حصلت الحكومة الإيرانية على الضوء الأخضر لتطبيق الاتفاق النووي الذي توصّلت إليه إيران مع الدول الست الكبرى، بعد مفاوضات طويلة وصعبة في شهر يوليو/تموز الماضي.
فبعد مرور أكثر من شهرين على دراسة تفاصيل الاتفاق، قدّمت اللجنة البرلمانية المتخصصة بالإشراف على الاتفاق، تقريرها الأخير خلال جلسة عقدها البرلمان الإيراني أمس الأحد، فأقر النواب بالأغلبية مشروع "الإجراء الحكومي لتنفيذ الاتفاق". وخضع هذا المشروع للتصويت كذلك لينال صفة مشروع معجّل، فوافق 168 نائباً على هذا الأمر، بينما رفضه 57، وامتنع تسعة نواب عن التصويت من أصل 247 حضروا جلسة الأمس.
هذا المشروع يمنح الحكومة الإيرانية حق الموافقة على إجراء الاتفاق تحت إشراف اللجنة العليا للأمن القومي، إلا أنها موافقة مشروطة. ويمكن تلخيص الشروط في أربع نقاط، أولها عدم السماح بتفتيش المنشآت العسكرية الإيرانية إلا بموافقة هذه اللجنة، وثانيها إلغاء العقوبات في اليوم الأول من تنفيذ الاتفاق، وثالثها استمرار تخصيب اليورانيوم على الأراضي الإيرانية والحصول على ما تحتاجه المفاعلات النووية من وقود، ورابعاً استمرار تطوير برنامج البلاد النووي لتحقيق التطور العلمي.
نص المشروع يتألف من مادة واحدة مفصلة، صاغتها لجنة الإشراف على الاتفاق والمكونة من خمسة عشر نائباً محافظاً، وجاء فيها إنه يتوجب على الحكومة الالتزام بفتوى المرشد الأعلى علي خامنئي والتي تُحرّم إنتاج السلاح النووي. كما تنص على ضرورة تطبيق الاتفاق على أسس التعاون والاحترام المتبادل، لكن في المقابل على الحكومة أن ترد على أي نقض للتعهدات من قبل الآخرين، وبهذه الحالة يتوجب عليها التخلي عن الاتفاق وأن تدير عجلة النشاط النووي من جديد وتستأنف التخصيب بنسب عالية، وهذه النقطة قد تسمح للبرلمان مستقبلاً بإلغاء الاتفاق.
اقرأ أيضاً: إيران تقدِّم عينات من "بارشين" لـ"الوكالة" وتتحدث عن تقدُّم
ويلزم المشروع الحكومة أيضاً بألا تمنح الوكالة الدولية للطاقة الذرية أياً من معلومات البلاد الأمنية والسرية، كما يدعوها للحفاظ على مصلحة الأمن القومي. وتتوافق هذه النقطة مع نقطة أخرى تشدد على "استمرار تطوير منظومة البلاد العسكرية، للوقوف بوجه الإرهاب وحماية البلاد، كما يتوجب عليها الحذر من فتح باب إيران أمام قوى الاستكبار العالمي"، كما جاء في نص مادة المشروع.
وأضيف لهذه المادة ملاحظتان، تنص الأولى على أن يُقدّم وزير الخارجية الإيراني تقريره للجنة الأمن القومي التابعة للبرلمان مرة كل ستة أشهر، ليوضح فيه تفاصيل عملية سير تطبيق الاتفاق من قِبل كل الأطراف، وجاء في الملاحظة الثانية أن كل القرارات والمشاريع التي تم إقرارها في السابق والتي تتعلق بالأمر نفسه، ستُعدّ لاغية فور تطبيق الاتفاق ودخول المشروع الذي أقره البرلمان حيز التنفيذ.
وعلى الرغم من هذه الشروط، إلا أن كل هذا يعني أن البرلمان أعطى الحكومة الضوء الأخضر لتطبيق الاتفاق إيرانياً. وقد أعلن رئيس لجنة الأمن القومي، علاء الدين بروجردي، أن اللجنة، التي تتولى مهمة صك الاتفاق في إيران، قد وافقت على ما جاء في تفاصيل المشروع. كما دافع رئيس مجلس الشورى الإسلامي، علي لاريجاني، عن مشروع الاتفاق خلال جلسة البرلمان، واعتبر أنه ليس من مصلحة إيران التأخر في إبداء وجهة نظرها حوله.
لكن هذا الأمر لا يلغي وجود منتقدين للاتفاق بشدة في البرلمان، ومنهم النائب عن مدينة طهران حميد رسائي، والذي أعلن مخالفته للمشروع علناً، واعتبر أن الحكومة لا تلتزم بقرارات البرلمان. رسائي، كما بعض المتشددين الآخرين من المحافظين، يخشى من فتح منشآت البلاد العسكرية أمام الغرب. وعلى الرغم من منع هذا الأمر في نص المشروع البرلماني، إلا أنه أمر جاء مشروطاً بموافقة اللجنة العليا، فاعتبر هذا النائب أن الحكومة لم تنتظر رأي البرلمان وفتحت موقع بارشين العسكري أخيراً، في إشارة منه إلى زيارة رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو لهذا الموقع لدى قدومه إلى طهران أخيراً، وهو الموقع الذي ما يزال يشكل ملفاً خلافياً بين إيران والوكالة بسبب التشكيك بإجراء تجارب تحاكي تفجيرات نووية داخله، بينما تنفي البلاد الأمر وتقول إنه موقع عسكري.
وبناء على ما جرى، ستطبق إيران الاتفاق النووي من طرفها، لكن هذا الأمر سيُبقي الجدل قائماً في الداخل الإيراني، ولا سيما في ظل وجود من يعتبر أن في مشروع البرلمان ثغرات قد تسمح بتجاوز خطوط البلاد الحمراء، وسط توقعات بمطالبات جديدة بإقرار قوانين أو مشاريع برلمانية تفرض رقابة أشد على تطبيق الاتفاق مستقبلاً.
اقرأ أيضاً: مصافحة ظريف - أوباما تثير اعتراض نواب إيرانيين