إنهم يكتبونني

25 يناير 2015

كل هذه الكتب

+ الخط -
* "لا غرابة إذن في أن تكون السلطة في مصر هي أكبر دعاة الاعتدال المصري المزعوم، وأشد المهللين المحبذين المزينين له، ومحترفي التغني المخادع الماكر به، ذلك لأن هذا الاعتدال المَرَضي ليس فقط ضمان البقاء المطلق لهم، ولكن، أيضاً، ضمان التسلط والسيطرة المطلقة، فمجتمع هذا النوع من الاعتدال العاجز هو مجتمع بلا صراع، ومجتمع بلا صراع هو مجتمع من العبيد أو قطيع من الأقنان. وإذا كان النظام الحاكم يباهي دائماً بما يسميه الاستقرار في المجتمع المصري، لا سيما في مقابل عدم الاستقرار الذي يميز معظم الدول العربية الشقيقة، فإن الحقيقة والواقع أن ذلك إنما هو استقرار الجسد الميت والجثة الهامدة، وإذا كان صحيحاً أن بعض الدول العربية وغير العربية في المنطقة تعاني فعلاً من عدم الاستقرار، فإن ما تعاني منه مصر، حقيقة، إنما هو فرط الإستقرار. في الوقت نفسه، فبقدر ما كان النظام الحاكم يزيّن، ويمجد فضيلة الاعتدال هذا، كان ولا يزال يشوه ويندد ويدين أدنى علامة أو بادرة من اليقظة والوعي والفهم أو أوهى اختلاجة من التحرك والعنف الثوري من جانب الشعب المخدوع المقهور، وكان أبداً يرفع شعار محاربة العنف ويصمه، زوراً وبهتاناً، بالإرهاب البشع والفوضى والتمرد... ولا غرابة في هذا كله بالطبع، فإنما هو الوجه الآخر المكمل لفضيلة ـ رذيلة الإعتدال، غير أن الحقيقة أن ما تصمه السلطة بخطر التطرف والعنف ليس إلا دفاع الشعب الطبيعي عن نفسه ضد ديكتاتوريتها الباطشة الكابتة، مثلما هو رد فعل المجتمع الصحي ضد تطرفها هي في الاعتدال السلبي والاستسلامي العاجز المريض".
جمال حمدان من كتابه "شخصية مصر" الجزء الرابع

* "من النواجذ تعلمنا شق الأنفاق. من القندس تعلمنا إقامة السدود. من الطيور تعلمنا بناء البيوت. من العناكب تعلمنا الحياكة. من الجذع الذي يتدحرج على المنحدر تعلمنا العجلة. من الجذع الذي يطفو مع التيار تعلمنا السفينة. من الريح تعلمنا الشراع. من الذي علمنا العادات الخبيثة؟ ممن تعلمنا تعذيب الآخر وإذلال العالم؟".
إدواردو غاليانو من كتاب "أفواه الزمن"

* "ليس ثمة أمل قد بقي غير اليأس، لا حُرمنا منه، ولن ينتزعه مني أحد، لا الحليف ولا حتى العدو، لن ينتزعه مني سوى الموت فهو القادر على ذلك، عار عليك، أتبكي يا صديقي، وهذه اللحظة أغلى ما وهبه الله للإنسان، كان بالإمكان أن نبكي يا صديقي عندما كان الأمل يراودنا، ولم يكن في ذلك عار، أما الآن، وقد بلغنا منتهى اليأس، ماذا بقي لنا؟، شيئ واحد: عزة النفس. وهذه في اعتقادي تأبى علينا أن نبكي.
ليس للحياة من معنى، ولا من مبرر لها حالاً أو مستقبلاً. إنها ظاهرة زائفة، مكتوب عليها أن تندثر، من دون أن تخلف وراءها شيئاً، ومع ذلك، فقد مُنحت لنا، فهل نلقي بها عنا، ونرفض عذابها، أو نخطف بين الفينة شيئاً من المتعة، ولكن من دون أمل أو رجاء... إن هذا الرفض لن يكون سوى جبن وفرار من أرض المعركة، إن ما أعطي لنا وإن لم تسع إرادتنا لنواله، وإن لم تكن لنا القدرة على الاختيار أو الرفض، قد أُعطي لنا وإننا لملزمون بأن نجعله ذا قيمة بارتضائه ومواصلته، وبأن يقدم كل منا أفضل ما عنده.
علينا أن نسلك طريق الكمال وتهذيب النفس، ولو كان هذا الطريق شأن كل الطرق لا يوصل إلى شيء، إنه، إذن، الكفاح من أجل الكفاح ذاته، وهكذا يتحقق، في النهاية، اشتراك بين أولئك الذين يعرفون السر وأولئك الذين لا يعرفون، فهم جميعاً يواصلون المسير، كل ما هنالك أن أولئك الذين يعرفون يواصلون ببطولة... لا تسأل: أين أذهب، امضِ في الصعود والنزول، ما من بداية أو نهاية. إنما الوجود هذه اللحظة الحاضرة المليئة بالمرارة والحلاوة أيضا، وإني أستمتع بها إلى آخر قطرة فيها... إني أطرد من بالي أكبر المغريات، ألا وهو الأمل، وأحرم نفسي من متعته، إننا نقاوم، لأن المقاومة هي كرامتنا، إننا نغني ولو لم تكن ثمة أذن تسمعنا، لا تسأل: أين نذهب، هل سيقدر لنا النصر يوما؟، ما الهدف من كل هذه المعركة؟، لا تسأل، قاوم فقط واعلم أن معنى الله هو المقاومة".
الأديب اليوناني نيكوس كازانتزاكيتس من مسرحيته الوحيدة "عطيل يعود"
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.