إعلام النظام السوري يتوسّل جمهوره متأخراً: "ساعدونا"

29 يونيو 2019
الإعلام ساعد نظامه في قمع ثورة السوريين(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
تبدو محاولة وزارة إعلام النظام السوري اللجوء إلى الشارع بحثاً عن إصلاح وهمي، يائسة، بعدما اتسعت الفجوة بين الطرفين، خاصة بعدما اتجه إلى الإعلام العربي والعالمي لمعرفة ما يجري في بلاده، هرباً من خطاب خشبي عقيم يتكرر منذ أكثر من أربعة عقود.

وقد بدأت القنوات التلفزيونية الموالية، نشر تقارير مصورة في الشوارع، منذ نهاية الشهر الماضي، لرصد آراء الشارع السوري الخاضع للنظام، ضمن حملة أطلقت عليها وزارة الإعلام عنوان "ساعدونا لنصير أحسن". ولا جديد في هذه الحملة، بل تضاف إلى سلسلة محاولات سطحية مرتجلة دأب كل وزير جديد على إطلاقها.

وتُوجه انتقادات حادّة لوزير الإعلام الحالي عماد سارة الذي مضى على تعيينه عام ونصف العام من دون تغيير يذكر في وسائل إعلام النظام المختلفة التي لا تزال تردد الخطاب نفسه الذي يُوصف بـ "الخشبي والعقيم". واعترف سارة نفسه قبل أيام بأن المواطن السوري "ابتعد عن وسائل إعلامه الرسمية، لأن وسائل إعلامه ابتعدت عنه وعن مشاكله وآلامه"، زاعماً إطلاق حملة "ساعدونا لنصير أحسن"، لـ "نعرف ما هي الأسباب غير الواضحة ونصححها".

وزعم سارة "أن استراتيجية الإعلام في المرحلة المقبلة تقوم على أن يكون الإعلام إعلام وطن ومواطن"، وهي العبارة التي لطالما سمعها السوريون منذ عام 1970، حين استلم حافظ الأسد السلطة. لكن الإعلام ظل منبر شخص واحد وحزب واحد. وتوعد سارة "المقصرين والفاسدين الذين سيكونون هدف الإعلام"، متناسياً أن سورية تعوم على بحر من الفساد يعد سياسة ممنهجة اعتمدها النظام على مدى أكثر من أربعين عاماً، وأدت أخيراً إلى مقتل وتشريد ملايين السوريين على يد هذا النظام وقواته.

وكانت صحيفة "تشرين" التابعة للنظام نشرت أخيراً نتائج استطلاع أجرته وشمل شرائح متعددة، وتمحور حول الإجابة على السؤال التالي: هل تتابع الصحف السورية، وخاصة "تشرين"، ولماذا؟ وبيّنت النتائج أن طلاب كلية الإعلام في "جامعة دمشق" لا يتابعون إعلام النظام بكل وسائله المرئية والمكتوبة والمسموعة، بل أوضح الاستطلاع أن أساتذة هذه الكلية أيضاً غير مهتمين بإعلام النظام. وأظهر استطلاع صحيفة "تشرين" أن أغلب من شارك فيه يرى أن "وسائل التواصل الاجتماعي تقدم لهم الخبر بطريقة أكثر جاذبية وجرأة وسرعة". وأشارت إلى أن ثمة من "لا يجد غضاضة في الحديث عن حاجته للصحف لكي يستخدمها كمماسح للزجاج".
طبعاً، مهمة إقناع المشاهد بصدق إعلام النظام شبه مستحيلة؛ قبل انطلاق الثورة في مارس/آذار عام 2011 كرر السوريون عبارتهم الساخرة "التلفزيون يكذب حتى في النشرة الجوية"، وأكدتها وقائع الثورة بأسلوب أكثر حدّة، بعد تحول الإعلام التابع للنظام إلى وسائل تشوه للحقيقة ومنابر تدعو إلى قتل السوريين الثائرين على استبداد عقود وفساد استشرى في كل مفاصل الدولة.

وليس غريباً أن "كاذب... كاذب... كاذب... الإعلام السوري كاذب" كان من أول شعارات الثورة، رداً على دأب هذا الإعلام على ترداد أخبار ملفقة في محاولة لتطويق الانتفاضة الشعبية وضرب جوهرها الأخلاقي. فنظام بشار الأسد يعتمد سياسة الولاء قبل الكفاءة في تعيين الموظفين، والمؤسسات الإعلامية ليست استثناء. وتتبع لوزارة الإعلام في حكومة النظام صحف عدة تصدر في دمشق وبعض المحافظات، منها "تشرين" و"الثورة" و"الفداء" و"الجماهير". كما تتبع لها "وكالة سانا للأنباء" و"الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون" التي تضم قنوات تلفزيونية وإذاعات عدة. ومعروف في سورية أن وزارة الإعلام تسمى على نطاق واسع "وزارة العْلاك".

ومنذ انقلاب عام 1963، لم يعد هناك إعلام في سورية بل منابر مكتوبة ومرئية ومسموعة تروّج لحكم الفرد والحزب والعائلة ليس أكثر، حين ألغى النظام تراخيص الصحف كافة التي كانت تصدر في عموم المحافظات السورية. وفي مطلع الألفية الجديدة، سُمح لبعض المقربين من النظام إصدار صحف تقف على يمين الإعلام الرسمي في الترويج للنظام ورئيسه، وفي مقدمتها صحيفة "الوطن" التي يملكها نجل خال بشار الأسد، رامي مخلوف.

وظهرت في سورية مواقع إخبارية إلكترونية عدة تُدار مباشرة من قسم الإعلام في إدارة المخابرات العامة (أمن الدولة) الذي يوزع الإعلانات على هذه المواقع وفق حجم الأكاذيب التي يروجها كل موقع. وقتل النظام خلال سنوات الثورة المئات من الصحافيين والناشطين الإعلاميين، وأصبحت سورية "البلد الأخطر بالعالم على الصحافيين"، وفق المنظمات الدولية المختصة بالشأن الإعلامي في العالم.
المساهمون