منذ طرحت الولايات المتحدة الأميركية فكرة تشكيل تحالف دولي لضرب مواقع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، كان لإيران موقف واضح وشعور بأن هذه الضربات التي ستوجّه بشكل طبيعي للعراق، سيكون للأراضي السورية حصة منها.
لكن هذا التخوّف الإيراني لا يصب في خانة القلق على مصير "داعش" الذي يشكل تهديداً لإيران أيضاً، ولكنه ترقب للآتي في المستقبل القريب، فطهران، على لسان مسؤوليها، ترى وراء النوايا الأميركية في التخلص من "الإرهاب" مخططاً للقضاء على نظام حليفها الاستراتيجي الرئيس السوري بشار الأسد.
وبعد يوم من توجيه الضربات الأميركية لمواقع على الأراضي السورية، افتُتحت جلسة البرلمان الإيراني العلنية أمس الأربعاء بتكبيرات وشعارات تعادي الولايات المتحدة الأميركية، فردد النواب، ومعظمهم من المحافظين، شعار "الموت لأميركا" الذي لطالما سُمع صداه في إيران في كل مناسبة.
واعتبر رئيس مجلس الشورى الإسلامي علي لاريجاني في كلمته الافتتاحية أن "الادعاءات الأميركية بالقضاء على الإرهاب من جذوره في المنطقة ما هي إلا دعابة سياسية مضحكة غير قابلة للتصديق، فكيف يمكن دعم وتسليح المعارضة في سورية من جهة، والدخول في حرب على الإرهاب من جهة أخرى"، حسب قوله.
ورأى لاريجاني أن التصريحات الأميركية التي تفيد بأن الحكومة في سورية غير قادرة على مواجهة الإرهاب، تصريحات مؤسفة، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة لا تمنح هذه الحكومة فرصة للقضاء على هذه الظاهرة على أرضها. وأشار إلى أنه التقى بمسؤول عربي في وقت سابق لم يذكر اسمه، أكد له شخصياً أنه كلما أحسّ الغرب بأن سورية تقوم بعمل إيجابي بمحاربة الإرهاب سارع إلى منعها من هذا الفعل، وهو ما يراه لاريجاني، كما معظم المتحدثين باسم مراكز صنع القرار في إيران، أمراً يناقض الهدف الأميركي، وهو السبب في عدم دخول إيران بهذا التحالف رغم توجيه دعوة أميركية لها كما يقولون.
وهذا الأمر تحدث عنه أيضاً الرئيس الإيراني حسن روحاني المتواجد في الولايات المتحدة، والذي بدأ رحلته بلقاءات ثنائية مع مسؤولين دوليين قبل انضمامه لاجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة. فقد قال روحاني في لقاء مع قناة "سي بي اس" الأميركية في وقت سابق، إن هذا يعتبر تجاوزاً لسيادة الدولة، وأي مخطط لمحاربة الإرهاب الموجود في سورية كما العراق، يحتاج إلى دعم وتعاون من قبل الحكومة في ذلك البلد، ومن دون هذا الأمر لن يتحقق الاستقرار المنشود. وهو ما يتوافق وتصريحات صادرة من الخارجية الإيرانية التي رفضت بدورها هذا العمل بالمطلق، رغم حديث الحكومة السورية عن تنسيق واشنطن معها قبل توجيه هذه الضربات، وهو ما نفته الولايات المتحدة.
وتناولت صحيفة "اعتماد" الإصلاحية هذا الأمر على صفحتها الأولى، فلفت الكاتب محمد شريعتي دهقان إلى أن الضربات لم تُوجّه إلى مواقع "داعش" وحسب، بل شملت مواقع لـ"جبهة النصرة" أيضاً، في الوقت الذي أعلن فيه المسؤولون السوريون عن تنسيقهم مع الولايات المتحدة، وهو أمر يعكس رضاهم عما جرى، على حد قوله.
وهذا الكلام لا يعني تنسيقاً أميركياً بالمعنى الحرفي للكلمة، وإنما قد يصب في خانة أن واشنطن أبلغت الحكومة العراقية بهذا الأمر، وهي بدورها أطلعت السوريين الذين لم يرفضوا الضربات كما يرى الكاتب، وهو الأمر الذي يحمل في طياته بحثاً من الحكومة السورية عن دور في الصراع ضد "داعش".
إلا أن إيران تنظر إلى ما هو أبعد من ذلك، ولا يمكنها أن تثق بالطرف الأميركي رغم أنها أبدت استعدادها في وقت سابق لتقديم العون لمحاربة الإرهاب، ولكنها عادت ورفضت الأمر فقط تخوفاً من تهديد الحليف الاستراتيجي في سورية.
ويضاف إلى هذا كله، تراكمات أخرى بين طهران وواشنطن، وهو ما يمنع من التوصل لأي صيغة تعاون، فإيران التي تستأنف محادثاتها النووية في نيويورك مع دول "5+1"، تنتظر حلاً لملف مصيري سينعكس على كل الأمور الأخرى، وهو ما تحدث عنه روحاني علناً من نيويورك. فبعد نفيه لأي لقاء مرتقب بينه وبين نظيره الأميركي باراك أوباما، عاد وقال إن إيجاد حل للملف النووي هو ما سيمنح فرصة للحديث عن صيغة علاقات ثنائية بين البلدين في وقت لاحق، إلا أن واشنطن لا زالت تختار سياسة فرض العقوبات والضغط على إيران، وهو ما لا يسمح بأي تعاون بين الطرفين في الوقت الحالي، حسب تعبيره.
ويبدو أن هذا هو المبرر الثاني، الذي يجعل إيران ترفض التعاون مع الولايات المتحدة، مضافاً إلى العامل الأول، وهو القلق على مصير الأسد.
وفي الوقت الذي لا ينكر فيه الجميع الدور الإيراني الذي يستطيع وضع بصماته على العديد من ملفات دول المنطقة، تدرك طهران هذه المعادلة تماماً، ولكنها في الوقت ذاته لن تسارع الى لعب أي دور من دون ضمانات حقيقية تتعلق بملفاتها المصيرية، وهو الأمر الصعب حالياً كما يرى الخبراء.
ويقول السفير الإيراني السابق في فرنسا محمد صادق خرازي، إن طهران لا تقبل العمل تحت ظل الولايات المتحدة في هذه المرحلة رغم طرح الأمر عليها، فلهذا اعتبارات أخرى.
وفي حوار مع وكالة "أنباء فارس" الإيرانية، يرى خرازي أن لإيران الحق في أن تبدي رأيها إزاء سورية وإزاء ما يحدث في المنطقة، متسائلاً كيف يحق للولايات المتحدة التدخل عملياً على الأرض في المنطقة، بينما لا يحق لإيران إبداء وجهات نظر من هذا القبيل، وهي جزء من المنطقة.
وكل هذا يدفع المعادلة نحو صيغة بحث إيران عن دور مشروع تلعبه في المنطقة باعتراف دولي، من دون التخلي عن ملفاتها المصيرية.