إفطارات اليمنيين: التكافل والضيافة والمساجد

23 يونيو 2015
من يوميات اليمنيين الرمضانية (الأناضول)
+ الخط -
اعتادت كلّ أم يمنية تجهيز كيس الإفطار على عجل، وإعطاءه قبل أذان المغرب بدقائق إلى الأولاد من أجل التوجّه به إلى آبائهم، المتواجدين في فناءات المساجد حيث يجتمعون بحلقات دائرية، يخلطون محتويات أكياسهم، حتّى من دون سابق معرفة.

طريقة الإفطار لها حضورها الخاصّ في أوساط المجتمع اليمني. وأبرز أبطالها وجبة "الشفوت" التي تصنع بنوع من خبز "اللحلوح". بالطبع يبقى التمر "سيّد" المائدة. وكان اليمنيون قديماً يستعينون ببعض اللبن، أما اليوم فصارت "السمبوسة" في المقدّمة بعد التمر، إضافة إلى الشوربة والحامضة (الحلبة مع قليل من الخلّ). كما انتشرت ابتكارات جديدة إلى مختلف أرجاء المناطق اليمنية، بعضها من صنع المرأة اليمنية، وبعضها الآخر مأخوذ عن بلدان عربية أخرى.

وإذا انتقلنا إلى محافظات صعدة والجوف ومأرب، هناك في أقاصي المناطق الشمالية لليمن، على مشارف المناطق المتاخمة للمملكة العربية السعودية، ما زال الأهالي حتّى يومنا هذا يبدأون فطورهم بالتمر، مع القهوة المطبوخة بدون القشر، ويسمّونها "صافي".
وخلافاً للقهوة العربية المعروفة في الخليج والعراق والشام، فإنّ القهوة في هذه الجهات لا تحمّص على النار حتّى يتغير لونها إلى البني الداكن أو الأسود. فاليمنيون يفّضلون طبخ بذرة القهوة بهيئتها الطبيعية ويدقّون لها كمية كبيرة من "الهيل" المعروف أحياناً باسم "الزر"، ولا يضيفون لها السكّر إطلاقاً.

في الأرياف
تلك هي عادات أبرز المدن الكبيرة في طريقة الإفطار. أما في الأرياف فالحالة متعدّدة الصور، وتتباين بعض الشيء من قرية إلى أخرى. فبعض القرى اليمنية الكبيرة باتت تحاكي المدن الكبيرة في ذلك التقليد.

هناك قرى أخرى لا يحمل رجالها معهم شيئاً إلى المساجد. بل يكتفون بفرش بساط كبير، وينتظرون أن تقوم بيوت القرية بإرسال أطباق الطعام إلى المسجد بأيدي الأطفال، أو الفتيان، فتُجمع كلّها بغير ترتيب، أو تخصيص، ليلتقي عليها جميع أبناء القرية وقت الإفطار.

لكنّنا نجد في عددٍ من القرى تقليداً مختلفاً قليلاً عن سابقه، وهو أن تتولّى كلّ أسرة إرسال صحن كبير في داخله أصناف مختلفة من الأطعمة (البعض يسميه "سُفرة"، وفي مناطق أخرى يسمونه "صينية"). ويكون هذا الصحن مخصّصاً لأفراد أسرة بعينها، هي التي تدعو إليه من شاءت.

إقرأ أيضاً: رمضان اليمن: شتات القنوات والمشاهدين

وقد جرت العادة أن تتسابق الأسر في دعوة الغرباء، أو عابري السبيل، أو المساكين، إلى سُفرتها. أما إذا كان في القرية بعض الضيوف المقيمين لأيام عدّة، فإنّ العُرف السائد في هذه الجهات أن تنتقل الضيافة الرمضانية من أسرة إلى أخرى. وهو ما يتمسّك به الجميع، إن بدافع الكرم العربي، أو كنوع من التكافل الاجتماعي، يخفّف أعباء الضيافة عن ربّ الأسرة المضيفة، ما يعطي انطباعاً جيداً عن القرية، أو القبيلة برمتها. إذ إنّ سمعة كلّ فرد من القبيلة هي جزء لا ينفصل عن سمعة الكلّ.
المساهمون