إنهم يكتبونني
إلى دعاة الأخلاق: لن أمارس الوعظ الأخلاقي بعد. لكن، سأقدم للواعظين هذه النصيحة، إذا كنتم حريصين على أن تجعلوا أفضل الأشياء وأفضل الظروف تفقد كل قيمة، كل رفعة، تابعوا الدعوة إليها، ولتكن على شفاهكم باستمرار، ولتكونوا في قمة أخلاقيتكم من الصباح حتى المساء.
نيتشه
أنا أخدم الله، لا البشر، إنهم اليوم يحتفون بشيء، وفي الغد سيحتقرون ما احتفوا به بالأمس ليس إلا، وبعدها سينسونني أنا وأنت. سينسون كل شيء، الكل زائل، والكل عديم المعنى، الجنس البشري بالفعل ارتكب من قبل كل الحماقات والأخطاء، وهو يعيدها الآن فقط، كل شيء يسقط في مكانه ثانية، وتتم إعادته مراراً وتكراراً، لو عاد المسيح مرة أخرى إلى الأرض، سيتم صلبه مرة ثانية.
من فيلم أندريه ريبليف للمخرج أندريه تاركوفسكي
السعادة ممكنة فقط عندما لا يفترض الناس أن الهدف من الحياة هو السعادة.
جورج أورويل
من قال إن المقاومة والممانعة ضد الديمقراطية؟ بالعكس تماما: الديمقراطية تجعل المقاومة والممانعة أقوى وأشد وأعمق. التعددية تجعل المقاومة أقوى وأصدق وأكثر تجذراً في الشعب.
سميح القاسم
ما يميز علاقتي بالأمكنة في الغرب عمّا هي عليه في بلادي أمران أساسيان: الجمالية والحرية. الجمالية، لأني، حين عودتي، ذُهلت أمام فظاعة التشويه والبشاعة اللذيْن أحدثهما الإنسان في الطبيعة، في هذا الموطن الفريد الذي كان منذ أقدم الأزمان، رمز الجمال الأرضي في المخيلة البشرية، المشرقية والأوروبية أيضا، في النصوص الأسطورية والدينية والأدبية على حد سواء، منذ فجر الحضارة حتى فترة قريبة خلت، والذي من دون أن يدروا ماذا يفعلون، عبث أبناؤه، خلال ثلث القرن الأخير، عبثاً مريعاً بأعظم وأثمن ما فيه: جماله. كما أن المرء يتمتع بحرية داخلية في حلّه وترحاله في أنحاء الطبيعة الغربية لا تتوافر له في بلادنا المجزأة، الموزعة وفقاً لعصبيات القرى والمناطق والمذاهب والطوائف، حيث يشعر المتنقل في أرجائها كأنه مطالب في كل مكان، وفي كل وقت، بتوضيح من هو وماذا يريد. كتبت، في مفكرتي قبل سنوات، لمناسبة الذكرى الخمسين للاستقلال ما يأتي "هذه الخمسون عاماً، كان نصفها الأخير مزيجاً من السيادة والسيادة المنقوصة، من الازدهار والإثراء، من الفساد والفقر، من البناء ومن الإمعان في تشويه الطبيعة، وما شهدته الحرب الطويلة الأخيرة من دمار، لا يُقاس هوله بهول البناء الذي رافقها وتلاها، فهذا البناء هو الدمار الحقيقي الكبير، دمار القرى والمدن والشواطئ والسهول ومغيبات الشمس وطلوعات الفجر، وهو دمار الروح".
أنطوان الدويهي من روايته (حامل الوردة الأرجوانية)
لعل ما يجعل الشيخوخة قابلة للتحمل، يكمن في ذلك الاستمتاع برؤية أولئك الذين آمنوا بنا يتلاشون واحداً واحداً. وهكذا، لم يعد من الممكن أن نخيب ظنهم فينا.
إميل سيوران
وظيفة الفنان هي أن يوقظنا. الفنانون يثيرون مخيلتنا، يقول فاريز "المخيلة هي الكلمة الأخيرة". إنهم يفتحون أمامنا أجزاء من الواقع، يفتحون الأبواب التي في المعتاد نبقيها موصدة، إنهم يزعجوننا، بعضهم أكثر من آخرين.. إنهم يبدون ضعفاء جداً وعاجزين. ولكن، عندما يصيبون الهدف يسببون دماراً لا يقدر، ولدينا سبب وجيه للخوف منهم، أعني أولئك النائمين منا، إنهم يجلبون النور الذي يقتل، وفي الوقت نفسه يضيء. هناك أشخاص متوحدون لا يتسلحون إلا بالأفكار، وأحيانا بفكرة واحدة فقط، ينسفون عصوراً زمنية كاملة تكفننا كالمومياوات، وبعضهم يتحلون بما يكفي من القوة، بحيث يحيون الموتى. وبعضهم يتسللون إلينا في غفلتنا، ويرموننا بسحر يستغرق منا قروناً لإزالته، وبعضهم ينزلون علينا لعنة، بسبب حماقتنا وكسلنا".
هنري ميللر من كتاب (كابوس مكيف الهواء) ترجمة أسامة منزلجي
هنيئاً لكم جنودكم السريين، مروجي الشائعات، الجالسين على الأرصفة وفي المقاهي وعلى مكاتب الموظفين في الوزارات والهيئات، وربّات البيوت والمخبرين وضباط وأمناء الشرطة وجنود الحراسة وكمسارية المواصلات والباعة الجائلين وبائعي الصحف وقاطعي تذاكر السينما وحراس العمارات والكناسين وعمال الصرف الصحي وفلاحي المحافظة وعمال المشاتل وقاتلي الكلاب ومطعّمي الأطفال ضد الأمراض والتمرجية في المستشفيات الحكومية والأطباء المنقادين والأطباء الراغبين في المناصب والفتيات الراغبات في الزواج والأخريات الشبقات وشمامي الكلة وباعة المخدرات الصغار والمدمنين وشراميط الشوارع وشراميط الفنادق. هؤلاء هم الجذور المختفية تحت الأرض، تثبت الشجرة وتمدها بالغذاء، قلة من الناس فقط يعرفون أنها موجودة وتعمل باستمرار، لكن الأغبياء لا يدركون أهميتها.
محمد ربيع من روايته (عام التنين)
قال أحدهم ذات مرة إن القصص تحدث لأولئك الذين يستطيعون روايتها فقط، وربما بالطريقة نفسها، فإن التجارب لا تقدم نفسها إلا لأولئك الذين يمكنهم تملك ناصيتهم فقط.
بول أوستر من (ثلاثية نيويورك)
مضحكة هي الحياة، تلك المنظومة الغامضة من المنطق الذي لا يرحم لهدف عبثي، وأكثر ما يمكن أن تأمل منها هو بعض معرفةٍ بنفسك، تأتي بعد فوات الأوان، محصول ندم لا تخمد ناره. لقد صارعت الموت، إنه أقل الصراعات التي يمكن تصورها إثارة، إنه يحدث في الكآبة المجردة، حيث لا شيء تحت قدميك، ولا شيء حولك من دون جمهور أو ضوضاء أو مجد، ومن دون رغبةٍ جامحةٍ في الانتصار، من دون الخوف الكبير من الهزيمة في جو سقيم من الريبة الفاترة، ومن دون الكثير من الإيمان بحقك الخاص، وبدرجة أقل بحق خصمك، وإن كان ذلك هو شكل الحكمة الأسمى، فالحياة إذن لغز أكبر مما يعتقده بعضنا.
جوزيف كونراد من رواية (قلب الظلام)، ترجمة صلاح حزين
حينما تسمع في منتصف الليل فرقة من المغنين.. تمر في الطريق غير مرئية.. بموسيقاها الصاخبة.. بصياحها الذي يصم الآذان.. كفّ عن أن تندب حظك الذي ضاع.. كن كمن هو على أهبة الاستعداد من قديم.. كشجاع جريء.. كما لو كنت أهلاً لها حقاً.. أهلاً لمدينة مثل هذه.. اقترب بخطى ثابتة من النافذة.. واستمع بحزن.. استمع، حتى النهاية، إلى الأصداء المبتعدة.. واستمتع بها.. استمتع بالنغمات الرائعة من الفرقة الخفية.. التي تمضي إلى الزوال.. ودّعها.. ودّع الإسكندرية.. الإسكندرية التي تضيع منك إلى الأبد.
قسطنطين كفافيس
belalfadl@hotmail.com