وبعد زيارة شمخاني، حضر وفد من "طالبان" إلى طهران، إذ أجرى مباحثات مع مساعد وزير الخارجية عباس عراقجي، الذي ذهب قبل أيام معدودة إلى أفغانستان كذلك، لتكون الزيارة الثانية خلال ثلاثة أشهر، والتي التقى فيها الرئيس أشرف غني ووضعه بصورة تطور المباحثات مع "طالبان"، وقدّم تعهّداً بألا يهدّد ذلك الحكومة الأفغانية.
هذا التواصل الذي تحوّل لتفاوض مُعلن، وفق ما تصفه وسائل إعلام محلية إيرانية، ليس الأول من نوعه. فقبل سبعة أشهر تقريباً، كشف السفير الإيراني في أفغانستان، حميد رضا بهرامي، عن وجود اتصالات بين إيران و"طالبان" بدون تأكيد تحوّل الأمر لعلاقات ثنائية حقيقية بينهما، وذلك لأن إيران لا تريد أن تمنح صفة المشروعية للحركة التي تُشكل تهديداً سُنيّاً كذلك. وقال بهرامي في حينه، إنّ هذه الاتصالات تتعلّق بعملية السلام وبالمفاوضات بين الحكومة الأفغانية و"طالبان".
كل ذلك يعني أنّ إيران أصبحت تؤمن بأنّ "طالبان" اليوم لم تعد كسابق عهدها، إلى جانب إدراكها لضرورة التباحث معها بعدما صدرت إشارات إيجابية عن الحركة من جهة، وفي ظلّ وجود تركيز إقليمي ودولي على التواصل معها من جهة أخرى. ولعلّ الدافع الأول لكل ذلك، يرتبط بعناصر تنظيم "داعش" التي تتحرّك من سورية والعراق نحو أفغانستان.
هذه المصلحة المشتركة ستُحسّن العلاقات بين الطرفين بالضرورة، فإيران التي تحاذي أفغانستان بغنى عن تهديدات أمنية جديدة على ذاك الشريط الحدودي الممتد شرقاً، وستحاول إيجاد صيغة لمنع أي هجمات محتملة ضدها. وشمخاني كان واضحاً في "ملتقى الأمن والدفاع في غرب آسيا"، الذي عقد في طهران أمس الاثنين، حين قال إنّ "داعش يشكّل التهديد الرئيس"، داعياً إلى اتخاذ خطوات جدية لمواجهة ما وصفه بـ"المؤامرات الأميركية". ونفى شمخاني احتمال أن تتحول المفاوضات مع "طالبان" لأخرى مماثلة مع "داعش" أو "جبهة النصرة" مثلاً، فالقلق من "داعش" يشكّل الدافع الأول، ما يستدعي إعادة هيكلة الصورة في أفغانستان وإيجاد صيغة تفاهم بين حكومتها و"طالبان" من ناحية، وبين "طالبان" وإيران من ناحية ثانية، في ظلّ وجود مساع أخرى تقلق طهران.