28 يناير 2024
إن مع المخابرات يسرا
يراودني هذا السؤال منذ أمد بعيد: لماذا يعاود المشاهدون العرب الانبهار بالفيلم نفسه، على الرغم من تكراره آلاف المرات؟ أم أن فيلم "يسرا والمخابرات" كان مختلفًا عليهم هذه المرة، إلى درجة "الصعقة" التي بهرتهم، وجعلتهم يزلزلون قاعة السينما بصراخهم: "معقول؟!!!".
ما الجديد، حقًا، في فيلم ممجوج، بطله رجل مخابرات وممثلة "مخابرات"، يملي عليها رئيسها في الدائرة ملامح "التوجه الجديد للدولة"، طالبًا منها ترويجه بـ "الروج" إن تعسّر الأمر، وعلى قاعدة: إن مع العسر (يسرا)، ذلك أن "العسر" شديد هذه المرة، وثمنه التخلي عن القدس ذاتها، ولذا لن تعالج عسره غير يسرا.
هل انبهر المشاهد العربي بحدث "بيع القدس"، مثلًا؟ ألا يعتقد أن من باع فلسطين كلها لن يستوقفه مزاد بيع القدس؟ أم إنه ما يزال مشاهدًا قديمًا ينبهر بالغضبة "المضرية"، فانخلب لبّه بـ"ولولات" الساسة العرب، وهم "يستنكرون" و"يشجبون" قرار الرئيس ترامب اعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني؟
ألم يلاحظ هذا المشاهد نفسه أن تلك "الولولات" ما لبث أن خفت أوارها رويدًا رويدًا، ثم ظهر من "ممثلي" السياسة العربية من اعتبر قضية فلسطين برمتها "قضية جانبية" لا ينبغي جعلها أولوية أمام التحديات الأهم التي تهدّد الأمة العربية، كالتحديات، الإيراني، والحوثي، وحزب الله، وهذه كلمات وزير خارجية البحرين، في حين أن المعنى المبطن لدى هذا المسؤول، يحذر من تهديد الكرسي الذي يجلس عليه، أم أن المشاهد لم تبلغه أنباء مسؤولين آخرين، بدأوا يصرحون علنًا إنه "لا مفر من استمرار التنسيق مع الإدارة الأميركية"، على الرغم من أن دم القدس لم يجف بعد.
أيضًا، لا يحق للمشاهد العربي أن ينصدم إذا كان المقصود يسرا ذاتها، لأن هذا الأمر ليس جديدًا على معظم "الممثلين"، ولا أقول الفنانين، المصريين، الذين برهنوا أنهم محض أدوات وألعاب بيد الطغاة ودوائر المخابرات، منذ أمد بعيد. وكم من سيقان وأفخاذ استخدمت لترويج سياسات التفريط، في عهد الرئيس أنور السادات، ولإظهار مفاتن "كامب ديفيد"، أو لتقبيح عهد سلفه جمال عبد الناصر، غير أن التوظيف الأشد بلاء لهؤلاء "الممثلين" جاء في عهد الانقلابي المائع عبد الفتاح السيسي، يوم جعل منهم حفنة طبالين، يصطحبهم في أسفاره كالدمى المشحونة يدويًا، للتمويه على استبداده، ولإظهاره نصيرًا للفن والحضارة وحقوق الإنسان، في بلادٍ هالتها مذابحه، وتعرف أكاذيبه جيدًا.
وعلى الغرار ذاته، ليس من حق المشاهد العربي أن يصطدم حيال كل فيلم يشاهده، ولا يتغير فيه سوى الممثلين فقط، أما السيناريو والعقدة والحكاية فلا جديد فيها، بدءًا من فيلم "النكبة"، مرورًا بفيلم "النكسة"، وليس انتهاء بسلسة أفلام "داعش" من الموصل إلى الرّقة، إلا إذا كانت أسباب الصدمة تنطلق من انعكاس الرؤية الفنية لديه، وهذا ما أميل إليه. بمعنى أن المشاهد العربي حين يقرّر ارتياد صالات السينما، يفعل ذلك انطلاقًا من أنه بات يرى في قاعة السينما حيزًا وحيدًا للواقع، أما قاعة الوطن العربي التي يعيش فيها، فيراها أشبه "بخيال" سينمائي، وتعج بآلاف الممثلين؛ لذا فهو يحاول إيجاد معادل موضوعي لهذه الحوادث الجارية أمامه، والتي تفوق بدراميتها كل حدود الخيال، فيلجأ إلى السينما، بحثًا عن "واقعٍ ما"، قابل للتصديق، وللحشر داخل قشرة خياله المنتهكة بالأحداث الجسام.
على هذا النحو، تصدم المشاهد العربي يسرا، حين يكتشف أنها لم تكن ممثلة على شاشة السينما، بل ممثلة عليه هو شخصيًا، فيشعر بكل تلك الصدمة، هو الهارب إلى يسرا من ممثلي "تلفزيون الواقع" الذين يؤدون له أدوارًا باتت ممجوجة، ولم يعد يصدقها، بدءًا من "الزعيم" الذي "يمثل" دور الحريص على الوطن والمواطن، وليس انتهاء برجل المخابرات الذي يمثل دور الحريص على حقن دماء الفلسطينيين باستبدال القدس برام الله عاصمة لفلسطين.
ما الجديد، حقًا، في فيلم ممجوج، بطله رجل مخابرات وممثلة "مخابرات"، يملي عليها رئيسها في الدائرة ملامح "التوجه الجديد للدولة"، طالبًا منها ترويجه بـ "الروج" إن تعسّر الأمر، وعلى قاعدة: إن مع العسر (يسرا)، ذلك أن "العسر" شديد هذه المرة، وثمنه التخلي عن القدس ذاتها، ولذا لن تعالج عسره غير يسرا.
هل انبهر المشاهد العربي بحدث "بيع القدس"، مثلًا؟ ألا يعتقد أن من باع فلسطين كلها لن يستوقفه مزاد بيع القدس؟ أم إنه ما يزال مشاهدًا قديمًا ينبهر بالغضبة "المضرية"، فانخلب لبّه بـ"ولولات" الساسة العرب، وهم "يستنكرون" و"يشجبون" قرار الرئيس ترامب اعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني؟
ألم يلاحظ هذا المشاهد نفسه أن تلك "الولولات" ما لبث أن خفت أوارها رويدًا رويدًا، ثم ظهر من "ممثلي" السياسة العربية من اعتبر قضية فلسطين برمتها "قضية جانبية" لا ينبغي جعلها أولوية أمام التحديات الأهم التي تهدّد الأمة العربية، كالتحديات، الإيراني، والحوثي، وحزب الله، وهذه كلمات وزير خارجية البحرين، في حين أن المعنى المبطن لدى هذا المسؤول، يحذر من تهديد الكرسي الذي يجلس عليه، أم أن المشاهد لم تبلغه أنباء مسؤولين آخرين، بدأوا يصرحون علنًا إنه "لا مفر من استمرار التنسيق مع الإدارة الأميركية"، على الرغم من أن دم القدس لم يجف بعد.
أيضًا، لا يحق للمشاهد العربي أن ينصدم إذا كان المقصود يسرا ذاتها، لأن هذا الأمر ليس جديدًا على معظم "الممثلين"، ولا أقول الفنانين، المصريين، الذين برهنوا أنهم محض أدوات وألعاب بيد الطغاة ودوائر المخابرات، منذ أمد بعيد. وكم من سيقان وأفخاذ استخدمت لترويج سياسات التفريط، في عهد الرئيس أنور السادات، ولإظهار مفاتن "كامب ديفيد"، أو لتقبيح عهد سلفه جمال عبد الناصر، غير أن التوظيف الأشد بلاء لهؤلاء "الممثلين" جاء في عهد الانقلابي المائع عبد الفتاح السيسي، يوم جعل منهم حفنة طبالين، يصطحبهم في أسفاره كالدمى المشحونة يدويًا، للتمويه على استبداده، ولإظهاره نصيرًا للفن والحضارة وحقوق الإنسان، في بلادٍ هالتها مذابحه، وتعرف أكاذيبه جيدًا.
وعلى الغرار ذاته، ليس من حق المشاهد العربي أن يصطدم حيال كل فيلم يشاهده، ولا يتغير فيه سوى الممثلين فقط، أما السيناريو والعقدة والحكاية فلا جديد فيها، بدءًا من فيلم "النكبة"، مرورًا بفيلم "النكسة"، وليس انتهاء بسلسة أفلام "داعش" من الموصل إلى الرّقة، إلا إذا كانت أسباب الصدمة تنطلق من انعكاس الرؤية الفنية لديه، وهذا ما أميل إليه. بمعنى أن المشاهد العربي حين يقرّر ارتياد صالات السينما، يفعل ذلك انطلاقًا من أنه بات يرى في قاعة السينما حيزًا وحيدًا للواقع، أما قاعة الوطن العربي التي يعيش فيها، فيراها أشبه "بخيال" سينمائي، وتعج بآلاف الممثلين؛ لذا فهو يحاول إيجاد معادل موضوعي لهذه الحوادث الجارية أمامه، والتي تفوق بدراميتها كل حدود الخيال، فيلجأ إلى السينما، بحثًا عن "واقعٍ ما"، قابل للتصديق، وللحشر داخل قشرة خياله المنتهكة بالأحداث الجسام.
على هذا النحو، تصدم المشاهد العربي يسرا، حين يكتشف أنها لم تكن ممثلة على شاشة السينما، بل ممثلة عليه هو شخصيًا، فيشعر بكل تلك الصدمة، هو الهارب إلى يسرا من ممثلي "تلفزيون الواقع" الذين يؤدون له أدوارًا باتت ممجوجة، ولم يعد يصدقها، بدءًا من "الزعيم" الذي "يمثل" دور الحريص على الوطن والمواطن، وليس انتهاء برجل المخابرات الذي يمثل دور الحريص على حقن دماء الفلسطينيين باستبدال القدس برام الله عاصمة لفلسطين.