إلى القوميين والإسلاميين

12 يونيو 2014
+ الخط -
يدرك متابع الإعلام العربي، في مجمله، والصراع الإعلامي المحتدم بين القوميين والإسلاميين، في البلاد العربية، حجم التحديات التي تواجهها الأمة العربية، ويشفق على أمة تعاني من أزمات خانقة، ونخبها غارقة في معارك كلامية، لا طائل منها، وتتخفى هذه النخب، تحت مسميات مضى عليها الزمن، ولا توفر جهداً في اجترار أزمات، واستدعاء صراعات، فات وقتها، ولم تعد لها ضرورة.

غابت عن قطاع واسع من النخب العربية، في صراعاتها، قيم العدل والإنصاف والموضوعية، لتحل محلها الاتهامات السريعة، والردود الفجة، المحملة بالتهجم، والغارقة في التبسيط السطحي. وما هذه الألعاب البهلوانية النخبوية، في أغلبها، إلا استجابة لرغباتٍ ونزعاتٍ عند بعضهم، لإعادة عقارب الساعة إلى الماضي البعيد، وضخ دماء جديدة، في معارك كلامية سابقة، أغرقت الأمة، على الدوام، في موجة من المهاترات والمماحكات التي لا قيمة لها، ولا طائل منها، فلو تحاور الإسلاميون والقوميون بشأن الأفكار والرؤى خاصتهم، وحكموا أحاديثهم بمبادئهم، وأفكارهم، لكان ذلك خيراً لهم، وأفضل لنا، بما في أسلوب الحوار، والجدل المحترم، والمتحضر، من مزايا تنعكس على المتحاورين، والمتحاور بشأنهم.

من المفروض أن يتم نقاش تاريخنا، وماضينا، بوعي ومسؤولية، حتى نستخلص منه العبر، لا من أجل أن يكون مثاراً للنعرات، ونبش الجراح، بل للتصالح مع تاريخنا، ببناء علاقة نقدية علمية معه، واستثمار عناصر القوة فيه وتجاوز الأخطاء وتجنب تكرارها. لكن رهطاً شاسعاً من النخب العربية لا يريد ذلك. بالتالي، نجدهم غارقين، اليوم، في نقاشاتٍ تفتقد وضوح المعالم والمُراد، حيث تريد هذه النخب أن تبقى في المربع نفسه، من دون أن تتجاوزه إلى عمل مُثمر، يضع بالحسبان، ما تواجهه الأمة، بأكملها، من مخاطر استعمارية وتفتيتية طائفية.

إنها، حقاً، معضلة عويصة، جعلت الأمة تراوح مكانها، نظراً لاستغلال التاريخ إعادة إنتاج أسوأ ما فيه، من خلال تفريخ الصراعات، واجترار الخصومات، وصناعة الأزمات، فبدل أن يكون الزمن جزءاً من العلاج، صار جزءاً من الإشكال، وعقبة في سبيل تخطي التناقضات الداخلية، التي يمكن تجسيرها، في الطريق إلى التناقض الأساسي مع الاستعمار والدكتاتوريات.

ثم أين أمست القومية مما نحن فيه اليوم، ودعاوي الفرقة والتشرذم، تسمع من كل ناحية وصَوْب، والأدهى، أنها تلقى مستمعين يطربون لها. كيف نفهم حديث شخصيات قومية في بلادنا دافعت عن أنظمة فاسدة، وصفقت للمتمردين على إرادة الشعوب، والانقلابيين، ثم تتحدث، الآن، عن دعم الشعوب وخياراتها، وعن النظريات القومية، والقيادات التاريخية، هل هذه القومية التي نادت بوحدة الأمة العربية، والتخندق مع قضاياها الكبرى، أم أننا في وقت تجنب النقد، والبعد عن تسمية كلٍ بمسماه. للإسلاميين أيضاً، أخطاؤهم الواضحة، في الممارسة السياسية، وإن كانوا اليوم في موقع المظلوم، والمُفترى عليه، من بعض النخب ووسائل الإعلام الانقلابية، التي تتبنى خطاباً موغلاً في العنصرية ضدهم، وتشكك في أهليتهم لممارسة السياسة، وحقهم في الحكم.

أيها القوميون، أيها الإسلاميون، عليكم تجاوز الصراعات القديمة، والتوقف عن هدر الوقت والجهد، وتبديد عناصر قوة الشعوب العربية، وأن تستبدلوا الصراخ العالي بالنقاشات الهادئة، والكتابات الرصينة، والردود المفيدة، بعيداً عن التربص والتصيد، لبعضكم البعض، شعوبكم واحدة، ومصالحها واحدة، وحريتها وحدة واحدة لا تتجزأ، فلا مكان لقبول المطالبة بحرية شعب عربي، ونفي هذا الحق عن شقيقه. عليكم أن تدركوا، أن ذائقة الشعوب قد تطورت، وعقليتها قد تغيرت، لذلك لم يعد لبرامج المناكفة الفارغة، من لزوم، فأسلوب النقاش، والحوار العصبي، الذي طالما غذته الأنظمة القمعية، تجاوزه الزمن العربي الجديد، وتعداه.

إذن؛ لا معنى لتحميل القوميين العرب مسؤولية أوزار الأنظمة العربية القمعية، فهي في أغلبها أنظمة شخصانية، وعائلية، ترفع شعارات قومية، أو شبه تقدمية، للاستهلاك الداخلي فقط، في المقابل، لا توجد سخافة أكبر من اتهام الإسلاميين بالتبعية لأميركا، فليس لأميركا من أصدقاء في المنطقة العربية، بقدر إسرائيل، ومن يسهر على حمايتها وخدمتها، وهم كثر فعلاً، لكنهم معروفون لشعوبهم. بل ينبغي علينا أن نتخلى عن لغة الاتهامات الخشبية الممجوجة، وأن نناقش الحقائق، بتجرد وموضوعية، وأن نحذر من نكء الجراح وتغذية الصراعات البينية، وأن نقدم لشعوبنا حواراً راقياً، يليق بوعيها ونضالها المُشرف، ويجب أن يكون همنا مركزاً، في كيفية اجتراح مشاريع سياسية، ورؤى فكرية، تخدم حريتنا واستقلالنا. 
 
825BAA0B-4A74-4D79-8F65-F926301BAD91
825BAA0B-4A74-4D79-8F65-F926301BAD91
محمد فال الشيخ (موريتانيا)
محمد فال الشيخ (موريتانيا)