24 يوليو 2017
إلى كلوفيس مقصود: لن نستقيل من الأمل
عرفته في مطلع الثمانينيات، حين كنت في بداية مسيرتي الدبلوماسية، وكان كلوفيس النجم الدبلوماسي العربي في واشنطن ونيويورك. كانت قضيتا فلسطين والعروبة محور طاقاته وقدراته الفائقة. ومن هنا، نشأت علاقتنا الوثيقة وتوطدت مع الوقت.
كانت همومه همومنا، وكذلك كانت الاهتمامات. وما أقوى وأطيب الصداقات المبنية على مثل هذه الأسس والقواسم الجامعة. وربما لهذا لم تصمد صداقتنا وعلاقتنا فحسب، بل تواصلت وتعمقت، على الرغم من انتقالي من واشنطن.
بعدها، جمعتنا عاصمة النور باريس، حيث قضيت فيها عشر سنوات سفيراً، وبقي كلوفيس سفيراً للعروبة، متنقلاً بين دول مختلفة، لكن التواصل بيننا بقي وكأننا نقيم في المكان نفسه. فكم كانت تلك الأيام جميلةً وغنيةً بالتجربة المشتركة.
كانت تربط كلوفيس بباريس مودة خاصة. ربما بتأثير اسمه الفرنسي الذي طالما رفض أن يحجب هويته العروبية التي كانت من صميم شخصيته.
ومن تعبيرات هذه المودة أنه كان يحرص، أحياناً، على توقيت مروره بالعاصمة الفرنسية، في طريقه إلى بيروت، بحيث يتطابق مروره مع عيد ميلاده في السابع عشر من ديسمبر/ كانون الأول، للاحتفال به في باريس. وكنا نشاركه الاحتفال في هذه المناسبة العزيزة، مع لفيف من الأصحاب والأصدقاء المشتركين، بحيث كنا نعتبرها بمثابة مؤتمر سنوي، تختلط فيه بهجة الذكرى بالنكهة الباريسية التي يحبها كلوفيس، مع حلاوة الذكريات.
وقد صادف أن تزامنت واحدةٌ من تلك الاحتفالات بميلاده، مع احتفال سفارة قطر في باريس بجائزة الدوحة عاصمة الثقافة العربية آنذاك. ومن باب التكريم الخاص له، قرّرت السفارة منحه الجائزة، واختار أن يشاركه فيها رئيس وزراء فرنسا السابق، ميشال روكار، تقديراً منه لروكار وللصداقة التي ربطت بينهما.
لم نعرف فقط في كلوفيس الموسوعية الدبلوماسية، إلى جانب مخزونه الفكري، وقدراته وطاقاته الإعلامية والثقافية والسياسية، فهذه، على غزارتها وفرادة تجمعها في شخصه، إلا أنها لا تختصر ميزات كلوفيس، فهو أيضاً شخصية مركبة، تجمع بين إنسانيته المرهفة وظُرف طبعه وسرعة بديهته ومُتعة جلساته. بل أيضاً ترفُّعُه وقدرتُه على بناء الصداقات ونبذ الخصومات، حيث لا أعرف أنه كان يضمر الكراهية لأحد، ولا سمعت من أحدٍ أنه يكره كلوفيس. وهذه الطباع فضيلةٌ يُحمد عليها. وربما كانت الجسر المتين لعلاقاته الغنية على غير مثيل، مع الآخرين.
قبل سنتين، عدت إلى واشنطن سفيراً لقطر. وكأن القدر أراد أن يجمعنا مرة أخرى في العاصمة الأميركية، وأن يغادرنا كلوفيس قبل أيام فيها. أو كأن القدر أراد، أيضاً، أن نقضي آخر سنتين بقربه قبل رحيله. فما مرّ يوم تقريباً من غير تواصلٍ أو اتصالٍ أو لقاءٍ نتبادل فيه أطراف الحديث عن مآسينا الراهنة والتحديات المصيرية التي تواجهنا، والتي شكلت همّه، والتي نتجت عن اصطدام قطار العروبة بداعش والمليشيات الطائفية والمذهبية، كما كان يقول.
لقد غادرنا كلوفيس، ويا للمفارقة، في اليوم نفسه الذي حلت فيه ذكرى تحوليْن تاريخيين نذر نفسه للنضال ضدهما: الذكرى الثامنة والستين لنكبة فلسطين، والذكرى المئوية لسايكس – بيكو. وإذ رحل قبل أن ترحل عنا نكبات الماضي والحاضر، إلا أنه بقي يردّد، حتى يومه الأخير، أن الاستقالة من الأمل ممنوعة.
ووفاءً له، نقول إننا لن نستقيل.
كانت همومه همومنا، وكذلك كانت الاهتمامات. وما أقوى وأطيب الصداقات المبنية على مثل هذه الأسس والقواسم الجامعة. وربما لهذا لم تصمد صداقتنا وعلاقتنا فحسب، بل تواصلت وتعمقت، على الرغم من انتقالي من واشنطن.
بعدها، جمعتنا عاصمة النور باريس، حيث قضيت فيها عشر سنوات سفيراً، وبقي كلوفيس سفيراً للعروبة، متنقلاً بين دول مختلفة، لكن التواصل بيننا بقي وكأننا نقيم في المكان نفسه. فكم كانت تلك الأيام جميلةً وغنيةً بالتجربة المشتركة.
كانت تربط كلوفيس بباريس مودة خاصة. ربما بتأثير اسمه الفرنسي الذي طالما رفض أن يحجب هويته العروبية التي كانت من صميم شخصيته.
ومن تعبيرات هذه المودة أنه كان يحرص، أحياناً، على توقيت مروره بالعاصمة الفرنسية، في طريقه إلى بيروت، بحيث يتطابق مروره مع عيد ميلاده في السابع عشر من ديسمبر/ كانون الأول، للاحتفال به في باريس. وكنا نشاركه الاحتفال في هذه المناسبة العزيزة، مع لفيف من الأصحاب والأصدقاء المشتركين، بحيث كنا نعتبرها بمثابة مؤتمر سنوي، تختلط فيه بهجة الذكرى بالنكهة الباريسية التي يحبها كلوفيس، مع حلاوة الذكريات.
وقد صادف أن تزامنت واحدةٌ من تلك الاحتفالات بميلاده، مع احتفال سفارة قطر في باريس بجائزة الدوحة عاصمة الثقافة العربية آنذاك. ومن باب التكريم الخاص له، قرّرت السفارة منحه الجائزة، واختار أن يشاركه فيها رئيس وزراء فرنسا السابق، ميشال روكار، تقديراً منه لروكار وللصداقة التي ربطت بينهما.
لم نعرف فقط في كلوفيس الموسوعية الدبلوماسية، إلى جانب مخزونه الفكري، وقدراته وطاقاته الإعلامية والثقافية والسياسية، فهذه، على غزارتها وفرادة تجمعها في شخصه، إلا أنها لا تختصر ميزات كلوفيس، فهو أيضاً شخصية مركبة، تجمع بين إنسانيته المرهفة وظُرف طبعه وسرعة بديهته ومُتعة جلساته. بل أيضاً ترفُّعُه وقدرتُه على بناء الصداقات ونبذ الخصومات، حيث لا أعرف أنه كان يضمر الكراهية لأحد، ولا سمعت من أحدٍ أنه يكره كلوفيس. وهذه الطباع فضيلةٌ يُحمد عليها. وربما كانت الجسر المتين لعلاقاته الغنية على غير مثيل، مع الآخرين.
قبل سنتين، عدت إلى واشنطن سفيراً لقطر. وكأن القدر أراد أن يجمعنا مرة أخرى في العاصمة الأميركية، وأن يغادرنا كلوفيس قبل أيام فيها. أو كأن القدر أراد، أيضاً، أن نقضي آخر سنتين بقربه قبل رحيله. فما مرّ يوم تقريباً من غير تواصلٍ أو اتصالٍ أو لقاءٍ نتبادل فيه أطراف الحديث عن مآسينا الراهنة والتحديات المصيرية التي تواجهنا، والتي شكلت همّه، والتي نتجت عن اصطدام قطار العروبة بداعش والمليشيات الطائفية والمذهبية، كما كان يقول.
لقد غادرنا كلوفيس، ويا للمفارقة، في اليوم نفسه الذي حلت فيه ذكرى تحوليْن تاريخيين نذر نفسه للنضال ضدهما: الذكرى الثامنة والستين لنكبة فلسطين، والذكرى المئوية لسايكس – بيكو. وإذ رحل قبل أن ترحل عنا نكبات الماضي والحاضر، إلا أنه بقي يردّد، حتى يومه الأخير، أن الاستقالة من الأمل ممنوعة.
ووفاءً له، نقول إننا لن نستقيل.