إعدام طفلة

18 مايو 2014
+ الخط -

لا تزال تراقب الأطفال يحملون الحقائب الملونة على أكتافهم، ويمشون كلّ إلى مدرسته. يعنيها هؤلاء فقط لأنّها أيضاً اعتادت أن تذهب إلى مدرستها سيراً على الأقدام. كان ذلك منذ زمنٍ بعيد.
هي اليوم على عتبة الخمسين. تنظر إلى الأطفال وتتقمصهم في حياتها. تتمنى أنّ ترسم على أوراق بيضاء كل ما فاتها وتعلقها على الجدران. في المدرسة والبيت والشارع. كانت تؤمن أنّ الأحلام تبدأ من خلالها. وهي لم ترد في حياتها أكثر من مدرسة وقليل من الألوان، كافية لرسم منزل صغير مع سقف من القرميد الأحمر ومدخنة.

لكن والدها أصدر قراره أو "حكم الإعدام" كما تصفه اليوم. رأى أنّها نالت ما يكفي من العلم. تعرف القراءة والكتابة. وهل يحتاج الزواج وتنظيف البيت والطهي إلى أكثر من ذلك؟

منذ ذلك الوقت، علق مشهد الأطفال في رأسها. أبى أن يفارقها. تراه ماثلاً أمامها كلّما تشعر بالضيق. تحنّ إلى طفولتها من خلاله، وتأسف عليها وعلى مستقبلٍ اضطرت لصياغته انطلاقاً من كونها متسربة. لم تفهم حينَها هذا التمييز بين الأطفال. لماذا عليها كطفلة أن تكتفي بمراقبتهم بدلاً من أن تكون مثلهم. تضحك معهم. وتتبادل وصبيٌّ جميل نظرات الاعجاب. ألم تكن طفلة، قادرة على صنع ضفائر في شعرها، وتليق المريلة بجسدها؟

تبتسم طويلاً حين تذكر علاماتها التي جعلتها متفوقة في صفّها. كأنها لا تزال تهنئ نفسها. لكن ذكورية والدها قضت على "متعها" باكراً، وحولتها إلى "سمكةٍ" أخرجت من المياه من دون سبب، فبقيت تنازع وتنفض جسدها، وتعيش من خلال قطرات ماء تتسلل إليها من فجوة في مكان ما.

وضعها والدها في قالبٍ يحصر دور المرأة في تقديم الخدمات. حتى الحبّ يصبح "خدمة" للزوج. وهذه "الواجبات" لا تحتاج إلى أكثر من محو أمية و"غريزة". سرعان ما سلمتها والدتها مهام تنظيف البيت ورعاية أشقائها الأصغر سناً. كانت الطفلة البالغة من العمر 12 عاماً، تأخذ القرارات، كأن تمنعهم من اللعب في الساحة خارج المنزل. حتى أن شقيقتها وضعت صورتها على لوح من الكرتون كانت تزينه في المدرسة لمناسبة عيد الأم. صارت أما، فيما رغبت أن تكون مجرد طفلة. وحين كبرت، ظلت ترتّب شعرها كأنها ذاهبة إلى المدرسة.

شيءٌ في داخلها ظلّ يخبرها أنها ليست مجرّد "سيدة منزل"، رغم استسلامها لهذا الدور لانعدام الخيارات، وإن كانت تواسي نفسها بين الحين والآخر، قائلة إنّ تربية الأطفال تحتاج إلى تفرّغ، كما أنّ الأمهات العاملات يظلمن أولادهن. لكن هذه ليست قناعاتها.

اليوم، بعدما تزوج أولادها، تمضي وقتها في تحضير الأطعمة لهم، والاعتناء بأطفالهم. تُمارس مهاماً أخبروها أنّها من اختصاص النساء فقط، حتى أدمنتها. وحين تشتاق إلى نفسها، تهرع إلى الشرفة، تنظر إلى الأطفال، وتبكي. وتعترف في داخلها أنّها تغار منهم.

المساهمون