أدرك هلال شهر شوّال منزلته معلنًا عيد الفطر وانتهاء شهر رمضان، هذا الحدث الفلكي ينهي الحالة الاجتماعية التي تسود في معظم المجتمعات العربية والإسلامية طيلة الشهر الفضيل، وعامًا بعد عام تستعر الحملات الإعلامية والبرامج الدينية في توظيف طقس الصيام كأداة في النزاع المستمرّ حول ماهية دين الإسلام والوجه الحقيقي الذي يمثلّه؛ في نزاع أقرب لأن يكون شأنًا عالميًا يشكّل مشكلة إقليمية أو قلقًا يساور المسلمين الغيورين على دينهم، لا سيما عدد الذين يدينون بالإسلام في أوروبا وتصدّره أكثر الأديان نموًا في العالم.
يمتلك شهر رمضان الطقس الروحاني الذي يسهّل تقديمه للغرب، فنرى مواضيع في كبرى المؤسّسات الإعلامية مثل الغارديان والاندبندنت من قبيل "6 أشياء لا تفعلها أمام الصائم"، و"كيف تُظهر تضامنك مع المسلمين في شهر رمضان"، بأسلوب يذكر بمواضيع التريفيا التي تتمحور حول الأمور الجانبية والاهتمامات الهامشية، عوضًا عن بحث معمّق أو دراسة جدية، فيسلب هذا النهج صميم الموضوع ويضع المتلقي في حالة ذهنية تفكّر بأسلوب "صدّق أو لا تصدّق"؛ على سبيل المثال أن مشروب الفيمتو الإنكليزي هو أكثر مادة يستهلكها الصائمون خلال رمضان.
ربّما تنال الحالات الفردية تقديرًا أعلى وتحقّق مصداقية أكبر من الأسلوب السابق، فهذا حارس استاد فرنسا ضحّى بنفسه ليمنع الإرهابي من الدخول إلى الملعب، وتلك فتاة أسترالية تمارس الباليه رغم حجابها، وفي معظم هذه الحالات يرد سلوك الفرد إلى عوامله الشخصية دونًا عن معتقداته، لأنّ غالب القصص التي يروّج لها يغيب عنها الاتساق مع التعاليم الدينية للإسلام، كما في حال الباليه أو المسجد "الليبرالي" المقام في برلين، الذي يسمح بالصلاة المختلطة ويستقبل السافرات والمثليين جنسيًا. وهذا يحيل "المسلم" إلى خانة "الآخر" أو الغريب، وهي صورة أقل قسوة من صورة "العدو" بطريقة ما، ووفقًا لها يغدو السؤال "ماذا تكون" بدلًا من "لماذا"، وهذا ما يؤدّي لأجوبة تنهال في سياق "99 معلومة لا تعرفها عن المسلمين" و"احزر أي دين تسبّب في قتل البشر أكثر".
لنفجّر .. لنفجّر.. لنفجّر
يقترح إعلان "زين" الجديد على لسان المطرب حسين الجسمي "تفجير العنف رفقًا والضلال حقًا"، إلى غيرها مما أسعفت القافية قريحة كاتب الكلمات، لسنا هنا بصدد الحديث عن مكوّنات الإعلان الفنية أو الضجّة التي أثارها بسرقة ضحايا "معركة أخرى" وزجّها في ما يخدم مقولته، بل يهمّنا وجه الإسلام المطروح هنا بالحثّ على اللين والسلم، وظهور دليل شرعي في الخلفية "لا إكراه في الدين"، وسط تباين لحن "التكبير" بين الإرهابي والجسمي الذي يكرّر بلحن ساذج كلماته ثلاثًا.
يغيب عن العقلية - التي تقف خلف هذا الإعلان - تذّكر تجربة الطبيب المصري حسان حتحوت في التسعينيات؛ فالرجل الذي قال له حسن البنّا وهو في مقتبل العمر "سنقاتل الناس بالحب"، قدّم مسيرةً جيدةً في تقديم الإسلام للغرب توّجها بأداء صلاة العيد في البيت الأبيض عام 1999. لكن بتباين الأيديولوجيات التي تحكّم صورة الإسلام المقدّمة يغيب المجهود التراكمي والبناء على أساس سابق، ويقع النتاج الجديد بعمومه في ابتذال البديهيات؛ "سلمًا لا لا لا حربًا"، وكأن لهذه الجملة أثرًا أمام دليل شرعيٍّ بقوّة "أن أغزو فأقتل"؛ ثلاثًا.
أمّا في "دار الخلافة"، فالأمور أكثر تنظيمًا؛ صدرت حتى الآن عشرة أعداد من مجلة "رومية" عن مركز الحياة الإعلامي التابع لـ"داعش" منذ بداية صدورها في ذي الحجة الماضي، وتصدر المجلة بثماني لغاتٍ تغيب عنها العربية وانخفض عدد اللغات في عددها الأخير إلى خمس.
تبدو صورة الإسلام التي يقدّمها "داعش" أكثر الصور عنايةً بالجوهر بين صور باهتة لإسلام يناسب القرن الواحد والعشرين، وببقاء بقية المدارس متنازعة على تقديم وجه أكثر سماحة لا يتقاطع مع إسلام من يخالف أجندتها، تترك الساحة للفكر المتطرّف الذي لا يُعنى بنفي التهمة عن نفسه ليتطرّق إلى مواضيع أكثر وأشمل بخطاب عالمي متعدّد اللغات، على عكس الصورة الكاريكاتورية التي روّج لها مسلسل "غرابيب سود" الناتج عن ذات المشكاة التي أفرزت إعلان "زين".