بخلاف الأعوام السابقة، استقبلت نساء السودان حملة "16 يوماً لمناهضة العنف ضدّ المرأة" بتلقّي أخبار سارّة، وذلك بعد مصادقة مجلس السيادة ومجلس الوزراء في البلاد على مشروع قانون ينهي العمل بـ"قانون النظام العام والآداب العامة" سيّئ السمعة الذي كان أشبه بسيف مسلط على السودانيات، علماً أنّه كان قد وضع في خلال حكم الرئيس المخلوع عمر البشير لتنظيم لباس النساء والآداب العامة مع معاقبة المخالفات والمخالفين بالجلد.
وبمناسبة إطلاق الحملة العالمية السنوية للقضاء على العنف ضدّ المرأة والفتاة، التي بدأت يوم 25 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري على أن تستمر حتى 10 ديسمبر/ كانون الأوّل المقبل، تعهّدت وزيرة العمل والتنمية الاجتماعية السودانية لينا الشيخ بمكافحة كل أشكال العنف ضد المرأة وبمراجعة القوانين والتشريعات الحالية المقيّدة لحرية المرأة أو إلغائها، بالإضافة إلى ضمان الحقوق الأساسية القانونية والسياسية للمرأة إلى جانب توفير الأمن لها. وقد أوضحت الشيخ في مؤتمر صحافي أنّ حكومة السودان تسعى بكلّ ما تملك لتعزيز القدرات لمكافحة كل أساليب العنف ضدّ المرأة ومظاهره. وبالفعل، استجاب مجلس الوزراء السوداني، في جلسته التي عقدها الثلاثاء في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، لمطالب النساء القديمة فألغى "قانون النظام العام والآداب العامة" في المركز والولايات، وقد دخل الإلغاء حيّز التنفيذ بعد اجتماع مشترك بين مجلس الوزراء ومجلس السيادة مساء الخميس في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني.
وكان تطبيق "قانون النظام العام والآداب العامة" قد بدأ بولاية الخرطوم في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وهو يتكوَّن من سبعة فصول تفرض مجموعة من المحظورات والعقوبات، قليل منها يتعلّق بالمرأة، غير أنّه طُبّق خصوصاً على النساء فتمّت محاكمة كثيرات منهنّ بسبب ملبسهنّ. في السياق، رحّبت الناشطة الحقوقية ومديرة "مركز سيما لدراسات المرأة والطفل"، ناهد جبر الله، بالمصادقة على مشروع قانون إلغاء قانون النظام العام والآداب العامة، وقد عدّت ذلك "نصراً كبيراً للمرأة السودانية ونضالاتها في السنوات الماضية". وأضافت جبر الله لـ"العربي الجديد" أنّ "ثورة السودانيين المجيدة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي والتي أدّت فيها النساء السودانيات دوراً كبيراً، عبّدت الطريق لهنّ حتى يحقّقنَ مكاسب مستمرّة. وقرار مجلس الوزراء الأخير أتى يلمس جوهر هموم المرأة السودانية. وكلّي أمل بأن تذهب الحكومة أبعد من ذلك مع مزيد من التعديلات على القوانين التي تنتهك حقوق المرأة، بالإضافة إلى موائمة القوانين المحلية بالقوانين الدولية". وشدّدت على "ضرورة تعديل قانون الأحوال الشخصية الذي يجيز زواج القاصرات ولا يجرّم ختان الإناث".
من جهتها، تحدثت الناشطة والسكرتيرة العامة لمبادرة "لا لقهر النساء"، أميرة عثمان، عن "الفروقات ما بين حملة 16 يوماً الحالية في عهد الثورة وحملة العام السابق إبان عهد المخلوع البشير". وأضافت عثمان لـ"العربي الجديد" أنّ "المرأة ما زالت ترزح تحت وطأة القوانين التي تقيّد من حريّتها، غير أنّ الأجواء الثورية تتيح المجال أمام تقديم أعمال جيدة لخدمة قضايا المرأة، في مقدّمتها الوعي مع تقديم مذكرات ومطالبات من أجل اكتساب الحقوق التي تضمن عدم تعرّضها إلى العنف". ووصفت عثمان إلغاء قانون النظام العام والآداب العامة بأنّه "خطوة جيدة، لكنّها غير مكتملة الأركان"، شارحة أنّ ذلك "لم يشمل مواد سيّئة الذكر كان قد ارتكز عليها القانون من القانون الجنائي". وتابعت عثمان أنّ "الشعب السوداني، قبيل صدور الإلغاء، عمد إلى كسر كثير من التابوهات التي تفرض قواعد للسلوك العام بقوّة القانون"، لافتة إلى "تجاهل الناس نصوصاً من قبيل منع الرقص المختلط، وترك المقاعد العشرة الأولى في المركبات العامة للنساء، وإغلاق المحال التجارية في أوقات الصلاة، وغير ذلك".
والعنف الذي تتعرّض له المرأة في السودان بالنسبة إلى معنيين كثيرين، لا تتحمّل مسؤوليته القوانين السارية في البلاد ولا الدولة فحسب، إنّما هو نتاج تراكم عادات وتقاليد وثقافات اجتماعية يُضاف إليها جهل المرأة نفسها بحقوقها وواجباتها التي يحدّدها الدستور والقوانين بصورة واضحة. وعبّرت الصحافية إيمان كمال الدين عن أملها بأن تؤدّي حملة الأيام الستّة عشر إلى "مزيد من النتائج الإيجابية لمصلحة المرأة في ما يتعلّق بوقف العنف على أساس النوع". وأكدت لـ"العربي الجديد" أنّ "معاناة المرأة في المجتمع السوداني لا تعود إلى عهد النظام السابق، بل إلى ما قبله بكثير، في ظلّ غياب الوعي الواجب بثّه، مع لفت نظر المجتمع إلى ما تعانيه المرأة وتحسين نظرة الرجل إليها"، مشدّدة على أنّه "لا بدّ من تعريف واضح لمفهوم العنف ضدّ المرأة". وتتوقّع كمال الدين أن "تقود خطوة إلغاء قانون النظام العام والآداب العامة وكذلك المطالبات بالتوقيع على اتفاقية سيداو (للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) وعلى القوانين الدولية الأخرى، إلى الاصطدام بالمجتمع"، شارحة أنّ "تركة النظام السابق ثقيلة، الأمر الذي يجعل المضيّ قدماً بهذه المطالبات من دون جدوى في الواقع. لكنّ ما حصل يُعَدّ خطوة على الطريق".
أمّا الناشط في المجال القانوني، المعزول حضرة، فقال لـ"العربي الجديد" إنّه "من الطبيعي أن تجد المرأة السودانية مكانها بعد الثورة المجيدة"، مشدداً على "ضرورة مواكبة القوانين لمبادئ حقوق الإنسان". وأوضح أنّه "بعد إلغاء قانون النظام العام والآداب العامة من قبل مجلس السيادة ومجلس الوزراء، فإنّ المرأة السودانية تكون قد حقّقت نصرها الأوّل، ما يفرض إلغاء مزيد من القوانين التي تجيز العنف ضدّ المرأة".