أن نجعل مشروع الميزانية يعود بالفائدة على الاستثمارات العامة والخاصة التي توفر النمو، وتقديم إعفاءات ضريبية لملايين الإيطاليين".
خطاب سالفيني على شواطئ صقلية لم يتأثر بمتظاهرين حملوا يافطة احتجاجية كُتب عليها "حفلة سالفيني على الشاطئ: رسوم الدخول 5 روبلات (روسية)"، في إشارة إلى فضيحة تمويل روسي يشتبه به لحزب سالفيني، من أجل مساعدته على اكتساح الناخبين، وفقاً لتسريبات إعلامية خلال الفترة الماضية.
ورغم تكهنات أنصار سالفيني باختيار رئيس الوزراء كونتي، أو الرئيس الإيطالي سيرجيو مارتيللي، بالدعوة لانتخابات مبكرة، فإنّه يبدو من المبكر التوقع بنتائج ما ستؤول إليه هذه الأزمة المستمرة.
ففي الأيام الماضية بدأ يطفو على السطح ما يشبه تقارباً بين حركة "خمس نجوم" و"الحزب الديمقراطي"، ما يطرح إمكانية أن يكون الخيار حكومة ائتلافية بعيداً عن حزب سالفيني.
وبانتظار ما ستنتهي إليه هذه الأزمة، فإنّ حزب "ليغا"، وشخصية سالفيني، وبغض النظر عن نتائج انتخابات قريبة أو بعيدة، يتحولان إلى رقم صعب على الساحة السياسية والاجتماعية الإيطالية.
ويبدو أنّ تعزيز التعصب القومي الذي زرعته شعبوية هذا القطب السياسي وارتباطاته المتشعبة، علاوة على نتائج استطلاعات رأي مستمرة في التقدم، ليس سهلاً أن تجري مواجهته ببساطة، كما يرى محللو وسائل إعلام إيطالية.