إقامات الجزائر الجامعية... قتل وتحرش وخدمات مهترئة

15 فبراير 2019
اهتراء الإقامات الجامعية يشكل خطراً على حياة الطلبة(العربي الجديد)
+ الخط -
لم يفق العشريني الجزائري سفيان عبد الحق، الطالب في كلية العلوم السياسية بـ"جامعة الجزائر 3" الحكومية من الصدمة التي يعيشها مع زملائه، عقب مقتل طالب الطب أصيل بلالطة، ذبحا في غرفته بإقامة (مدن جامعية) طالب عبد الرحمن الجامعية وسط العاصمة في 10 فبراير/شباط الجاري.

سفيان الذي يقيم حيث كانت معيشة أصيل، يعتقد أنه لن ينسى هذه الذكرى الأليمة التي لا يمكن محوها من أذهان جميع الطلاب الذين عاشوا في قلق وعائلاتهم بعد الحادثة، التي تعد ذروة ملف تدهور الإقامات الجامعية، وفق ما يكشف عنه تحقيق "العربي الجديد".


اعتداءات وتحرش

لا يعد الاعتداء على أصيل حادثة فردية، إذ تسجل الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان (مستقلة) أزيد من 200 اعتداء على الطلاب خارج أسوار الجامعة والإقامات الجامعية سنويا دون احتساب التحرش الذي تتعرض له الطالبات يوميا، بحسب تأكيد عبد الرحمن ياحي المكلف بالحركات الجمعوية والنقابات بالرابطة لـ"العربي الجديد"، وهو ما يقلق الطالب فريد هادف الذي يعيش في الإقامة الجامعية التي قتل فيها بلالطة، إذ لم يكن يستبعد حدوث عمليات سرقة أو بعض الاعتداءات البسيطة بين الفينة والأخرى، لكنه لم يتصور كغيره، أن تصل الحوادث إلى حد القتل بسبب التراخي الأمني داخل الإقامة الجامعية كما يقول لـ"العربي الجديد".

وتعد حادثة قتل أصيل الثانية هذا العام، بعد مقتل الطالب الجامعي الزيمبابوي ندودزو بروسبر (25 عامًا)، بولاية عنابة 500 كم شرقي العاصمة أمام باب الإقامة في 5 فبراير/شباط الجاري بحسب الأمين العام للاتحاد العام الطلابي الحر صلاح الدين دواجي، الذي قال لـ"العربي الجديد": "إقامات عدة، عرفت بدخول الغرباء بشكل متزايد، وهذا ما نلمسه في إقامات (أولاد فايت وسعيد حمدين) بالعاصمة".

وشهدت الإقامة الجامعية للبنات بولاية برج بوعريريج الواقعة في الشرق الجزائري حادثة أقل خطورة الشهر الماضي، إثر دخول شخص في حالة سكر ليلا إلى أجنحة الطالبات وترويعهن، ما أدى إلى إغمائهن ونقلهن إلى المستشفى دون محاسبة المتسبب في ذلك بحسب دواجي، معيدا سبب هذه الاعتداءات إلى انعدام الأمن ونقص الأعوان المكلفين بذلك، إذ إن عدد الأعوان لا يتجاوز الخمسة في إقامة تؤوي أكثر من ألف طالب، وهو ما يؤكده عبد الحفيظ ميلاط المنسق الوطني للمجلس الوطني لأساتذة التعليم العالي.

أدى تدهور الأوضاع في الإقامات الجامعية إلى دعوة المجلس الوطني لأساتذة التعليم العالي إلى تنظيم ندوة وطنية (مؤتمر) لوضع خطة واضحة للحد من ظاهرة العنف داخل الوسط الجامعي، مع فتح تحقيق فوري في عمل الشركات الأمنية التي تستنزف المليارات دون أن تقوم بأي دور حقيقي وفعلي لتوفير الأمن داخل الوسط الجامعي بحسب ميلاط، وهو المطلب الذي أكده وزير التعليم العالي والبحث العلمي الطاهر حجار، مشيرا في تصريح صحافي إلى أن الوزارة تقوم بكل ما بوسعها لضبط الأمن داخل الأحياء الجامعية.

واتخذت إدارة الإقامة الجامعية طالب عبد الرحمن، إجراءات أمنية صارمة بعد حادثة القتل، وفق ما شاهده معد التحقيق خلال جولة قام بها في الإقامة، غير أن تردي الخدمات المقدمة للطلاب من إطعام واكتظاظ في الغرف واهتراء بعض الجدران، وانعدام للإنارة والعديد من النقائص والمشاكل الأخرى لا تزال سارية بحسب دواجي.



إقامات جامعية متهالكة وأخرى مغلقة

يكشف الأمين العام لتجمع الطلبة الجزائريين الأحرار نذير عليتسة أن 160 إقامة جامعية من 400 إقامة فيها 629 ألف سرير، موزعة على 67 مديرية للخدمات الجامعية، تحتاج إلى أشغال ترميم، علما أن 15 إقامة على المستوى الوطني مغلقة منذ سنوات، بحسب ما تكشف عنه إحصاءات مديرية الخدمات الجامعية.

وتعاني إقامات جامعية من حالة اهتراء أصبحت تشكل خطرا على حياة الطلبة، أبرزها الإقامة الجامعية "2000 سرير" وإقامة 5 يوليو بولاية أدرار وإقامتا قربازي الصافية وزهير زاهيري بولاية بسكرة وإقامة رحماني ميلود بولاية سيدي بلعباس وإقامتا ابن الرشد وجلولي مباركة بولاية تمنراست، وإقامة آسيا كبير بولاية تيارت، إضافة إلى إقامات جامعية أخرى في عدة ولايات بحسب بيانات تجمع الطلبة الجزائريين الأحرار.



وتسبب التأخر في ترميم الإقامات المهترئة في عام جامعي صعب للكثير من الطلبة، خاصة في الولايات الكبرى التي تعرف اكتظاظا على مستوى الإقامات الجامعية، كما يقول دواجي، والذي استنكر تكرر هذا الوضع مع بداية كل سنة جامعية رغم علم الوزارة بهذه الحالة الكارثية التي يعيشها الطلبة، لكن يبقى تحركها بطيئا، ما يجعل هذه الظروف غير الملائمة للإقامة تتواصل في كثير من المرات طوال أيام الموسم الجامعي، وهو ما وثقه معد التحقيق عبر إفادات 10 طلاب تحدثوا لمعد التحقيق، ومنهم العشريني محمد أمين الطالب في الإلكترونيك بجامعة هواري بومدين الحكومية بالعاصمة الذي يعاني داخل الإقامة الجامعية "باب الزوار 3" منذ بداية مشواره الجامعي قبل 3 سنوات، نتيجة عدم ترميم الإدارة مختلف هياكل الحي الجامعي من حمام وغرف وقاعة الرياضة، بعد القرار الذي اتخذته وزارة التعليم العالي الذي قضى بتجميد عمليات الترميم بكافة الإقامات الجامعية منذ اعتماد الحكومة خطط التقشف في عام 2014، وفق ما قاله لـ"العربي الجديد"، مشيرا إلى وجود تشققات في بعض الغرف، فضلا عن رداءة الوجبات المقدمة، رغم أن هذه المشاكل رُفعت إلى الإدارة أكثر من مرة من قبل الطلبة والتي كان آخرها في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لكن لا شيء منها عولج رغم الوعود التي قدمت لهم كما يقول. وهو الحال الذي ينطبق على عدة إقامات جامعية، بحسب عليتسة، مشيرا إلى اختلاف أشغال الترميم من إقامة إلى أخرى فبعضها يخص المطاعم، وبعضها الآخر يخص الغرف، أو الحمامات، أو قاعات الرياضة.

وهو الوضع الذي لا ينكره المكلف بالإعلام في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي نور الدين زايد، إلى جانب مشاكل أخرى تغرق فيها الإقامات الجامعية في رد على معد التحقيق، لكنه رفض الإجابة على بقية الأسئلة، رغم تقديم المسؤولين في خلية الإعلام بالوزارة في البداية وعودا بتقديم توضيح على تجميد عمليات الترميم وسبب المشاكل التي تعرفها الخدمات الجامعية سنويا.


مليار دولار للخدمات الجامعية

ترصد وزارة التعليم العالي والبحث العلمي 37 بالمائة من الميزانية السنوية الموجهة لقطاع التعليم العالي والبحث العلمي للخدمات الجامعية (النقل والإيواء والتغذية) بحسب دواجي، مضيفا أن هذه النسبة تعادل قرابة المليار دولار كل عام.

وبلغت ميزانية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي (313.336 مليار دينار) (ما يوازي 2.636 مليار دولار) في العام 2018، وفقا للجريدة الرسمية السنوية للجزائر، فيما قدرت الميزانية في العام 2017 بـ 310.791 مليارات دينار (2.615 مليار دولار، في الوقت الذي بلغت 312.145 مليار دينار (2.626 مليار دولار) في عام 2016 وفقا للجريدة الرسمية.

لكن هذه الأموال الضخمة التي تخرج سنويا من الخزينة العمومية لم توجه للطالب لتحسين أوضاع الطلاب، بحسب تأكيد النائب صافي لعرابي عضو لجنة التّربية والتّعليم العالي والبحث العلميّ والشّؤون الدّينيّة بالمجلس الشعبي الوطني (البرلمان) عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي، والذي قال لـ"العربي الجديد": "الإقامات الجامعية ما زالت تعيش اليوم في وضعية كارثية، جعلت الطلبة الذين يشكلون نخبة المجتمع يعيشون في محيط مزر"، وهو ما يؤكده دواجي، مشيرا إلى أن أموال الخدمات الجامعية تذهب ضحية أطماع بعض مسؤولي الإقامات الجامعية ومديري الخدمات الجماعية الولائيين.


مقترحات لم يعمل بها

يرى لعرابي، أن إنهاء مشاكل قطاع الخدمات الجامعية يكمن في التوجه نحو الدعم المالي المباشر للطالب، وليس صبها في خزينة مديرية الخدمات الجامعية، وهو مقترح تشجعه التنظيمات الطلابية، بل إنه يندرج ضمن المطالب الأساسية التي تنادي بتحقيقها، كما يقول الأمين العام للاتحاد العام الطلابي الحر صلاح الدين دواجي.



غير أن الدكتور فارس مسدور، الأستاذ في كلية الاقتصاد والتسيير بجامعة سعد دحلب الحكومية، يرى أن ذلك قد يشكل بابا للتهرب من المسؤولية من قبل الوزارة ويفتح نافذة لإلغاء مجانية التعليم والجامعة العمومية. ويقترح أن يعطى تسيير الإقامات الجامعية للقطاع الخاص، على أن يبقى تحت رقابة الدولة ممثلة في وزارة التعليم العالي.

لكن هذه المقترحات بعيدة المنال، بسبب تأخر وزارة التعليم العالي في عقد الندوة الوطنية لإصلاح الخدمات الجامعية (مؤتمر)، التي وعد الوزير الطاهر بحجار بعقدها منذ عام 2015، ولم يحدث حتى الآن بحسب دواجي، غير أن البرلماني صافي لعريبي يؤكد أن الندوة ستعقد بعد الانتخابات الرئاسية المقررة في 18 إبريل/نيسان المقبل، وفق ما أبلغه به الوزير حجار كما يقول.

وإلى أن تعقد هذه الندوة، تظل مشاكل الإقامات الجامعية، من تأخر عمليات الترميم وسوء خدمات النقل والإطعام وقلة المراجع العلمية في المكتبات، معاناة يومية تكشف عن "مأساة" طلابية ووضع أصبح تأثيره واضحا على مردود الطلاب ومستواهم التعليمي، بحسب الدكتور مسدور.

دلالات