أثارت إقالة وزير الدفاع في حكومة النظام السوري العماد فهد جاسم الفريج، من منصبه، العديد من التساؤلات، لا سيما أنّ النظام لم يقدم على هذه الخطوة في ذروة انكسار قواته وتراجعها أمام المعارضة السورية وتنظيم "داعش"، حيث يرى متابعون أنّ جملة من الأسباب تقف وراءها، أولها تنافس روسي إيراني خفي.
وبينما يرى البعض أنّ هناك صراعاً بين موسكو وطهران للسيطرة على مفاصل القرار في المؤسسة العسكرية التابعة للنظام السوري، يرجّح آخرون أن تكون الانتكاسة التي تعرّضت لها قوات النظام في الغوطة الشرقية بريف دمشق، منذ أيام، السبب المباشر لإقالة الفريج.
وأجرى رأس النظام بشار الأسد، أمس الإثنين، تعديلاً وزراياً مفاجئاً، أخرج بموجبه العماد فهد جاسم الفريج من منصبه كوزير للدفاع، وعيّن بديلاً عنه العماد علي أيوب الذي كان يشغل منصب رئيس أركان في جيش النظام، في مؤشر إلى أنّ الخلافات بدأت تنخر المؤسسة العسكرية، بعد نحو سبع سنوات من حرب النظام على شعبه، جعل من الجيش رأس حربة فيها. وكان الفريج الذي يتحدّر من بلدة الرهجان في ريف حماة الشمالي الشرقي، وسط سورية، قد تسلّم مهامه في منتصف عام 2012 إثر تفجير طاول ما كان يُسمى بـ"خلية الأزمة"، حيث لقي وزير الدفاع آنذاك داوود راجحة مصرعه، إلى جانب عدد من أركان النظام.
ويُعدّ الفريج الذي ينتمي إلى قبيلة "الحديديين" المنتشرة في البادية السورية، من أشدّ المؤيدين للنظام، لذا حافظ على منصبه طيلة سنوات، رغم تراجع سيطرة النظام على البلاد، لا سيما في عام 2015، حيث لم يعد يسيطر إلا على ربع مساحتها فقط.
وقد أثارت هزائم قوات النظام المتلاحقة أمام قوات المعارضة السورية وتنظيم "داعش"، في عامي 2014 و2015، والتي وصلت إلى حدّ تهديد وجود النظام برمته، غضب الشارع الموالي، غير أنّ بشار الأسد لم يجر أي تعديل في المؤسسة العسكرية، وحافظ على الضباط الموالين في وزارة الدفاع، رغم هزائمهم.
ومن المعروف أنّ وزير الدفاع في حكومة النظام لا يتدخل بشكل مباشر في العمليات العسكرية المنوطة بضباط من الطائفة العلوية، هم في الدائرة الضيقة حول رأس النظام، وهذا ما يفسّر بقاء جيش النظام وعدم انهياره بشكل دراماتيكي، رغم انشقاق آلاف الضباط عنه خلال سنوات الثورة منذ 2011.
ويتحدّر وزير الدفاع الجديد علي أيوب (65 عاماً)، من محافظة اللاذقية في الساحل السوري، ويشغل منصب رئيس الأركان في جيش النظام، منذ منتصف عام 2012، وقد "اتبع عدة دورات داخل سورية وخارجها، وحصل على العديد من الأوسمة"، وفق ما ذكرت وكالة "سانا" الرسمية. وتؤكد مصادر في المعارضة السورية، أنّ تغيير وزير الدفاع لم يكن "تعديلاً وزارياً عادياً"، بل تقف وراءه العديد من الأسباب التي لم تكن روسيا بعيدة عنها.
وجاء التعديل الوزاري بعد يومين فقط من هزيمة منيت بها قوات النظام في الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق، حيث حاصرت قوات المعارضة إدارة المركبات العسكرية في مدينة حرستا. وكشف العقيد فاتح حسون، رئيس اللجنة العسكرية في "وفد قوى الثورة العسكري" (وفد المعارضة السورية المسلحة بمحادثات أستانة)، في حديث مع "العربي الجديد"، اليوم الثلاثاء، أنّ "الروس هم وراء إبعاد الفريج من منصبه".
وقال حسون "إنّ أحد أسباب إقالة الفريج، هو انكشاف تواطؤ قوات النظام مع تنظيم داعش أخيراً في ريف حماة الشرقي، حيث اعتبر الروس أن عبور داعش إلى مناطق تقع تحت سيطرة المعارضة السورية من ممرات مكشوفة للنظام، مسرحية ساذجة".
وتابع "كان وزير الدفاع في حكومة النظام فهد الفريج، وهو من إحدى قرى المنطقة، من خطط لذلك بعلم الإيرانيين، ووضع على عاتقه نجاح العملية وعدم انكشافها، بالرغم من تشكيك الإيرانيين بنجاح الخطة".
وأضاف حسون أنّ "الإيرانيين تنصّلوا من المسؤولية، ووضعوا أمام الروس وزير دفاع النظام، ما أدى إلى طلب استبداله".
وكان "وفد قوى الثورة العسكري"، قد سلّم الجانب الروسي في الجولة الثامنة من محادثات أستانة، في كازاخستان، وثائق تثبت تورّط قوات النظام في التنسيق مع تنظيم "داعش" الإرهابي، من أجل تأمين ممرات آمنة لمسلّحيه إلى مناطق تقع تحت سيطرة المعارضة في ريف حماة الشمالي الشرقي، وسط سورية، بهدف خلط أوراق الصراع، ووضع المعارضة وجهاً لوجه أمام تنظيم "داعش".
وبينما يُعتبر الفريج أحد رجال إيران في جيش النظام، يؤكد حسون أنّ أيوب هو "رجل روسيا في جيش النظام"، مضيفاً أنّ "من طلب وضعه في منصب وزير الدفاع هم الروس أنفسهم".
بدوره، أكد ضابط منشق عن جيش النظام، فضّل عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أنّ وزير الدفاع الجديد في حكومة النظام "اتبع دورة ركن أربع سنوات في روسيا"، مرجّحاً أن يكون أيوب أحد الضباط الذين يعتمد الجانب الروسي عليهم في جيش النظام".
ورأى المصدر أنّ تغيير وزير الدفاع "يأتي في سياق صراع إيراني روسي خفي، للسيطرة على مفاصل القرار في سورية، لا سيما في المؤسستين العسكرية والأمنية"، مرجّحاً أن يكون التعديل الوزاري الجديد "جزءاً من تعديل أكبر ربما يطاول النظام نفسه خلال العام الجديد".
أما المحلّل العسكري العقيد مصطفى بكور، فاعتبر أنّ تغيير وزير الدفاع في حكومة النظام، "يمكن تفسيره من عدة زوايا؛ منها انتهاء العمر القانوني لفهد الفريج، وبالتالي يمكن اعتبار تغييره أمراً طبيعياً".
وأشار بكور، في حديث لـ"العربي الجديد"، اليوم الثلاثاء، إلى أنّ انشقاق عدد من قوات "درع القلمون" التي تتبع للنظام، إلى جانب قوات المعارضة، في معارك الغوطة الشرقية بريف دمشق، منذ أيام، ربما يكون وراء إقالة الفريج.
وتشكّلت قوات "درع القلمون" من مقاتلين تابعين للمعارضة، قاموا بتسوية أوضاعهم لدى النظام في منطقة القلمون في ريف دمشق، بينما عمد النظام إلى زجّهم في معركة إدارة المركبات، غير أنّ قسماً منهم انحاز إلى قوات المعارضة، وهو ما أدى إلى فوضى في قوات النظام انتهت بحصارها داخل الإدارة.
وأضاف بكور أنّ "النظام يحتاج إلى كبش محرقة يعلّق عليه فشله في إدارة المعركة في الغوطة الشرقية، ولم يجد أنسب من الفريج، باعتبار أنّ المصالحات كانت تتم بإدارة روسية، وباسم وزارة الدفاع".
ولا يستبعد المتحدث أن يكون "تخاذل شبيحة في منطقة أبو دالي بريف حماة الشرقي، ينتمون إلى عشيرة الفريج، جعل موقف الأخير ضعيفاً، ومن ثم تمت الإطاحة به"، بحسب قوله.
ويعتمد جيش النظام السوري بشكل كامل على السلاح والتدريب الروسي منذ عام 1963، ويتبع أغلب ضباطه دورات تدريبية في روسيا، فضلاً عن دعم موسكو له منذ تدخلها بالأزمة السورية إلى جانب النظام، في عام 2015.