إنذار إلى الحكومة

31 اغسطس 2015
ورفعوا صوتهم (فرات الشهال)
+ الخط -

كانت تظاهرة، أمس الأول، في ساحة رياض الصلح في وسط بيروت مدنيةً بامتياز. هذه أول تظاهرة مطلبية عملاقة على وعينا نحن، جيل الثلاثينيات. التظاهرتان الأضخم اللتان عشناهما وحصدنا تداعياتهما، وصارتا من التواريخ المسجّلة في الروزنامة اللبنانية، كانتا ذات غلبة طائفية، ولو حملتا شعارات سياسية كبيرة.

ما ميّز تظاهرة يوم السبت، التي قد يضاف تاريخها إلى الروزنامة إن أثبت ناسها جدارةً في ذلك، أنها حلّت كالصفعة على وجوه الزعماء السياسيين جميعاً، وعلى رقابهم، سواء تمكّنت من تحقيق مطالبها في الأيام القادمة أو لم تتمكن. سبب الصفعة الرئيسية كان قرار مجموعة من المواطنين الخروج من العلبة، ولو لفترة مؤقتة. ليس بالضرورة أن من شاركوا في التظاهرة قد تخلّوا عن آرائهم السياسية، وربما ليس هذا مطلوباً. الأهم أنهم قرّروا وضع خياراتهم السياسية ذات النزعة المذهبية جانباً، وتقديم الجانب المطلبي عليها، في هذه المرحلة.

حصل ذلك بعد أن غرقت الناس في النفايات وتراكمت مطالبها التي صارت تسقط واحدةً بعد الأخرى عن قائمة أولويات الحكومة. خلال التظاهرة التي أطلقت الكثير من غضب المواطنين المكبوت كان يمكن للمراقب أن يستمع إلى الكثير من المطالب. وهي مطالب محقّة، وليست مشكلة النفايات التي تعجز الحكومة عن معالجتها إلا واحدةٌ منها. قبلها كانت الكهرباء والمياه وسلسلة الرتب والرواتب وضمان الشيخوخة والصحة والتعليم وحقوق الأشخاص المعوّقين ومصير مفقودي ومخطوفي الحرب والبطالة وغيرها.

عجزت حكومات ما بعد الحرب في جميع هذه الملفات، فتراكمت وكثر المغبونون. كثروا وصار غضبهم يراكم حتى باتوا كتلة بدأت تشكّل نواة لحراك مختلف. وهو حراك مثل أي نشاط آخر ملعبه الشارع، قابلٌ للنجاح أو الفشل. وأسباب فشله قد تكون أكثر. ليس خوف السلطة ومحاولتها النيل منه بعدما قرّر تعريتها، إلا واحداً منها.

تعوّدنا أن توجّه الحكومة عبر أجهزتها الإدارية الإنذارات إلى المواطن في حال التقاعس أو في حال التأخير عن دفع متوجّبات الفواتير من ماء وكهرباء وهاتف وغير ذلك من خدمات، لا تصل إلا منقوصة.

في التظاهرة رفع مواطنون صوتهم معبّرين عن رفضهم لواقع الحال هذا. أوصلوا صوتهم بكل الأساليب المدنيّة الممكنة. بالحناجر واللافتات والشعارات والرسوم والقبضات والموسيقى. أرسل مواطنون، للمرّة الأولى منذ زمن، إنذاراً حقيقياً إلى الحكومة وأعطوها مهلةً زمنيةً كي تبدأ بتسديد ما عليها من فواتير. محضر الضبط صار في يد الحكومة الآن. لعلّها تبدأ في تسديده قبل أن تأتي الغرامة عالية في حال تأخّرت عن الدفع.

اقرأ أيضاً: الساحة لك وحدك
المساهمون