وبعدما حذر السيناتور الجمهوري ليندزي غراهام، أمس الأحد، من أنه "إذا طرد ترامب المحقق مولر، فستكون بداية النهاية لرئاسته"، يكون ترامب قد أضحى أمام أكثر مراحل ولايته الرئاسية دقّة. وجعل الرئيس الأميركي من الإقالات الأخيرة، فرصة لتطويق مولر، ودفعه لإنهاء ملف التحقيقات الروسية، خصوصاً عبر إقالة أندرو ماكيب، لتصبح معركته مع الجهاز الاستخباري الأهم في الولايات المتحدة، وأشرس مما كانت عليه بعد الإطاحة سابقاً، بمدير المكتب، جيمس كومي، مع إبداء الأخير استعداده لخوض معركة طويلة مع ترامب، في ظلّ تأييد المدير السابق لـ"إف بي آي"، جون برينان، الذي اعتبر أن "ترامب سينتهي في مزبلة التاريخ".
ومن شأن فتح معركة مع مولر أن يرتدّ سلباً على ترامب، لأنها ستؤدي إلى كسر أحد الطرفين. وفي حالة ترامب، فإن التحقيقات الجارية وصلت إلى مفصلٍ مصيري، يتحدّد فيه مساره الرئاسي، فإما لا يُكمل ولايته فيُقال من منصبه، ويُسلّم البيت الأبيض، إلى نائبه، مايك بنس، الذي يستمرّ رئيساً حتى عام 2020، وإما يُقال مولر، مع ما يستدعيه ذلك من احتمالات مساءلة ترامب في الكونغرس، بمجلسيه (الشيوخ والنواب)، أو ترك الرجل يصل إلى خواتيم تحقيقاته، والتي باتت تدور حول شخص ترامب وأولاده وصهره جاريد كوشنر وشركاته واتصالاته.
وكان ترامب قد أشاد بإقالة ماكيب على يد وزير العدل جيف سيشنز قبل يومين فقط من حلول موعد تقاعده ونيله تعويضاً كاملاً عن نهاية الخدمة، معتبراً أنه "يوم عظيم للديمقراطية"، وكتب ترامب في تغريدة على "تويتر"، أعقبت الإقالة "أندرو ماكيب مطرود، يوم عظيم لرجال ونساء إف بي آي الذين يعملون بجد، يوم عظيم للديمقراطية". وأضإف أن "جيمس كومي (المدير السابق لإف بي آي) الذي يدعي التهذيب، وجعل ماكيب يبدو كالجبان، كان يعلم بالأكاذيب والفساد المنتشر في أعلى مستويات إف بي آي". وكان سيشنز قد أمل في أن "تتيح هذه الخطوة في إنهاء التحقيق في تواطؤ محتمل بين حملة الرئيس الانتخابية وروسيا". وفي معرض تفسير الإقالة ذكرت وزارة العدل أن "تحقيقاً داخلياً أظهر أن ماكيب أدلى بتصريحات إلى الاعلام من دون إذن، ولم يكن صادقاً تماماً في العديد من المناسبات مع المفتش العام في الوزارة". وذكر سيشنز أن "إف بي آي يتوقع من كل موظف الالتزام بأعلى معايير الصدق والنزاهة والمسؤولية"، مضيفاً بأنه "تمّ اتخاذ القرار بعد تحقيق واسع ونزيه". مع العلم أن ترامب ردد بأنه "هناك قدر كبير من الكذب والفساد والتسريب في وزارتي العدل والخارجية وإف بي آي".
لكن معارضي قرار الإقالة اعتبروا أنه "مخطط خطير يهدف إلى التقليل من مصداقية مكتب التحقيقات الفدرالي، وكذلك من عمل روبرت مولر". وماكيب الذي كان مساعداً لكومي الذي أقاله ترامب السنة الماضية، شاهد أساسي في تحقيقات مولر. وكان جون دود المحامي الشخصي لترامب أبدى أمله لموقع "ديلي بيست" يوم السبت الماضي، بأن "يحذو نائب وزير العدل رود روسينشتاين حذو مكتب إف بي آي للمسؤولية المهنية، وينهي التحقيق حول شبهات التواطؤ الروسي التي فبركها مدير ماكيب السابق جيمس كومي بناء على ملف مزور وفاسد". وفي البداية قال دود للموقع إنه "يتحدث نيابة عن ترامب"، لكنه في تصريح لاحق أشار إلى أنه "كان يعبّر عن رأيه الشخصي ولا يتحدث نيابة عن الرئيس".
وجاءت إقالة ماكيب قبل يومين فقط من بدء تقاعده بعد 21 عاماً أمضاها مع مكتب التحقيقات الفدرالي. ودفعت الإقالة إلى رفع منسوب المخاوف المحيطة بالتحقيقات الروسية، ورأى معارضو الرئيس أن "ترامب قد يكون يخطط لطرد مولر ما قد يؤدي إلى أزمة دستورية". مع العلم أن مولر يتابع أيضاً مسألة ما إذا كان ترامب عرقل سير العدالة بما يشمل قراره إقالة كومي".
ردّ ماكيب بشكل قاسٍ نافياً أي خطأ في السلوك، وقائلاً إنه "ضحية حرب بين إدارة ترامب وإف بي آي والمجلس الخاص الذي يحقق في اتهامات التدخل الروسي في الانتخابات". وأضاف أنه "يتم استهدافي ومعاملتي بهذه الطريقة بسبب الدور الذي أديته والخطوات التي اتخذتها والأحداث التي شهدتها عقب إقالة جيمس كومي". وتابع أن "تحقيق المفتش العام أصبح جزءاً من مساعٍ غير مسبوقة تبذلها الإدارة بدفع من الرئيس نفسه لإقالتي وتدمير سمعتي، وربما تجريدي من تقاعدي الذي عملت 21 عاماً لكي أكسبه". وذكرت صحيفة "واشنطن بوست"، أن "ماكيب قال إنه لا يزال يحتفظ بالمذكرات التي تبادلها مع ترامب، وهذا من شأنه أن يعزز روايته للأحداث".
وأعرب كومي أيضاً عن رفضه لما كتبه ترامب وتوجّه في تغريدة على "تويتر"، إلى ترامب قائلاً: "سيدي الرئيس، سوف يسمع الشعب الأميركي قصتي قريباً جداً، وبإمكانهم أن يحددوا بأنفسهم من هو المستقيم ومن ليس كذلك". وفي رد لاذع على ترامب، كتب المدير السابق لـ"إف بي آي" جون برينان تغريدة على موقع "تويتر"، مساء السبت، متوجهاً إلى ترامب، جاء فيها: "حين يتضح النطاق الكامل لفسادك وانحطاطك الأخلاقي وفسادك السياسي، ستأخذ مكانك المناسب كديماغوجي منبوذ في مزبلة التاريخ". كما أعرب إريك هولدر، وزير العدل السابق في إدارة باراك أوباما، عن قلقه من القرار.
(العربي الجديد، فرانس برس رويترز)