إنفاق السعودية العسكري يلتهم 11% من ناتجها... و"النووي" أعظم

16 مارس 2018
طموح بن سلمان النووي يهدّد بجموح الإنفاق (فرانس برس)
+ الخط -


أظهر تقرير أميركي حديث أن إنفاق المملكة العربية السعودية العسكري والأمني عام 2017 بلغ 76.7 مليار دولار، تمثل نسبة تزيد عن 11% من الناتج المحلي الإجمالي السعودي. 

وبذلك، تتجاوز السعودية دولاً معروفة بارتفاع إنفاقها العسكري والأمني، مثل روسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، في وقتٍ تتعرض تقريباً كافة بنود الموازنة العامة الأخرى في المملكة لضغوط تقشفية غير مسبوقة.

التقرير أصدره مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن هذا الأسبوع، وأشرف على إعداده مدير قسم الاستراتيجيات بالمركز ومحلل الأمن القومي، أنطوني كوردسمان، وهو متخصص في الشأن الخليجي.

ويفيد التقرير بأن التحولات التي طرأت على هيكل السلطة في المملكة العربية السعودية، مع وصول الملك سلمان إلى الحكم في يناير/ كانون الثاني 2015، أوجدت مجموعة جديدة من الأولويات السعودية، مشيراً إلى أن هذه الأولويات أدت إلى تغييرات كبيرة في هيكل الأمن القومي وقيادته في المملكة، كما أفضت إلى دعوات لإصلاح اجتماعي واقتصادي ضخم.

كما أشار إلى التغييرات الكبيرة التي حدثت في قيادات في المملكة، مثل تغيير وزيري الداخلية والخارجية، ورئيس الحرس الوطني.


وأكد التقرير أيضاً أن الأولويات الجديدة للمملكة هي التي أدت إلى المشاركة في حرب كبرى في اليمن، وأججت الصراع مع قطر، وضاعفت الجهود المبذولة لعزلها، وهو ما فكك مجلس التعاون الخليجي الضعيف والمنقسم أصلاً، كما أضافت إلى التوترات مع إيران بسبب تزايد معدلات شراء الأخيرة السلاح وجهودها لتوسيع نطاق تأثيرها الإقليمي.

وأكد التقرير أن الدافع وراء معظم التغييرات السابقة في المستويات العليا من الحكومة السعودية وهيكل الأمن كان رغبة الملك الجديد في تجميع السلطات في قمة العائلة المالكة، وأنه في هذا الإطار، تم تعيين محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود (المعروف باسم محمد بن سلمان أو MBS) ولياً للعهد ونائباً أول لرئيس الوزراء ووزيراً للدفاع ورئيساً لمجلس شؤون الاقتصاد والتنمية، وهو ما يعني تجميع مسؤوليات الإشراف على الأمن والقطاع المدني والتنمية الاقتصادية في المملكة العربية السعودية، بيد رجلٍ واحد.

وأكد كاتب التقرير أن التغييرات الأخيرة، التي تمت في قطاع الأمن القومي السعودي والجيش في فبراير/ شباط من العام الحالي، لا يمكن النظر إليها إلا بوصفها استكمالاً للجهود الرامية إلى تركيز القوى في يد محمد بن سلمان، أو جزءاً من جهود ولي العهد لتحسين التخطيط العسكري والموازنة والإدارة المالية والعمليات العسكرية للمملكة العربية السعودية.

وقال التقرير إن الشيء الواضح هو أن المملكة أنفقت في الفترة الأخيرة جزءاً كبيراً جداً مما ينتجه الاقتصاد السعودي على الأولويات الأمنية، إلا أن نتائج هذا الإنفاق حتى الآن لا تزال غير واضحة، وهو ما يثير الشك في إمكان توفير التمويل المطلوب لخطة "رؤية 2030" من أجل إصلاح وتحديث اقتصاد المملكة وبنيتها الاجتماعية.

ويقدر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) إنفاق المملكة الأمني والعسكري (Security and Military Spending) عام 2015 بأنه كان يمثل 12.51% من ناتجها المحلي الاجمالي، ثم ارتفع في العام التالي (2016) إلى 12.61%، قبل أن ينخفض قليلاً عام 2017 إلى 11.3%.

ويقول المعهد إن هذا الإنفاق يُعد مرتفعاً جداً بالنسبة إلى بلدٍ لديه حاجة كبيرة لمزيد من الإنفاق الداخلي، وتتجاوز فيه نسبة البطالة بين الشباب 30%، فضلاً عن أنه مقبل على تنفيذ خطة تحوّل ضخمة بحلول عام 2030، مع ما تتطلبه من تمويلات ضخمة.

وذكر المعهد أن إنفاق المملكة الأمني والعسكري الذي وصل إلى 76.7 مليار دولار العام الماضي، يعادل مرةً وربعاً مثيلَه في روسيا والذي لم يتجاوز 61.2 مليار دولار.

كما أشار التقرير إلى حجم الإنفاق الأمني والعسكري عام 2017 في أكثر الدول إنفاقاً على هذين البندين، وقال إنه بلغ 50.7 مليار دولار في بريطانيا، و48.6 مليار دولار في فرنسا، و41.7 مليار دولار في ألمانيا، بينما بلغ 22.9 مليار دولار في إيطاليا، وبنسب تتراوح بين 1% و4% من الناتج المحلي المجمل لكل منها.

وأوضح التقرير أن المملكة العربية السعودية كان لديها دوافع كثيرة لزيادة إنفاقها الأمني والعسكري، ذكر منها 16 دافعاً، كان على رأسها تهديد المتطرفين من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والقاعدة والتنظيمات المرتبطة بها، والتي رجح التقرير أن تستمر هجماتها في المنطقة.


أيضاً، ذكر التقرير من تلك الدوافع الاختلافات المذهبية في المملكة بين السُنة والشيعة، والمرتبطة بالصراعات المذهبية الكبرى في البلدان المجاورة، وتهديد الحوثيين الموالين لإيران، إضافة إلى سعي إيران لامتلاك سلاح نووي، وقواتها البحرية والصواريخ الباليستية التي لديها، ونفوذها الممتد في المنطقة، في إشارة إلى أن إيران هي العدو الأساسي الآن للمملكة العربية السعودية.

كما جاء من ضمن دوافع المملكة لزيادة إنفاقها الأمني والعسكري، وفقاً للتقرير، عدم استقرار العالم العربي والشرق الأوسط منذ اندلاع الانتفاضات العربية أواخر عام 2010، اقتصادياً واجتماعياً، إضافة إلى تحديات أخرى لدول المنطقة، كما عدم وضوح الأمور في العراق وسورية ولبنان، وضعف الحلفاء في مصر والأردن، وتوتر الأمور مع تركيا، مع فشل مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وعدم التأكد من سياسات الولايات المتحدة، خاصة فيما يتعلق بتأمين المملكة.

ونبّه التقرير إلى أن بعض قرارات الإنفاق الأمني والعسكري في المملكة العربية السعودية، يتم اتخاذها في إطار المواءمات السياسية لا الاحتياج العسكري الحقيقي، مثلما حدث في صفقة القذائف الباليستية الصينية.

كما أن الافتقار إلى الشفافية في برامج استيراد الأسلحة يعرّضها لفساد كبير في بعض الأحيان، بحسب التقرير، ناهيك أن جهود المملكة في دعم العمليات السرية والجهات الفاعلة غير الحكومية في بلدان مثل سورية، كانت غير ناجحة.

وأشار التقرير إلى أن المملكة العربية السعودية تحتل مرتبة متقدمة بين دول العالم من حيث الثروة، كما أن متوسط الدخل الفردي فيها مرتفع، إلا أنه أكد أيضاً أنها شديدة الاعتماد على النفط ومنتجاته، وأن ارتفاع معدل زيادة السكان في المملكة يهدد تلك الثروات.

ولذلك، فقد حذر التقرير من عدم قدرة المملكة على مواجهة تحدياتها إلا بتخفيض إنفاقها الأمني والعسكري، وتحقيق توازن أفضل بين الإنفاق الأمني والمدني.

السباق النووي
وسيكون الإنفاق العسكري السعودي أمام مزيد من الارتفاع، ليتآكل معه ناتج المملكة الاقتصادي أكثر، في حال دخلت السعودية سباق تسلح نووي، بعدما قال محمد بن سلمان في مقابلة تلفزيونية أذيعت مقتطفات منها يوم الخميس، إن المملكة "ستطور قنبلة نووية إذا أقدمت إيران على تلك الخطوة".

فخلال ردّه على سؤال خلال مقابلة تلفزيونية مع برنامج "60 دقيقة" على شبكة "سي بي إس"، عما إذا كانت المملكة العربية السعودية تحتاج إلى أسلحة نووية لمواجهة إيران، قال بن سلمان: "المملكة لا تريد الحصول على أي قنبلة نووية، ولكن من دون شك إذا طورت إيران قنبلة نووية، فسوف نتبعها في أقرب وقت ممكن"، وفق وكالة "رويترز".

وفي رده على سؤال حول جوهر المنافسة بين إيران والسعودية وما إذا كانت "معركة من أجل الإسلام"، قال بن سلمان "إيران ليست منافسا للمملكة العربية السعودية، فجيشها ليس من بين الجيوش الخمسة الأوائل في العالم الإسلامي، كما أن الاقتصاد السعودي أكبر من نظيره الإيراني".

إن دخول السعودية مرحلة جديدة من التسلح، وفي المضمار النووي هذه المرة، يعني بداهةً أنها ستشهد جموحاً غير مسبوق في الإنفاق العسكري، وتفاقماً أكبر لعجز الموازنة الهائل.
المساهمون