إن لكم في "نوكيا" لعبرة

02 يوليو 2015
نوكيا (فرانس برس)
+ الخط -
كم هو سخيف هذا "التاريخ".. لا يملّ تكرار نفس الحكاية.. هكذا يقولون دائمًا!! ربما في أول مرة يحكيها تكون شيقة مفيدة، لكنه بعد ذلك لا يتوقف عن التكرار.. هكذا يقولون أيضًا!! 
أنا لا أراه سخيفًا.. ولكن لا أدري لماذا يفعل ذلك؟ ربما لأننا لم نستفد من أول حكاية ولا من الثانية ولا حتى من المائة؟ "نوكيا" هي واحدة من آلاف الحكايات المتطابقة تقريبًا.. الأحداث تتكرر بشكل لا تحتاج معه التنبؤ بالنهايات.. هي هي!

عام 2013 كتبت شهادة وفاة شركة نوكيا بعد عمر 150 عاما، تربعت خلاله على عرش شركات العالم مدة 30 عامًا.. وذلك بعد أن قررت شركة مايكروسوفت التي اشترتها بـ 7.2 مليارات دولار عدم استخدام اسم "نوكيا" على الهواتف النقالة التي تعزم على صناعتها.
قبل هذا التاريخ بست سنوات فقط كانت نوكيا فوق القمة متربعة من دون منافس.. غزت أسواق كبرى الدول وأبهرت العالم بمنتجاتها، حتى فاجأتها شركة آبل بمنتجها الجديد "آيفون" الذي كان المسمار الأول في نعش نوكيا.. وبعدها بدأ الانهيار السريع ثم السقوط المدوي.
ومن المفارقات أن الـ 7.2 مليارات دولار التي دفعتها مايكروسوفت ثمنًا لنوكيا عام 2013، تعادل رقم الأرباح الذي حققته الشركة في عام واحد فقط هو 2007.


هل كانت نوكيا شركة عالمية؟ لديها فريق مميز؟ لديها إدارة قوية؟ تمتلك رؤية استراتيجية؟ تفهم احتياجات السوق؟.. أسئلة بديهية.. إجاباتها كلها قطعًا نعم.. لكن ما الذي حدث؟
الذي حدث.. هو نفسه ما حدث مع إمبراطورية فارس العظمى التي أسقطتها الدولة الوليدة في شبه الجزيرة العربية، هؤلاء الذين عرفهم العالم كتجار ورعاة للغنم ولم يعرفوا أي نظام سياسي غير حكم القبيلة.. في سنوات قليلة ورثوا دولة فارس! كذلك جماعات.. قادة.. زعماء.. فنانون.. كُتّاب.. الأمثلة لا تنتهي..

ثم بعد ذلك ينتهي كل شيء ليظهر الجديد الذي يرث القمة ويتربع عليها.. وهذا الذي لم يعد يدرك احتياجهم أو ذوقهم أو تحول قناعتهم.. نسوه ولم يعودوا يكترثون لأمره. ربما وهو راقد في القاع.. يسأل نفسه بكل عجب: ما الذي حدث؟ لقد كانوا حولي يؤيدونني.. يرددون عباراتي.. يزهون بالانتماء إلي.. يؤمنون بي.. أو يتباهون باقتناء منتجاتي!! يتسارعون لشراء إصداراتي!!.. ما الذي صرفهم عني؟ وكيف هزمت بهذه السهولة؟

هذه هي الحقيقة المُرّة.. إن لم تمتلك القدرة على إدراك الواقع الذي لا يتوقف عن التغيير فإنك ستذهب ولن تعود. فهل تتخيل أن تواجه البندقية بسيف حتى لو كنت الأمهر؟!.. أو أن يسبق الحصان سيارة سباق حتى لو كان الأفضل؟!

هنا سيجيبك التاريخ إجابة واحدة ومن دون تردد.

(مصر)
المساهمون