يضع إعلان الحرب على الجنوب، الذي أطلقه زعيم الحركة الحوثية المسلحة، أمس الأول الأحد، الاقتصاد اليمني على حافة الهاوية، ويهدد بتفاقم الأزمات المعيشية والإنسانية، في بلد يقبع أكثر من نصف سكانه تحت خط الفقر، من بينهم أكثر من عشرة ملايين شخص مهددون بانعدام الأمن الغذائي.
وجاء قرار الحرب من جماعة الحوثي المتحالفة مع الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح،
على المحافظات الجنوبية، بعد يوم من إعلان اللجنة الثورية الحوثية الحاكمة لشمال البلاد، التعبئة العامة.
وبالتزامن مع إعلان الحرب، واصل الحوثيين حشد قواتهم في مدينة تعز على الحدود مع المحافظات الجنوبية، بعد يومين من سيطرتهم على المدينة.
وأدى اجتياح الحوثيين لمدينة تعز (265 كم جنوب صنعاء) إلى شلل في الحركة التجارية، نتيجة توتر الوضع في المدينة، وأكد شهود عيان لـ"العربي الجديد": أن المحلات التجارية في المدينة وشركات الصرافة والبنوك أغلقت أبوابها منذ صباح الأحد، بعد توافد مسلحين حوثيين وأفراد من الأمن الخاص إلى تعز، قادمين من صنعاء.
ودعا ناشطون في تعز إلى تنفيذ عصيان مدني، يشمل إغلاق المحلات التجارية، والامتناع عن سداد فواتير الكهرباء والماء والهاتف وغيرها من الخدمات، احتجاجا على سيطرة الحوثيين على مدينتهم.
وسيطرت قوات الأمن الخاصة الموالية للجنة الأمنية العليا التي شكلتها جماعة أنصار الله (الحوثيين) ومسلحون من الجماعة على مطار تعز وعدد من مرافقه، السبت الماضي، في إطار الاستعدادات للمواجهات مع أنصار الرئيس عبدربه منصور هادي في المحافظات الجنوبية.
وتزايدت المخاوف في اليمن من توقف الصناعة في مدينة تعز، عقب سيطرة جماعة الحوثيين على المدينة، وأعرب مدير عام الغرفة التجارية بتعز، مفيد عبده سيف، عن مخاوفه من تعطل المصانع.
وقال سيف لـ"العربي الجديد": توتر الوضع الأمني في المدينة يقوض حركة التجارة، وقد يؤدي إلى توقف الصناعة. نحن بصدد كارثة اقتصادية، ففي المدينة عشرات المصانع وآلاف من الموظفين والعاملين في القطاع الصناعي.
وتضم تعز أكبر قاعدة صناعية في اليمن، حيث يوجد فيها مصانع للأغذية والأثاث والسجائر والمعلبات والأدوات الكهربائية والإسمنت والمنظفات وزيوت السيارات وغيرها.
وتبلغ تكلفة المشاريع الصناعية في تعز ما يقارب مليار دولار، توفر نحو 22 ألف فرصة عمل، وفق بيانات هيئة الاستثمار اليمنية.
اقرأ أيضاً:
الحوثي يعزل اليمن اقتصادياً لصالح إيران وروسيا
وتعز هي المحافظة الأكثر سكانا على مستوى البلاد، حيث تضم مليوني نسمة، وتعد أكبر سوق استهلاكية مع ارتفاع الطلب المتزايد على السلع التجارية.
وتضم المدينة ميناء المخاء التاريخي الشهير، وهو المركز الرئيس لشركات مجموعة هائل سعيد أنعم، أكبر مجموعة اقتصادية في البلاد، والتي تمتلك 87 شركة في اليمن ودول العالم.
وبات الحوثيون على مقربة من مضيق باب المندب الذي يتبع محافظة تعز إداريا ويقع علي
ساحل البحر الأحمر والمدخل الجنوبي لقناة السويس.
وقال المحلل الاقتصادي، حسن العديني، لـ"العربي الجديد": إن الحوثيين بسيطرتهم على محافظة تعز يقتربون من باب المندب، وهو هدفهم الرئيس، وقد سيطروا فعليا على ميناء المخاء التابع لتعز والمطل على البحر الأحمر، وهو ميناء تاريخي مهم يوفر للحوثيين منفذا بحريا جديدا ويقربهم أكثر من مضيق المندب".
وتوقع العديني حدوث معركة بين قوات الحوثيين والقوات الجنوبية التي وصلت أمس الأول
الأحد، إلى المناطق المطلة على مضيق باب المندب لتأمين الملاحة الدولية.
ووصل المئات من مسلحي القبائل من مناطق جنوبية، معززين بقوات الجيش، صباح الأحد، إلى المناطق المطلة على باب المندب، وهي رأس عمران ورأس العارة، وبالقرب من جزيرة ميون.
وحسب مصدر عسكري، فإن التعزيزات الكبيرة هي لتأمين سير الملاحة الدولية في مضيق باب المندب، ولمنع أي تسلل للحوثيين للسيطرة عليه ومهاجمة عدن من البحر.
ويعد مضيق باب المندب، من أهم الممرات في العالم، حيث يربط بين البحر الأحمر وخليج عدن، الذي تمر منه كل عام 25 ألف سفينة، تمثل 7% من الملاحة العالمية.
وظلت أهمية باب المندب محدودة حتى افتتاح قناة السويس عام 1869، وربط البحر الأحمر وما يليه بالبحر المتوسط، فتحول إلى واحد من أهم ممرات النقل والمعابر على الطرق البحرية بين بلدان أوروبا والبحر المتوسط، والمحيط الهندي وشرق أفريقيا.
وخلق إعلان الحرب، حالة من الفوضى في بعض محافظات اليمن. واقتحم عناصر من تنظيم القاعدة، يوم الأحد، المصرف الأهلي في مدينة الحوطة عاصمة محافظة لحج جنوب اليمن.
وذكر شهود عيان أنهم شاهدوا المسلحين الذين ينتمون للقاعدة وهم يوزعون مبالغ مالية على المارة في الشوارع، وأكدت مصادر محلية أن المسلحين اقتحموا أيضاً فرع البنك المركزي الحكومي.
وأصدرت اللجنة الثورية التابعة لجماعة الحوثي، قرارا يتضمن توجيهاً لوزارة المالية بتوفير الأموال للقوات العسكرية والأمنية لما يسمى بـ"التعبئة العامة"، لمواجهة من تصفهم بـ "القاعدة والدواعش".
ويعيش اليمن في ظل ظروف أمنية معقدة وأزمة اقتصادية، منذ سيطرة مسلحي جماعة الحوثيين على مؤسسات الدولة في سبتمبر/أيلول الماضي.
وأظهر تقرير حديث صادر عن المصرف المركزي اليمني، تراجع حصة البلاد من صادرات
النفط، خلال الفترة من يناير/كانون الثاني وحتى نوفمبر/تشرين الثاني 2014، إلى 1.58 مليار دولار، بانخفاض 892 مليون دولار عن الفترة المقابلة من عام 2013.
ويقول محللون، إن اقتصاد اليمن وصل إلى مرحلة العجز، فيما يتعلق بالقدرة على دفع ثمن واردات النفط والقمح والسلع الأساسية الأخرى، وإن الضائقة المالية مرشحة للصعود بعد وقف السعودية جميع مساعداتها لليمن منذ سيطرة الحوثيين على مفاصل الدولة.
وأدت سيطرة المسلحين الحوثيين على العاصمة ومدن أخرى، إلى تفاقم أعباء الاقتصاد اليمني الهش، نتيجة الركود وتوقف النشاط الاقتصادي، وانخفاض التدفقات النقدية من المساعدات الخارجية.
اقرأ أيضاً:
اليمن بدون مانحين بعد انقلاب الحوثيين