استجاب الرئيس الإيراني حسن روحاني للمطالبات المتصاعدة منذ أشهر في الداخل ولا سيما البرلمانية التي دعته لإجراء تغييرات في المناصب الحكومية الاقتصادية، خاصة مع العقوبات الأميركية المحتملة، وتزامن ذلك مع الوضع الاقتصادي المرتبك نتيجة عوامل داخلية وخارجية ترتبط بتبعات انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي.
في هذا الإطار، عين روحاني، يوم الأربعاء الماضي، عبد الناصر همتي محافظا جديدا للبنك المركزي الإيراني خلفا لولي الله سيف، ورجحت مواقع إيرانية أن يقيل روحاني عددا من الوزراء الذين ترتبط حقائبهم الوزراية بالاقتصاد والتجارة والطاقة، إلى جانب الحديث عن استقالة المتحدث باسم الحكومة محمد باقر نوبخت، الذي يتولى منصب رئيس مؤسسة التخطيط والموازنة، علما أن بعض المعنيين في حكومة روحاني نفوا صحة ذلك، فيما أكد آخرون أنها وصلت لطاولة روحاني بالفعل.
لكن ذلك كله يعني أن روحاني دخل مضطرا في مرحلة إجراء تعديلات وإصلاحات اقتصادية، ذلك لأن حكومته لم تستطع أن تدير أزمات الاقتصاد داخليا لتراكم المسببات والعوامل، والبنك المركزي الإيراني يقع على رأس المؤسسات التي تتعامل في الوقت الراهن مع أصعب الملفات، ألا وهو تدهور قيمة العملة المحلية، وهو ما يؤثر على أسعار السلع ونسبة التضخم بالنتيجة.
وقال النائب بالبرلمان تقي كبيري، لـ"العربي الجديد"، إن إجراء تغييرات في الفريق الحكومي الذي يترأسه روحاني بات ضرورة قصوى، فالبرلمان طالب بذلك عدة مرات ومنذ أشهر، مشدداً على أن هذه المطالبات كانت مرتبطة بعمل المؤسسات المالية التي تسببت بخروج احتجاجات في الشارع بسبب الفساد واختلاس أموال في نهاية العام الماضي، كما دعا النواب روحاني لإجراء تغييرات بسبب المشكلات المصرفية والمالية التي لم تحل رغم التوصل للاتفاق النووي الذي من المفترض أنه رفع العقوبات عن هذين القطاعين، حسب قوله.
ووصف كبيري خطوة روحاني الأخيرة بأنها إيجابية، لكن عليه تشكيل فريق محترف وقادر على التعامل مع الظروف الراهنة والصعبة، إذ إن الولايات المتحدة تشن حربا اقتصادية وتجارية على إيران في الوقت الراهن، معتبرا أن هذا ليس السبب الوحيد لمشكلات الاقتصاد، فسوء الإدارة عامل ثان يزيد الأمور تعقيدا، داعيا فريق روحاني لوضع خطط شاملة ودقيقة للتعامل مع أي سيناريو قادم، إلى جانب تطبيق التغييرات في المناصب.
ومحافظ البنك المركزي الجديد، عبد الناصر همتي، يبلغ من العمر 61 عاما، وقبل توليه لمنصبه الجديد كان سفيرًا لإيران في الصين، وتسلم مناصب اقتصادية عدة غالبيتها في قطاعي التأمين والمصارف، ويحمل شهادة الدكتوراه في علم الاقتصاد ويدرّس في جامعة طهران، وظل رئيسا لمؤسسة التأمين لثلاث دورات متتالية تجاوزت العشر سنوات، ووضع خططا للخصخصة في القطاع ذاته، وحين كان روحاني أمينا لمجلس الأمن القومي، عُيّن همتي عضوا في اللجنة الاقتصادية التابعة للمجلس ذاته، وخلال رئاسة الإصلاحي محمد خاتمي اقترح تأسيس صندوق مخزون العملة الصعبة، وكان كذلك مديرا لبنك سينا الإيراني لسبع سنوات، وحاول إخراج هذا المصرف من لائحة العقوبات الغربية.
خبراء اقتصاد من جهتهم، يرون أن هذا التعيين وغيره من التغييرات التي من المفترض أن يعلن عنها روحاني لاحقا ترتبط بشكل مباشر بالضغوطات السياسية على الرئيس، والمتعلقة بضرورة تشكيل فريق حكومي اقتصادي جديد، وإحداث تغيير في البنك المركزي أولا كونه المسؤول عن السياسات المتعلقة بالعملة الصعبة، وهو ما أكد عليه المحلل الاقتصادي علي إمامي، الذي أضاف أن هذه الخطوات لن تترك تأثيرا بالغا على المدى البعيد، لكن التبعات ستلمس في المرحلة القصيرة المقبلة وستكون على شاكلة تأثيرات وصفها بغير الحقيقية.
ورأى إمامي في حديثه مع "العربي الجديد"، أن سياسات روحاني الجديدة لن تؤدي لتغييرات جذرية في اقتصاد البلاد أيضا، واصفاً همتي بصاحب الخبرة المصرفية بشكل خاص، إلا أنه توقع أن يتبع سياسات سلفه ولي الله سيف ذاتها، فلا خيارات كبرى أمامه.
واعتبر إمامي أن ذلك لن ينعكس كذلك وبشكل كبير على الأسعار، فضبط سعر الصرف يحتاج لسياسات وخطط وأدوات واسعة، وقرار تثبيت السعر في البنك المركزي وهو المتخذ سابقا، فضلا عن ضخ الدولار في السوق، يحدث توازنا مؤقتا لا غير، واصفا الظروف الاقتصادية الراهنة في البلاد بغير الطبيعية والتي تتطلب إجراءات جذرية، ولا سيما أن العقوبات الأميركية على إيران في طريق عودتها.