لم يعد سهلاً على شركات الإنتاج تنفيذ أو إنتاج "فيديو كليب"، الأزمة المالية تجتاح المؤسسات الإعلامية منذ سنوات، والاتجاه للراعي التجاري أصبح ضرورة للبقاء. ثمة مفارقات كثيرة تعتلي عالم الفيديو كليب الذي استهلك كل "الحواديت". وبات الاتجاه للشق الإنساني الاجتماعي يحدث الفرق، بعيداً عن كل ما هو متداول تجارياً.
إليسا خارج المألوف
هكذا أصدرت الفنانة إليسا، قبل عام ونصف ألبومها الغنائي "سهرنا يا ليل" كمحاولة منها للخروج بـ"صدمة" للجمهور. تهرب صاحبة "بتمون" عن كل ما يدور حولها، من منافسة، وترغب في أن تبقى متفردة في كل أغنية أو "كليب" مُصور، بعيداً عن زميلاتها ولو أنها تراقبهن من بعيد.
في الأغنية الجديدة المُصورة "عكس اللي شايفينها" كلمات أمير طعيمة وألحان وليد سعد، تحاول إليسا العبور إلى أجواء إنسانية، تكمن في نقل صورة للراقصة اللبنانية الراحلة داني بسترس، التي انتحرت، قبل عشرين عاماً، بعد فقدانها وَحيدها جورجي، في حادث غرق.
داني بسترس التي عاشت حياة الترف، لم تأبه للعادات والتقاليد التي سيطرت على محيطها العائلي، والاجتماعي، وتخطت منظومة الالتزام، فكانت ثورة بحد ذاتها، في الفن الاستعراضي، والهروب من الواقع عبر منظومة الحياة العبثية. عاشتها بترف، وانكسارات كثيرة، شأن كل فنانة تحت الضوء، تذهب إلى أقصى درجات اليأس، حتى قضت برصاصة من مسدسها.
في الكليب، تحاول إليسا، الاستفادة من القصة المأساوية، وهي التي شهدت على نجومية، داني بسترس، عندما كانت إليسا في بداياتها الفنية. لعلها تأثرت بها، وذلك ما دفعها لقرار إنتاج "كليب" يؤرخ بدقائق لحياة بسترس. لعبت المخرجة أنجي الجمّال على الوتر العاطفي، الإنساني، لفقدان أم لابنها.
مشاعر واضحة، لم ينقذها ماكياج إليسا والتفاخر بخبير تجميلها متواجداً في شارة الكليب الأخيرة، لسبب وحيد أن داني بسترس، لم تهتم كثيراً بشكلها، وظهرت في مناسبات كثيرة من دون ماكياج، وحتى في منزلها لم تكن شغوفة بعالم الألوان ولم تعر اهتماماً كبيراً لشهرتها الفنية التي وصلت أوروبا والعالم في ذلك الزمن الصعب، وتناولتها الصحافة الغربية كما العربية.
محاولة إليسا تأتي في بعدها الإنساني جيدة، لسيدة أو فنانة فقدت ابنها واضطرت للعيش قبل انتحارها مع صديقها، في منزل واحد، ولم توقف نشاطها الفني على الرغم من حزن تفوق عليها.
عن وإلى داني
قبل انتحار بسترس، كانت إعلانات حفلها لليلة رأس السنة تملأ الشوراع والساحات، وقبلها بقليل شاركت الملحن اللبناني الراحل ملحم بركات في بطولة مسرحية "ومشيت بطريقي" التي حققت نسبة مشاهدة عالية جداً، ولم يكن أحد يعلم أنها ستقدم على الانتحار فجأة، وهي في عز تألقها الفنّي.
هكذا تأتي المحاولة مشغولة بهدف، لعله استذكار الراقصة ومأساتها بقالب يتناسب مع كلمات الأغنية ولحنها الهادئ الذي مهّد له الملحن المصري وليد سعد، بطريقة متجانسة مع أسلوب إليسا الغنائي، الذي يميّزها عن غيرها على الرغم من الانتقادات الكثيرة التي تُوجه لها. وتخاطب متابعين عرفوا داني بسترس الفنانة، وها هم اليوم أمام مشهد مقتبس من يومياتها، مع رواية صحافي أجنبي حضر إلى لبنان وقابلها في قصرها البيروتي في منطقة الأشرفية.
صورة تكريمية كما يحاول بعضهم الإيحاء بها، لم تسعفها المبالغة في الشكل ولا الإعلانات التجارية في تحولها يوماً إلى عمل وثائقي محفوظ.