15 مايو 2024
إيران بين الحرب والسلام
تسعى الولايات المتحدة، وبتحريضٍ مباشرٍ من حلفائها في الشرق الأوسط؛ إسرائيل والعربية السعودية والإمارات، إلى تهيئة أجواء الحرب ضد إيران. ولا تخفي أيٌّ من الدول أعلاه رغبتها بتغيير نظام الحكم القائم في طهران، لأسباب مختلفة، يتعلق بعضها بتغول النفوذ الإيراني في المنطقة، ويرتبط الآخر بحجم التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية في عموم الإقليم، سواء كان هذا التدخل سياسيا أم أمنيا أو مذهبيا.
بطبيعة نظام حكمها الحالي وشكله، دفعت إيران المنطقة إلى الولوج قسرا في نفقٍ مظلم، كانت تظن أنها وحدها من يمتلك القدرة على رؤية الضوء في نهايته. وعلى هذا الأساس، كان تمدّدها في العراق وسورية ولبنان واليمن، مع إبقاء أعينها وكثير من برامجها صوب الرياض والمنامة، خلال عقد ونصف العقد، يمثل حراكا استراتيجيا بالغ الخطورة بالنسبة لدول الخليج العربي بشكل عام، ثم إسرائيل التي لامست الخطر الايراني عبر بوابتين، أولاهما وأخطرهما ما يتعلق بالتطور السريع لقدرات طهران النووية، ثم ثانيهما اقتراب إيران عسكريا ولوجستيا من حدودها الشرقية (الجولان)، والشمالية من خلال حزب الله (جنوب لبنان).
أما واشنطن فترى، خصوصا في عهد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أن طهران باتت تمثل
خطرا قائما فعلا تجاه مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية، وكذلك أمن واستقرار أهم مناطق الصراع في العالم وأخطره، ساعد سلوك قيادات الحرس الثوري الإيراني، وتصريحات قادة إيرانيين مختلفين، في تعميق هذا التقييم، وبلوغ حالة من التصعيد النفسي والسياسي الموازي، وصولا إلى لغة الحرب بكل أشكالها.
يعتبر الإيرانيون أن "انتصارهم الاستراتيجي" في سورية ووجودهم قاب قوسين أو أدنى من الحدود المفترضة للكيان الصهيوني، مع تمكنهم شبه المعترف به إقليميا ودوليا من الحالة العراقية، وتحالفاتهم مع روسيا وكوريا الشمالية، والصين (إلى حد ما)، إضافة إلى نجاحهم في إدارة ملف حرب اليمن، وتحويلها إلى حرب استنزاف للرياض وأبوظبي، كل هذه العوامل بالنسبة إلى الإيرانيين عناصر قوة، لا يمكن أن تزيدهم إلا إصرارا على أن يتم الاعتراف بهم أميركيا على أنهم القوة الإقليمية الأهم، وتهميش دور القوى الأخرى، باستثناء إسرائيل.
يبدو من تحرّك الرئيس الأميركي أنه يريد تغيير نظام حكمها، من دون الدخول في حرب مباشرة، حيث لا يريد أي أميركي تذكّر سيناريو حرب العراق التي ما زالت تمثل كابوسا في الوجدان الأميركي، وستبقى. ولعل سعيه إلى تثبيت الحالة الكورية الشمالية سلميا، وتقديمه جملة من التنازلات للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في قمة هلسنكي، على الرغم من اعتراضات معظم الساسة والمراقبين في الولايات المتحدة، كما أن إرخاء الحبال لنظام الحكم في سورية، وتليين لغة الخطاب والوعود له على حساب الحليف الإيراني، إضافة إلى سعيه إلى إقناع العربية السعودية بالخروج من النفق اليمني، كل هذه الأمور تشير، بوضوح، إلى سحب البساط من تحت أقدام القيادة الإيرانية، وجعل الأرضية التي تقف عليها تبدو، بحسب رؤية ترامب، غير ثابتة.
تلويح بحرب اقتصادية خانقة من خلال دعوة (تهديد) واشنطن دول العالم إلى عدم شراء النفط
الإيراني (المصدر الرئيس للدخل)، ثم رد طهران بإنذار علني شديد اللهجة بلسان رئيس النظام هناك "إذا منعتم إيران من تصدير نفطها فسيتمّ منع الآخرين من تصدير نفطهم، ومَن لا يريد أن يصدق هذا الكلام فليجرّب". وعلى هذا المنوال، تصاعدت لهجة قادة الحرس الثوري الإيراني، وتصاعدت معها أيضا مخاوف دول الخليج العربي، وقبلها أسواق النفط العالمية والدول المستوردة للنفط، من مآلات ما يمكن أن تفضي إليه هذا السجالات من تغييرات هائلة على أسعار النفط العالمية، وحركة الصناعة والاقتصاد العالمية.
السيناريو الأسوأ أن تقوم حرب ناقلات، ثم تتسع حتما إلى حرب مدن باستخدام الصواريخ والطائرات، قالت عنها طهران إنها حرب لن تبقي ولا تذر من المصالح الخليجية شيئا، وبضمنها محطات تحلية المياه، كما هددت واشنطن وإسرائيل والرياض إيران في حالة تعرّضها لأي من المصالح الاقتصادية والبنى التحتية لدول المنطقة، ومنها إسرائيل، إضافة إلى تهديد الأخيرة باستهداف المراكز النووية الإيرانية في الصميم.
يترقب العالم، كما المنطقة، الأحداث. ولا يغفل المراقب الفطن، ولو لحظةً، عن مجريات الأمور، وإن بدت من خارجها كأنها هادئة، والمنطق العقلي وتوازن القوى الفعلي يقول إن على إيران أن تعي حجم الضرر الذي ينتظرها، في حالة اندلاع أي عمليات حربية. وعليها أن تعي جيدا أن صناعة السلام أهم ألف مرة من حربٍ لا يمكن أن يخرج أحد منها رابح، ولعل تجارب التاريخ الحديث، والذي سبقه، تؤكد ذلك، فأن تشعل شمعةً أفضل ألف مرة من أن تلعن الظلام (مثل صيني). وبدل أن تلجأ القيادة الإيرانية إلى التصعيد، عليها أن تفتح قنواتها الدبلوماسية بصدق تجاه دول الإقليم، وخصوصا الخليجية منها، وأن تكون دولة إيجابية في المنطقة، تساهم مع بقية الدول في إرساء السلام والأمن والرخاء الاقتصادي لشعوبها والعالم، وذاك لعمري خيار المقتدر دائما، حيث لا يصنع السلام إلا من له القدرة على المواجهة. ولكن حتما يكون لديه من الحكمة ما يجعله حريصا على ألا يبدّد قدراتها لتحطيم شعبه، وكل ما تم بناؤه في عشرات السنين.
بطبيعة نظام حكمها الحالي وشكله، دفعت إيران المنطقة إلى الولوج قسرا في نفقٍ مظلم، كانت تظن أنها وحدها من يمتلك القدرة على رؤية الضوء في نهايته. وعلى هذا الأساس، كان تمدّدها في العراق وسورية ولبنان واليمن، مع إبقاء أعينها وكثير من برامجها صوب الرياض والمنامة، خلال عقد ونصف العقد، يمثل حراكا استراتيجيا بالغ الخطورة بالنسبة لدول الخليج العربي بشكل عام، ثم إسرائيل التي لامست الخطر الايراني عبر بوابتين، أولاهما وأخطرهما ما يتعلق بالتطور السريع لقدرات طهران النووية، ثم ثانيهما اقتراب إيران عسكريا ولوجستيا من حدودها الشرقية (الجولان)، والشمالية من خلال حزب الله (جنوب لبنان).
أما واشنطن فترى، خصوصا في عهد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أن طهران باتت تمثل
يعتبر الإيرانيون أن "انتصارهم الاستراتيجي" في سورية ووجودهم قاب قوسين أو أدنى من الحدود المفترضة للكيان الصهيوني، مع تمكنهم شبه المعترف به إقليميا ودوليا من الحالة العراقية، وتحالفاتهم مع روسيا وكوريا الشمالية، والصين (إلى حد ما)، إضافة إلى نجاحهم في إدارة ملف حرب اليمن، وتحويلها إلى حرب استنزاف للرياض وأبوظبي، كل هذه العوامل بالنسبة إلى الإيرانيين عناصر قوة، لا يمكن أن تزيدهم إلا إصرارا على أن يتم الاعتراف بهم أميركيا على أنهم القوة الإقليمية الأهم، وتهميش دور القوى الأخرى، باستثناء إسرائيل.
يبدو من تحرّك الرئيس الأميركي أنه يريد تغيير نظام حكمها، من دون الدخول في حرب مباشرة، حيث لا يريد أي أميركي تذكّر سيناريو حرب العراق التي ما زالت تمثل كابوسا في الوجدان الأميركي، وستبقى. ولعل سعيه إلى تثبيت الحالة الكورية الشمالية سلميا، وتقديمه جملة من التنازلات للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في قمة هلسنكي، على الرغم من اعتراضات معظم الساسة والمراقبين في الولايات المتحدة، كما أن إرخاء الحبال لنظام الحكم في سورية، وتليين لغة الخطاب والوعود له على حساب الحليف الإيراني، إضافة إلى سعيه إلى إقناع العربية السعودية بالخروج من النفق اليمني، كل هذه الأمور تشير، بوضوح، إلى سحب البساط من تحت أقدام القيادة الإيرانية، وجعل الأرضية التي تقف عليها تبدو، بحسب رؤية ترامب، غير ثابتة.
تلويح بحرب اقتصادية خانقة من خلال دعوة (تهديد) واشنطن دول العالم إلى عدم شراء النفط
السيناريو الأسوأ أن تقوم حرب ناقلات، ثم تتسع حتما إلى حرب مدن باستخدام الصواريخ والطائرات، قالت عنها طهران إنها حرب لن تبقي ولا تذر من المصالح الخليجية شيئا، وبضمنها محطات تحلية المياه، كما هددت واشنطن وإسرائيل والرياض إيران في حالة تعرّضها لأي من المصالح الاقتصادية والبنى التحتية لدول المنطقة، ومنها إسرائيل، إضافة إلى تهديد الأخيرة باستهداف المراكز النووية الإيرانية في الصميم.
يترقب العالم، كما المنطقة، الأحداث. ولا يغفل المراقب الفطن، ولو لحظةً، عن مجريات الأمور، وإن بدت من خارجها كأنها هادئة، والمنطق العقلي وتوازن القوى الفعلي يقول إن على إيران أن تعي حجم الضرر الذي ينتظرها، في حالة اندلاع أي عمليات حربية. وعليها أن تعي جيدا أن صناعة السلام أهم ألف مرة من حربٍ لا يمكن أن يخرج أحد منها رابح، ولعل تجارب التاريخ الحديث، والذي سبقه، تؤكد ذلك، فأن تشعل شمعةً أفضل ألف مرة من أن تلعن الظلام (مثل صيني). وبدل أن تلجأ القيادة الإيرانية إلى التصعيد، عليها أن تفتح قنواتها الدبلوماسية بصدق تجاه دول الإقليم، وخصوصا الخليجية منها، وأن تكون دولة إيجابية في المنطقة، تساهم مع بقية الدول في إرساء السلام والأمن والرخاء الاقتصادي لشعوبها والعالم، وذاك لعمري خيار المقتدر دائما، حيث لا يصنع السلام إلا من له القدرة على المواجهة. ولكن حتما يكون لديه من الحكمة ما يجعله حريصا على ألا يبدّد قدراتها لتحطيم شعبه، وكل ما تم بناؤه في عشرات السنين.