يعمل تلفزيون النظام السوري وفق منظومة قنوات تتبع لإدارة مالية وتخطيطية موحّدة، وكلما حاول أن يطلق مشروعاً تلفزيونياً لقناة ما، تراه يقع في نفس الدوّامة من خلال الاعتماد على آلية تنقّل العاملين بين القنوات، فالموظّف نفسه يعمل في أكثر من محطة ضمن شبكة تلفزيون النظام، وتحت عين ذات الرقيب الذي سوف يقيّم التقارير.
فمثلاً لو شاهدنا قناة "تلاقي"، سنكتشف التشابه المفضوح في نوعية التقارير الصباحية التي تعرض على الفضائية السورية أو التربوية السورية، لأن المحرّر الذي يعمل هنا هو ذاته يعمل هناك، ولن يستطيع تقديم معالجة جديدة لفكرته الأولى، وهو الذي اعتاد الكسل والترهّل، واعتاد أن تكون معلومته "إنترنتية" مستهلكة، بالتالي سيكون على المعدّ الذي يعمل في برنامج الفضائية السورية إعادة إنتاج ذات التقرير مع مونتاج هزيل ليقدّمه ضمن "صباح التلاقي" مثلاً.
حتى الأفلام الوثائقية التي عرضتها "تلاقي" كانت حلولاً "يوتيوبيّة". ومن حين إلى آخر، تعرض مسلسلات مصرية مثل "ليالي الحلمية" و"رأفت الهجان" أو أفلام روسية عن صمود السوفييت مثل "أطول معركة في التاريخ".
لا يبدو واضحاً إن العطب في نوعية معظم الكوادر التي أثبت ضعفها في تجارب برامجية ضمن القنوات القائمة منذ سنوات، أم إنها عقلية "التنفيعة" الرائجة في التلفزيون السوري؟
"تلاقي" التي ظنّها جزء من السوريين في بداياتها "متنفساً إعلامياً مختلفاً" لم تحمل شيئاً من شعارها "نلتقي لنرتقي"، فالبرامج الظاهرة ضمن خطتها العامة تذهب نحو القضايا الاجتماعية التي سبق للفضائية السورية أن تناولتها منذ سنوات. ببساطة لأن مكاتب المحطة تقع داخل بناء الهيئة العامة للتلفزيون الرسمي في ساحة الأمويين الدمشقية، وهذا في حد ذاته يفرض عليها الرؤية المخابراتية الضيقة على مستوى الكادر والمكان وما يفترض أنه رؤية مهنية.
كان هدف القناة المعلن هو طرح "الرأي المعارض" للنظام، لكنها وقعت في مطب التصنيف حسب الطلب؛ هذا الضيف معارض شرس قد ينتقد "الدولة" اصرفوه! هذا الضيف معارض "تحت الباط" دعوه على الهواء مباشرة، وهكذا.
لا غرابة بعد ذلك أن موالي النظام أنفسهم باتوا يطالبون بإغلاق القناة، ساخرين من مصاريفها الهائلة التي قد تستخدم في ترميم خزانات الكهرباء المعطوبة في الأحياء الفقيرة أو لبناء غرف مؤقتة للمهجرين لعلهم "يلتقون ويرتقون"!