مثل اليوم (20 حزيران/ يونيو)، رحل إميل سيوران (1911 - 1995). هكذا، تخلّص من المأساة الكُبرى: الولادة. يشرح سيوران مقولة بوذا: "وقبل الشيخوخة والموت، اعتبر بوذا واقعة الولادة مصدرًا لكل العاهات، وكل الكوارث". يقول أيضًا: "خسرنا بولادتنا ما سنخسره بالموت: كلَّ شيء".
بالنسبة إلى سيوران، فإنّ المأساة الحقيقية لا تكمن في موت الإنسان، وإنّما في مولده، أو "سقوطه في الزمن"، بحسب تعبيره. وربّما يوم ميلاده هو الأجدى أن يُستذكر فيه (الثامن من نيسان/ أبريل. من جهة أخرى، بعيدًا عن عدميّة سيوران؛ فإن عُدنا إلى كتاباته حول الموسيقى، سنجد أنّه احتفى بهذه الأخيرة كما لو أنّها الحياة نفسها بالنسبة إليه. هنا بعض شذراته حولها:
اللانهائي "الراهن"، الذي تعتبره الفلسفة غير معقول، هو حقيقة الموسيقى وماهيّتها.
***
لا توجد الموسيقى إلَّا بمقدارِ زمن الاستماع، مثل الإله، ليس موجودًا إلّا بمقدار ديمومةِ الوَجْد.
***
إن موسيقى باخ هي الحجة الوحيدة التي تبرهن على أن خلق الكون لا يمكن اعتباره فشلًا تامًا.
***
الإنسان الذي يقول: "لا تعني الموسيقى عندي شيئًا"، إنسان مائع، لن أطيل معه، إنها مسألة خطيرة للغاية، لأن الموسيقى تخاطب ما هو صميم وحميم في الإنسان. لا يجمعني جامع بالشخص الذي لا يتذوّق الموسيقى، إن شخصًا كهذا من الخطورة بمكان، وهو مصاب بلعنة لا يدرك مداها.
***
هنالكَ نفوس موسيقيّة من دون تعليم موسيقيّ. مما يعني أننا نولد مزوّدين باهتزازات معينة، أحزاننا، التي تحركها الموسيقى في ما بعد. نحمل في دواخلنا كلّ الموسيقى التي لم يتح لنا سماعها في فترة حياتنا، إلا أنها غافية في أعماق الذاكرة... لا توجد موسيقى من دون ذكرى الجنة والسقوط.
***
الموسيقى منظومةُ وداعٍ تُوحي بفيزياء ليست نقطةُ انطلاقِها من الذرّات، بل من الدموع.
***
الموسيقى هي حقيقةُ الفنّ الوحيدة التي تستطيع خلق تواطؤ عميق بين شخصين، ليس الشّعر، بل الموسيقى، الموسيقى ولا شيء سواها.
***
ولماذا نعاشر أفلاطون إذا كان أي ساكسوفون قادرًا هو أيضًا على أن يكشف لنا عن عالمٍ آخر.
***
مرّت بي لحظات، كنتُ خلالها أستبعدُ وجود أبدية في وسعها أن تفصل بيني وبين موتزارت، ومن ثمّ، كنت أفقدُ كلّ خوفٍ من الموت. حدث الأمر نفسه مع كلّ موسيقى. مع الموسيقى كلّها.
***
شوبان نذرَ البيانو إلى مرتبة السلّ الرئويّ.
***
لا موسيقى حقيقية غير تلك التي تجعلنا "نجسّ" الزمن.
***
لو أنّي استسلمت إلى إغواءات الموسيقى ومدائحها لي، وإلى كل العوالم التي بعثتها ودمّرتها في داخلي، لكنت منذ زمن بعيد قد فقدتُ عقلي من الزهو.
***
إذا كان ثمّة من هو مدين بكل شيء لباخ؛ فهو الله.
***
لمّا كنتُ قد ولدتُ بروحٍ عادية، فقد طلبتُ روحًا أخرى من الموسيقى. كان ذلك بداية مآسٍ لم أكن أجرؤ على تمنّيها.
***
من الصعب معرفة ما تستثيره الموسيقى في دواخلنا، لكن ما نعرفه هو أن الموسيقى تصل إلى منطقة غائرة العمق، إلى الحد الذي لا يستطيع حتى الجنون نفسه التسلل إليها.
***
لعلّي قد راهنت أكثر ممّا يجب على الموسيقى، لعلّي لم أحتَطْ بما يكفي من بهلوانيّات الرائع، من دجلِ الجميل.