إيرانيون يسكنون على أبواب المدن الكبرى

11 ابريل 2018
أحياء فقيرة (بهروز مهري/ فرانس برس)
+ الخط -
أزمة ضواحي المدن الكبرى في إيران بما فيها العاصمة طهران، ذات بعدين سلبيين، فهي تفرغ الأرياف والمدن الصغرى، وتزيد ازدحام المدن الكبرى مع ما في ذلك من مشاكل اجتماعية

نزح أبو ترابي (43 عاماً) رفقة عائلته الصغيرة إلى العاصمة طهران قبل سنوات، من إحدى القرى القريبة من تبريز شمال غرب إيران. يعيش اليوم فعلياً خارج المدينة الحلم، في أحد المجمعات السكنية في الضواحي، كون الإيجار الشهري الذي يدفعه هناك أقل بكثير من ذاك الذي قد يتكبده إذا ما قرر العيش داخل طهران نفسها كما يقول.

يضيف أبو ترابي الذي يجول في العاصمة منذ ساعات الصباح الباكر خلف مقود سيارة الأجرة التي يملكها، إنّه لطالما سمع عن طهران وما فيها، وهو ما زاد رغبته في تحسين وضعه المعيشي، فبالرغم من أنّ الخدمات الرئيسة متوفرة في قريته من قبيل الماء والكهرباء وحتى الغاز، لكنّ الظروف والمستحقات المالية لا تقارن بتلك التي من الممكن الحصول عليها في طهران حتى لو عمل سائق سيارة أجرة، بحسب ما يعتقد.

رواية قد تتكرر كثيراً باختلاف بعض التفاصيل، فسكان العاصمة اليوم ليسوا جميعاً من أبنائها. وكثيرون من أبناء الجيل الشاب يقولون إنّهم ولدوا في طهران، لكنّ آباءهم يتحدرون من منطقة أخرى. هذا النزوح الذي ازداد بمرور السنين نحو مختلف المدن الإيرانية الكبرى التي تتوفر الإمكانات والخدمات فيها، يتسبب بمشكلة ثانية هي ازدياد عدد سكان الضواحي بشكل غير مبرر، وهو ما يؤدي لتبعات أخرى، اجتماعية واقتصادية على حدّ سواء.

في تصريحات صادرة عن أمين مجمع نواب محافظة طهران محسن عليجاني أفاد بأنّ عدد من يعيشون على أطراف طهران تجاوز ثلاثة ملايين شخص، واصفاً الأمر بالمعضلة التي يجب التنبه لها، فما يجري لا يصب لصالح الأرياف ولا المدن الأصغر حجماً، ويؤدي بطبيعة الحال إلى سوء التنظيم والتخطيط.



يرى المتخصصون أنّ أسباب هذه الظاهرة اللافتة كثيرة، فمنها ما يتعلق بعدم الرضا عن الظروف المعيشية، فينتقل الأفراد إلى المدن الكبرى لتحسين أحوالهم، وهناك من يهاجرون من الريف إلى المدن، أو من المدن الصغيرة إلى المدن الرئيسة، لكن، بعد حصول هذا التغيير، يختبر هؤلاء صعوبات مالية وعدم قدرة على تأمين مصدر رزقهم بسهولة، وهو ما يدفعهم لاختيار أماكن سكن أقل كلفة، تقع على أطراف المدن وضواحيها في العادة.

من ناحية أخرى، يضطر بعض سكان المدن الكبرى أنفسهم، للانتقال إلى تلك المناطق أيضاً، وهو ما يؤدي إلى تنامي هذه الظاهرة واتساع رقعة المدن معها، والسبب كذلك يتعلق بالغلاء. يسكن معظم المنتقلين إلى الأطراف والضواحي في بيوت متآكلة، أو حديثة نسبياً لكنّها لا تراعي مواصفات البناء كون الرقابة أقلّ هناك من مراكز المدن الكبرى.

بحسب موقع "كارغزاران" الإيراني فإنّ للأمر عوامل اقتصادية واجتماعية وثقافية على حد سواء، فقبل ستة عقود تقريباً كان عدد سكان الضواحي وأطراف المدن يشكل 19 في المائة من إجمالي عدد سكان المدن، لكنّ النسبة وصلت الآن إلى 75 في المائة. في الفترة نفسها، قلّت نسبة سكان الأرياف مقارنة بسكان المدن من 81 في المائة إلى 25 في المائة من سكان إيران.

عن هذا الأمر، تقول النائبة العضوة في اللجنة الاجتماعية في البرلمان الإيراني، ناهيد تاج الدين، إنّ هذه الظاهرة لم تنشأ بين ليلة وضحاها، بل تشكلت تدريجياً خلال خمسة عقود، معتبرة أنّ السبب الرئيس يتعلق بالتنمية غير المدروسة والتقدم في المدن. وفي حديثها مع "العربي الجديد" تضيف تاج الدين أنّ السكن على أطراف المدن أحد أصعب المشاكل الاجتماعية في إيران، ويتطلب تنسيقاً وتعاوناً بين المؤسسات المعنية، مؤكدة أنّه جرى تشكيل مؤسسة الشؤون الاجتماعية التي وضعت هذه المسألة على رأس العناوين التي ستدرسها في الفترة المقبلة.

تذكر تاج الدين أنّه بين العامين 2006 و2011 تراجع عدد سكان الأرياف ثلاث مرات. تعزو الأمر إلى مركزية الخدمات في المدن الكبرى وعدم تنمية القرى، قائلة إنّ تطوير الأرياف من شأنه أن يحقق نهضة اقتصادية.



في وقت سابق، طرح البرلمان الإيراني فكرة إعادة دراسة مقترح نقل العاصمة من طهران إلى مدينة أخرى، لأسباب عدة. وفي سؤال عما إذا كان هذا المقترح سيتحول إلى واقع عملي وما إن كان سيؤثر على ظاهرة النزوح إلى المدن والسكن على أطرافها، تعتبر تاج الدين أنّ الأمر لا يرتبط بطهران وحدها، فهناك حاجة إلى خطة شاملة لحلّ هذه المسألة. تقول إنّ وزارة السكن أقرّت أنّ 19 مليون إيراني تقريباً يسكنون على أطراف المدن، ثمانية ملايين منهم بيوتهم قديمة، مؤكدة إقرار خطة تنمية ستركز على 600 قرية، وهو ما قد يساهم في حلّ المسألة نوعاً ما.

النصيب الأكبر من سكان أحزمة المدن يعود إلى محافظة خراسان رضوي الواقعة شمال شرق البلاد، فعدد من يعيشون في أطراف مدنها يبلغ 30 في المائة من مجمل عدد سكان المحافظة وهو الرقم البالغ العام الماضي 6 ملايين و400 ألف شخص، وبحسب تقرير خاص لموقع "كارغزاران" فإنّ 18 في المائة من الشباب الساكنين في تلك المناطق يعانون من البطالة.

من هذه الزاوية، يعتبر المتخصص الاجتماعي جعفر باي أنّ المسببات عديدة، لكنّ إفرازات المشكلة معقدة كذلك. يقول إنّ عاملي الفقر والبطالة قد يتسببان في مشاكل عديدة، وهو ما يجعل ضواحي وأطراف المدن مناطق غير آمنة أحياناً. يضيف باي لـ"العربي الجديد" أنّ توسع الضواحي والأطراف يؤدي إلى زيادة حجم العشوائيات، والتجمعات السكنية غير المنظمة. كذلك، يعتبر أنّ هذه الظاهرة تفقد المدن هويتها وشكلها النمطي الخاص، متوقعاً ارتفاع أعداد سكان تلك المناطق إذا لم يأتِ المعنيون بحلول.
دلالات